25-11-2024 04:30 AM بتوقيت القدس المحتلة

في "اليوم العالمي للفلسفة" أين هو موقع الأدب؟!

في

تحدث الدكتور محمّد شيا عن "البعد الفلسفي الإنساني في أدب نهج البلاغة" تمحورت حول التعريف في الكتاب، ووظيفة الأدب في نهج البلاغة، والبعد الفلسفي في نهج البلاغة بشكليها كفكر وعِبر وشذرات وحِكم

في احتفل معهد المعارف الحكميّة للدراسات الدينيّة والفلسفيّة ضمن فعّاليات اليوم العالميّ للفلسفة، بتنظيم ندوة بعنوان "الأدب الفلسفيّ" في مقرّ الأونيسكو، تحدّث فيها الدكتور محمّد شيّا عن البعد الفلسفيّ- الإنسانيّ في أدب نهج البلاغة، والدكتور الشاعر محمّد علي شمس الدين عن "بين الكشف والبرهان ونقيضه: ملاحظات في الشعر والفلسفة"، والأب الدكتور جورج خوّام عن "النفس بحسب غريغوريوس أسقف نيصيا: نشأتها، طبيعتها، حياتها وقرانها الجسديّ" والدكتور أحمد ماجد عن "الأخلاق والفلسفة في الرسالة السمكيّة للعلّامة السيّد محمّد رضا فضل الله"، وأدارها الإعلاميّ عديّ الموسويّ.

تقرير/ منى سكرية

حضر عدد من الأكاديميين والطلّاب الجامعيين، فالنشيد الوطني اللبناني آي من الذكر الحكيم ثمّ كلمة الموسوي مدير الندوة، فشرح معنى عنوان الندوة، مشيرًا أنّ الفلسفة يمكن أن تجتمع مع عناصر أخرى، وألّا يحمل الأدب بذورًا فلسفيّة في إبداعاته، مستعرضًا لعدد من الأسماء اللامعة في هذا الميدان المترابط كما قال.

وألقى كلمة معهد المعارف الحكميّة الدكتور أحمد ماجد مرّحبًا بالحضور عارضًا هدف معهد المعارف الحكمية من اختياره عنوان الأدب الفلسفي لهذا العام في احتفالية اليوم العالمي للفلسفة. ثم عرّج الدكتور ماجد في كلمته وبشكل موجز على محاضرته وذلك افساحًا في المجال أمام الضيوف الكرام لتقديم أوراقهم..

تناول الدكتور ماجد في محاضرته عنوان: "الأخلاق والفلسفة في الرسالة السمكية للعلّامة السيد محمد رضا فضل الله"، حيث اعتبر أنّ الوجود الإنسانيّ لا ينفكّ عن السؤال الفلسفيّ، وأشار إلى أنّ الفلسفة التي بدأت تساؤلًا وتأمّلًا في طبائع الأشياء، وبحثًا عن أجوبة لظواهر وحوادث واجهت الإنسان جعلته يغور في ذاته أكثر فأكثر لاستكناه الوجود والقبض على العالم ونظمه عقليًّا، سرعان ما وجدت نفسها تخاطب نخبًا، ولا تستطيع أن تدخل الوجدان، فركبت جناح الخيال وبنت عالمًا من الصور، لتستطيع أن تتسلّل إلى عقول الناس، فكان الأدب مركبتها السحريّة التي امتطتها، مستفيدة بما لديها من مرونة وقدرة على نقل وتركيب الصور الذهنيّة المختلفة.

وتابع، اذا كانت الفلسفة مجالًا للأفكار، يستخدمها المختصون، فالنص الأدبيّ يفتح لها باب الفهم من زاويتي الشكل والمضمون، ليجعلها قادرة على الوصول إلى المتلقّي من خلال الأساليب الرمزيّة والتصويريّة....وأضاف، بأنّ الأدب الفلسفي يحوّل الأدب إلى وجود ذهنيّ وفكريّ وجدانيّ تتفاعل مع الآخرين تأثيرًا وتأثّرًا بفعل اللغة، من هنا جاء اهتمام معهد المعارف الحكميّة بهذه القضية كونها تمثّل اهتمام الماضين والآتين...

