أفضى تنازع النفوذ داخل الجيش اليمني في ظل المرحلة الانتقالية إلى انفلات أمني كبير شهدته البلاد خلال السنوات الثلاث الماضية، الأمر الذي أتاح لتنظيم القاعدة فرصة التحرك وبسط النفوذ على محافظة أبين، ودخول مدينة رداع.
عبدالله علي صبري- اليمن
أفضى تنازع النفوذ داخل الجيش اليمني في ظل المرحلة الانتقالية إلى انفلات أمني كبير شهدته البلاد خلال السنوات الثلاث الماضية، الأمر الذي أتاح لتنظيم القاعدة فرصة التحرك وبسط النفوذ على محافظة أبين، ودخول مدينة رداع، كما وصل التنظيم إلى مدينة سيئون، وتمكن قبل ذلك من اختراق أمن العاصمة صنعاء في تفجيرات غير مسبوقة، وصلت ذروتها باستهداف مجمع وزارة الدفاع.
كما شهدت اليمن في الفترة نفسها اغتيالات متتالية بحق قيادات عسكرية وأمنية. وقبيل اختتام مؤتمر الحوار اغتيل الدكتور عبدالكريم جدبان، ثم الدكتور أحمد شرف الدين (وهما العضوان في المؤتمر وفي المجلس السياسي لأنصار الله)، الأمر الذي زاد من قتامة المشهد السياسي والأمني، وبات مؤكداً أن العنف بات ضرورة متلازمة لفرض الأجندة السياسية، بما في ذلك أجندة القائمين على الدولة، وما تبقى من شرعيتها.
الخارج لم يكن بعيدا عن هذه التطورات، وقد ساعد بشكل أو بآخر على اشعال فتيل الحرب في دماج وكتاف وحاشد مستغلا اللافتة الطائفية الرائجة في المنطقة. وإذ تعرضت صعدة لحرب ضارية استهدفت تحجيم النفوذ السياسي والشعبي لجماعة الحوثي، فإن مسار المعركة ميدانياً رجح الكفة الحوثية، ما جعل خصوم أنصار الله يستغيثون بالرئيس هادي ليخوض الحرب نيابة عنهم باسم الدولة، ومارس الإصلاح وآل الأحمر ضغطاً كبيراً أفضى إلى تحريك بعض وحدات الجيش لمساندة ميليشيات الإصلاح في عمران، غير أن المقاتلين الحوثيين تمكنوا من الانتصار مجددا، وبسيطرتهم على مدينة عمران، باتت خطوتهم إلى العاصمة صنعاء سالكة ومتوقعة في أي وقت.
ومرة أخرى يطفو على السطح جدل شرعية العنف واستخدام السلاح خارج إطار الدولة، وتتبدل الأدوار، فالقوى التي انضمت إلى الثورة وباركت استخدام العنف باسم الشرعية الثورية، هي نفسها التي تولت إدارة حملة سياسية وإعلامية ضد أنصار الله ووصفهم بالميليشيا المسلحة، فيما أن بقية الجيش المحسوب على الحرس الجمهوري الذي كان يقاتل إلى صف شرعية الدولة في 2011، وجد نفسه عازفاً عن خوض حرب جديدة في 2014. وفيما الثورة الشعبية الثانية كانت تزداد زخما يوما بعد يوم، كانت الأحزاب السياسية تعمل على لملمة الأوضاع والحفاظ على ما تبقى من شرعية الأمر الواقع، والقبول بتصحيح مسار الثورة والعملية السياسية عبر التوقيع على اتفاقية السلم والشراكة.
ولأن المصلحة الوطنية لم تكن يوماً في حسابات قوى النفوذ، فقد جرى التخطيط لفرض فراغ أمني كبير في العاصمة صنعاء، بحيث يتحمل أنصار الله وزر تبعاته، ولولا أن اللجان الشعبية قامت بسد هذا الفراغ لكانت البلاد في حالة يرثى لها من النهب والقتل والنزوح والتهجير.
