فيما يتواصل تشييع الاجواء الايجابية حول الحوار المرتجى بين «حزب الله» و»تيار المستقبل»، ينشغل فريقان في متابعة الملف: فريق اول، هم المعنيون في الحزبين و»اصدقاؤهم»
الكنيسة لا تريد رئيساً يخاصمه نصف الشعب
دنيز عطا الله حداد
فيما يتواصل تشييع الاجواء الايجابية حول الحوار المرتجى بين «حزب الله» و»تيار المستقبل»، ينشغل فريقان في متابعة الملف: فريق اول، هم المعنيون في الحزبين و»اصدقاؤهم»، وفي طليعتهم الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط. هؤلاء يدققون في جدول اعمال الحوار وآلياته ومآله. يشجعون، يرسمون خارطة طريق، يضعون اولويات واهدافا وعناوين، ويحاولون، بالقدر الممكن، الرهان على النجاح في الوصول الى خواتيم مقبولة في عدد ولو محدد من الملفات.
اما الفريق الثاني المتابع لمسار هذا الحوار فهم المسيحيون، على اختلاف زعمائهم واحزابهم. يكاد دورهم في هذا المجال يبدو اقرب الى دور الشاهد ان لم يكن «المتلصلص». تصلهم اصداء بعيدة من كواليس «المستقبل» و»حزب الله». مع العلم ان الحوار المرتقب، مهما تشعب او ضاق، لا بد من ان يشمل رئاسة الجمهورية اللبنانية، التي يفترض ان يكون المسيحيون اكثر المعنيين بها، تماما كعنايتهم بكل الملفات المطروحة.
يقول احد الوزراء القريبين من «تيار المستقبل» ان «على المسيحيين ان يكونوا شركاء اساسيين في اي حوار بين الفريقين المسلمين، ليس فقط لان موضوع رئاسة الجمهورية شأن يعنيهم بالمباشر، بل خصوصا، لان اي توافق، ولو جاء مطابقا لرغباتهم، سيترك مرارة لديهم واحساسا بالتهميش». يكرر الوزير، في اكثر من صيغة، اصراره على الشراكة الكاملة للمسيحيين، لا بل «على دورهم القيادي في هذا البلد». يستعيد بعضا من حكايا التاريخ والجغرافيا واهمية خيارات البطريرك الحويك في رسم خارطة لبنان الكبير ليؤكد ان «علينا الا نخسر قيمتنا المضافة الى كل محيطنا، والا نفقد هويتنا المركبة بخليط متمايز وبناء. فبعض الاخطاء غير قابلة للمعالجة».
تشديد الوزير وحرصه على شراكة كاملة للمسيحيين في اي حوار وطني، يقابله عمليا انسحاب مسيحي، وربما عجز، عن ابتكار مشروع او طرح انقاذي للجمهورية اولا، كما لمنصب الرئاسة الاولى فيها.
في هذا السياق تكثر الطروحات، وان بقيت معظمها في الاطار النظري. فلا مبادرة جدية ولا طرح محوريا يمكن ان يلتقي عليه المسيحيون بداية ليتناقشوا فيه مع شركائهم.
يقول احد المخضرمين في السياسة اللبنانية ان «الامور لن توضع على سكة الحل في لبنان طالما ان المسيحيين مستمرون في ان يكونوا واجهة للانقسام السني - الشيعي. دورهم هو نقيض ما يقومون به تماما. ورئاسة الجمهورية محطة مفصلية ومؤشر لما ستكون عليه المرحلة المقبلة». وفيما يؤكد ان «على المسلمين الذين يبدون حرصا على المسيحيين ومصالحهم ان يكونوا اقل خداعا، فيبدأوا باحتمال بعضهم بعضا وتفهم بعضهم»، يعتبر في الوقت نفسه ان «على المسيحيين ان يرتقوا الى مستوى الدور الذي يقّر لهم به المسلمون ويحاولوا ان يترفعوا عن صغائر المصالح ويلتقطوا اللحظة المناسبة ليكونوا من جديد عامل اعادة جمع للبنان المشتهى». اما السبيل الى ذلك فيراه «في خريطة طريق تبدأ برئاسة الجمهورية ولا تنتهي بفتح باب الحوار على مصراعي الوطن بما يعيد تقريب المسافات».
اما انتخاب رئيس للجمهورية فله اكثر من دلالة. اولاها، وربما اخطرها، في رأي السياسي المخضرم، هي «في الاجابة على سؤال اي مستقبل واي افق يراد لهذا البلد؟ هل المطلوب استمرار الصراع الداخلي بقناع مسيحي؟ اذا كان الجواب نعم فهذا يعني انتخاب رئيس من رؤساء الاحزاب الاربعة المتواجهين، ليستمر من خلالهم الصراع المسيحي - المسيحي المباشر، والصراع السني - الشيعي. وهذا عبء كبير لا يحتمله البلد. المطلوب امتصاص الصدمات ومحاولة تدوير الزوايا في البلد وفتح آفاق جديدة تداوي الامراض القديمة والمتأصلة».
يردد احد الاساقفة الموارنة كلاما مشابها. ويعتبر ان «الاولوية اليوم يفترض ان تكون لانتخاب رئيس. لكن، على عكس ما يحاول بعضهم ترويجه، لا نريد اي رئيس. نريد رئيسا بمواصفات تؤهله لادارة الاختلاف والخلاف في هذا البلد بمزيج من الحكمة والشجاعة والصراحة. نريد رئيسا يتفق اللبنانيون على نزاهته الاخلاقية اولا وحرصه على جمعهم ثانيا». هل يعني هذا الكلام ان الكنيسة تريد «رئيسا توافقيا؟». يجيب الاسقف بسؤال على السؤال «وهل تريد الكنيسة رئيسا يخاصمه نصف شعبه وقياداتهم؟».