في وقال: إنّ ما حفّز معهد المعارف الحكميّة للعمل على هذا الموضوع، وجود تراث فكريّ أدبيّ مجهول، يحتاج إلى عمل دؤوب لإخراجه إلى الوجود بعدما جرى تغييبه عن قصدٍ أو غير قصد، والعمل في هذا المجال سيؤدّي إلى إعادة الكشف عن شخصيات علميّة ساهمت في النهضة العلميّة والأدبية في العصر الحديث، ولكنها تعرّضت للاهمال، ومن هذه الشخصيات السيد محمّد رضا فضل الله الذي كتب وبشكل مبكر قصة فلسفيّة تحت عنوان "الرسالة السمكيّة".

وأشار الدكتور ماجد، إلى أنّ العلامة محمّد رضا فضل الله يستحضر في رسالته السمكية ابن سينا ونظريته حول النفس وتقسيماتها، ويعيد إنتاجها بقالب قصصيّ.وختم الدكتور ماجد بالقول: إنّ الكلام عن الأدب الفلسفي في هذا السياق بخصوصيّة عربيّة إسلاميّة، لا يعني تقوقع هذه الخصوصية، بل على العكس فكثيرًا من هذه الأعمال وجدت طريقها إلى العالمية لأنها حاكت وجدان الإنسان، والإنسان واحد وإن تنوعت المجتمعات.

وتحدّث الأب الدكتور جورج خوّام عن "النفس البشريّة". ركّز فيها على نقطتين تتعلقان بمنشأ النفس، وحياتها وقرانها بالجسد. وأورد تعريفًا بغريغوريوس أي الساهر صاحب هذه النظريّة، وقال إنّ تاريخ مولده غير محدّد، وإن عاش في القرن الذي شهد تغييرات تاريخيّة بحلول البيزنطيّة مكان الإغريقيّة وعلى الصعيد الدينيّ بدأت الديانات الإغريقيّة تتلاشى وتحلّ مكانها المسيحيّة.

وأشار إلى مصادر فكره عن النفس البشريّة ومنها كتابه "خلق الإنسان". وعن منشأ النفس وطبيعتها في فكر غريغوريوس قال: إنّ فلسفته تبدأ من أنّ النفس موجودة وهذا كان أمرًا مغايرًا لما كان سائدًا في الفلسفة تلك الأزمنة كانت تقول بتعدّد الأنفس البشريّة في ذات الإنسان.

ولفت إلى أنّه اتبع منهجًا في دراسته عن النفس للبرهان على قوى النفس ونشاطها، والحلم والفهم والتمييز، وصولًا إلى خاصّية الإدراك. وكان يقول إنّ النفس تقوم بنشاطها، وأنّ النفس لا لون لها وليس فيها كم ولا موضع لها، ولا أيّة سمة من السمات الموجودة في المادة. إنّها تخلو من كلّ تركيب كما الجوهر الإلهيّ. فمن جهة هي من صنع الله وطبيعتها مركّبة وليست متناقضة وهي حيّة وفاعلة ومؤثّرة من جهة ثانية.

وتابع: النفس طبيعة مغايرة ككلّ جوهر وجوديّ، كما يقول غريغوريوس. ثمّ انتقل إلى توصيف حياة النفس كما تحدّث عنها غريغريوس فقال إنّ النفس تتغذّى من الحقّ والخير بنمو متواتر لأنّ طبيعتها غير الماديّة تدفعها إلى حقلي الحقّ والخير. وينقل عن غريغوريوس قوله إنّ الطريقة التي تتبعها النفس لتأخذ قوّتها من الله، أنّها ترى لكنّها لا تحتاج إلى عينين. إنّه يقع في النفس كلّ موجبات الحياة من دون أن يكون لهذه الطاقات بعد ماديّ. النفس تشاهد الله وتأخذ منه قوّتها، وهذا ما يفسّر ميل الإنسان الطبيعيّ إلى الخير قبل التحام النفس بالجسد.