وإذاً.. ماذا تبقى من شرعية للدولة أو للجيش أو للرئيس هادي؟
مشروع أنصار الله
لأن قوى النفوذ ومعها الرئيس هادي فضلت تسيير شؤون الدولة خارج الشرعية التوافقية، وعملت على فرض أمر واقع مستند إلى ما تملكه من قوة في الجيش والمال العام والإعلام العام ومن علاقات وتفاهمات نسجتها مع الدول الراعية للمبادرة الخليجية، فإن أنصار الله وجدوا أنفسهم مضطرين للدفاع عن أنفسهم ومشروعهم مجددا بعد أن شُنت عليهم حرب سابعة في دماج وكتاف في الوقت الذي كان الحوار الوطني يلفظ أنفاسه الأخيرة.
وعلى عكس ما كان متوقعاً، جاءت نتائج الحرب الأخيرة في مصلحة أنصار الله وعلى الضد من قوى النفوذ التي اتسعت خساراتها منذ سقوط عمران وحتى سقوط صنعاء، وفرار اللواء علي محسن الأحمر خارج اليمن. وكان بإمكان اللجان الشعبية أن تكمل سيطرتها وتفرض قيادة جديدة للبلاد، إلا أن أنصار الله سارعوا في نفس الوقت إلى التوقيع على اتفاقية السلم والشراكة دون أن يفرضوا شروط المنتصر على خصومهم السياسيين.
وإذ تستند السلطة اليوم إلى شرعية الأمر الواقع، فإن اللجان الشعبية في تحركها الميداني تستند إلى شرعية ثورية ينقصها أنها لم تشمل جنوب البلاد بعد. وهي النقطة التي منحت الرئيس هادي فرصة مضافة للمناورة السياسية، وتحميل أنصار الله أية تداعيات على صعيد انفصال الجنوب.
لكن خارج هذا الملف الذي لم يحسم بعد، يحلو للبعض أن يسأل عن المشروع السياسي لأنصار الله. وإذا افترضنا حسن النية في سؤال كهذا، وتجنبنا الاتهامات والمبالغات وما يمكن تسميته بـ "فوبيا أنصار الله"، فإنه بالإمكان الجواب على هذا السؤال، بالاستناد إلى أهداف ثورة الشعب الثانية في 21 سبتمبر 2014، التي جعلت تنفيذ مخرجات الحوار الوطني هدفاً ثالثا لها، وهنا مكمن قوة مشروع أنصار الله.
فمن المعروف أن هذه المخرجات تتضمن الرؤية السياسية للدولة المدنية، وهي رؤية وطنية صيغت بجهود ومشاركة من قبل مختلف القوى والمكونات السياسية التي شاركت في مؤتمر الحوار، ووقعت مؤخرا على اتفاقية السلم والشراكة.
وهذا يعني ان أنصار الله باتوا الحارس الأمين للمشروع الوطني، سواء من خلال مشاركتهم في السلطة أو من خلال الرقابة الثورية والشعبية، ولعل هذا ما يزعج بقية قوى النفوذ والأحزاب التقليدية التي عطلت مشروع الدولة في اليمن عقوداً طويلة. وحتى بالنسبة للجان الشعبية المسلحة، فإن أنصار الله يسيرون باتجاه تنظيم عملها بحيث تكون مساندة للجيش والأجهزة الأمنية، وفقا لمخرجات الحوار الوطني نفسه.
ويتبقى القول أن المصلحة الوطنية تقتضي تعاون وتكامل اللاعبين السياسيين وفقا للمعطيات الجديدة، وبما يساعد على الوصول إلى الوضع الطبيعي الذي تحكمه الشرعية الدستورية، بناءً على عقد اجتماعي جديد يرسم ملامح الدولة اليمنية الاتحادية ونظامها الجمهوري الديمقراطي القائم على التعددية السياسية والحزبية وتداول السلطة سلمياً، كما هو حاصل في الدول المتقدمة ديمقراطياً.
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه