أمّا أكثر ما يثير السخرية، فهو الراعي الأساسي: «روابي». المضحك المبكي أنّ الأخيرة هي مدينة «التعايش» الفلسطيني ــ الإسرائيلي التي لم تُشيّد إلا على نسق مستوطنات المحتل وبـ«خيراته» المالية.
لا شكّ في أنّنا لسنا أمام حدث باهت هذه المرّة. على غير العادة، لن يشعر المستمع الفلسطيني بالغربة ولا بالملل أثناء استماعه إلى الإذاعات المحليّة. هذه الإذاعات التي لا تصيب قلبه في ما تقدّمه، ستشذّ عن المألوف، مدفوعةً فقط بفكرة الكسب المادي.
اليوم، ستشهد الساحة الإعلامية الفلسطينية تغطية حيوية لإشكاليات الواقع المحلي وقضاياه المتجدّدة. إذاعة «راية» المحليّة ستتولّى هذه التغطية في أطول حوار إذاعي شهده العالم في محاولة منها لدخول موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية.
تسعى الإذاعة من وراء ذلك إلى كسر الرقم القياسي الذي حققّته المذيعة اللبنانية ريما نجيم العام الماضي (46 ساعة متواصلة). هكذا، سيكون الإعلام المسموع أمام تحدٍ شاق متمثّل في المزاوجة بين شكل ومضمون يتوافقان مع شروط اقتحام «غينيس».
هذه العدوى التي أصابت «راية» بعدما اجتازت فضائية «تلاقي» السورية أخيراً سباقاً ماراثونياً شبيهاً، تثير تساؤلات عن استثمار الأحداث المرتبطة بالقضية الفلسطينية في تحقيق أهداف خاصة.
اختارت «راية» أن ينطلق حدثها تزامناً مع «اليوم العالمي للتضامن مع فلسطين». على مدار 50 ساعة متواصلة، سيفتح المذيع طلعت علوي ملفات شائكة مع 250 شخصية فلسطينية وعربية، وبالشراكة مع 50 مؤسسة إعلامية أخرى. الملفات التي ستتنوّع بين السياسة والاجتماع والثقافة، ولطالما كانت حبيسة أدراج الإعلام الفلسطيني، ستُفتح اليوم بفضل «غينيس» وعائداتها الماليّة.
بحسب علوي، فإنّ القضايا المطروحة «لن تخضع للمناطقية. وستتناول عوائق السفر والتنقل التي يواجهها الفلسطينيون، ومخططات الأسرلة وتفريغ الأرض من أصحابها». كلّ ذلك، وسط مواكبة حيّة للأحداث المشتعلة في القدس المحتلة، مع الإضاءة على ملف إعادة إعمار قطاع غزّة العالق،
سيستمرّ البث 50 ساعة متواصلة
إضافةً إلى البحث في الهموم الفلسطينية اليومية كالضرائب، والرسوم، والبطالة، مع التعريج على كيفية تفعيل حملة المقاطعة الوطنية. إجمالاً، سيُقسّم «الماراثون» إلى أربعة أقسام، على أن تُخصص 12 ساعة لكل منه، مع التقيّد بشروط «غينيس» من عدم تجاوز مدة حديث الضيف الخمس دقائق، وحق المذيع في الاستراحة للمدّة نفسها خلال كلّ ساعة.
هذا الحدث المهم الذي سيراقبه العالم، ستتابعه مجموعة «غينيس» من مكتبَيْها في لندن ودبي، وسترعاه أهم الشركات النافذة في السوق الفلسطينية، كـ«الاتصالات»، و«جوال»، و«الوطنية»، و«بيجو».
أمّا أكثر ما يثير السخرية، فهو الراعي الأساسي: «روابي». المضحك المبكي أنّ الأخيرة هي مدينة «التعايش» الفلسطيني ــ الإسرائيلي التي لم تُشيّد إلا على نسق مستوطنات المحتل وبـ«خيراته» المالية. هذه المدينة التي تشدو لـ«حب الحياة»، لا تفتح ذراعيها إلا لـ«الفلسطيني الجديد» الذي ينحّي السكين والرصاص جانباً، ويغفو ويصحو على ترانيم «السلام».
إذاً، «راية» وغيرها من الإذاعات الغائبة عادةً عن فلسطين وهمومها، ستمتطي ظهر القضية لتتربّح من ورائها، تماماً كمن «يقتل القتيل ويمشي في جنازته»!