ونقل عنه اعتقاده أنّ النفس عند التحامها بالجسد قادرة على إعطائها الجاه للجسم، ولكن لأنّ الجسم ماديّ يسقط مع الزمن في حين أنّ النفس حيّة خالدة. وقال: هذا فكر دينيّ يغلب عليه الطابع الزهديّ، لكنّه لا يخلو من منطق، ولا يتقاعس عن طرح العلل تمامًا في الفلسفة من دون أن يهمل العقل والبرهان والمنطق والحجّة.

وتحدّث الدكتور الشاعر محمّد علي شمس الدين فقال: إنّ الشعر والقرآن لم يكونا على وئام، بل على صراع شرس، ذلك قبل أن يلتفت المتصوّفة إلى ما في القرآن من رموز وإشارات معجزة، وكذلك القصص القرآنيّ الذي بمعنى المخيّلة، فالتفت المتصوّفة على القرآن. وأضاف: الشعر جرح قريب من جروح الغيب.

في ونقل عن المؤرّخ اليعقوبي أنّ آدم كان أوّل الشعراء، وهنا أميل إلى الاعتقاد أنّ الشاعر الأوّل هو الإنسان الأوّل ومثله الفنّان الأوّل والفيلسوف الأوّل، وسأل: هل للفلسفة نشوة فنيّة شبيهة بنشوة الفن، وقال: أعتقد أنّ النشوة الفلسفيّة مصدرها العقل، والنشوة الفنيّة مصدرها القلب. وقال: إنّ ثلاثة يبحثون عن المجهول، فيختلف النص العلميّ عن النص الفلسفيّ ويختلف الفلسفيّ عن الأدبيّ وهكذا.

وأشار إلى افتراق النص الفلسفيّ عن النص الفنيّ وهو افتراق في الطريقة وليس في الحقيقة. ونفى وجود فلسفة في مرحلة الجاهلية، وإنّما كان الشعر، وأن الشاعر أكل الفلسفة، وأن الفلسفة تحتاج إلى حد من الاستقرار. وتابع، عندما جاء القرآن شكّل إشكالية للشاعر بقوله عنهم غاوون، وأوجد صراعًا بين النبي الذي مصدر كلامه الله، والشاعر الذي مصدر كلامه الإبداع.

وأضاف، كان صراعًا حتى الموت في البداية، واستمرت قليلًا إلى أن جاء العصر الأموي فأعاد مثلًا الشعراء الأخطل والفرزدق وغيرهم للشعر سطوته، ودعموا عصبية الحكم الأموي، فالتف الشعر على الإسلام وسببه كان سياسيًّا بالرغم من أن الأداء كان فنيًّا. ولفت الى انتباه المتصوفة للأبعاد العميقة في القرآن، وكشفوا الستار عن نبع عظيم للشعر في القرآن. وتطرق إلى اللحظة المعاصرة فدعا إلى الانتباه إلى مرافقة الشعر العربي الحديث والمعاصر للشعر الغربي والفلسفة الغربية.

وأخيرًا تحدث الدكتور محمّد شيا عن "البعد الفلسفي الإنساني في أدب نهج البلاغة" تمحورت حول التعريف في الكتاب، ووظيفة الأدب في نهج البلاغة، والبعد الفلسفي في نهج البلاغة بشكليها كفكر وعِبر وشذرات وحِكم. وأشار إلى الاجتهاد الفلسفي في نهج البلاغة من حيث المفردات والكلمات وهو ما استنتجه المتحدّث شيا.

ولفت إلى دعوة الإمام علي في نهج البلاغة إلى العقل والحكمة، وإفساحه المساحة لحرية الإنسان وكرامته، مقارنًا بين أقوال للفيلسوف أرسطو وشبيهاتها في نهج البلاغة وأساسها العقل والتفكير.. وتطرق إلى أفكاره حول الزهد والبعد الفلسفي والمنطقي لهذه الأفكار.. وذكر أن هذه الأفكار جديدة على فضاء الأفكار الفلسفيّة العربيّة...

تصوير : زينب الطحان