كل الطائرات من دون طيار تخلق جو من الإرهاب النفسي وتسبب حالات مزمنة من القلق والصدمة النفسية لسكان هذه المناطق من المدنيين كما يؤكد تقرير مشترك نشرته كل من جامعتي ستانفورد ونيويورك.
تابع الصحافي الأميركي غلين غرينوالد في مقالته الأخيرة على موقع «ذي انترسبت» التصدي لإشكالية تعريف ضحايا ضربات الطائرات من دون طيار الأميركية، والتي بدأت «نيويورك تايمز» بطرحها منذ حوالي عامين.
ملخص هذه الإشكالية أن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما عملت على إعادة تعريف مصطلح «مقاتل»، من أجل تجنب تعداد الضحايا من المدنيين؛ فأصبح جميع الضحايا من الذكور البالغين في المناطق التي تستهدفها الطائرات من دون طيار هم حكماً من مقاتلي القاعدة والتنظيمات الجهادية الأخرى. وكما هي العادة لدى تسويق أي سياسة جديدة فلا بد من البروباغندا والكثير منها.
هكذا، في كلّ مرّة تحلّق الطائرات الأميركية من دون طيار فوق المناطق المأهولة في أفغانستان أو باكستان أو اليمن وتطلق صواريخها، تستنفر أجهزة الإعلام الأميركية، وتتوارد الأخبار العاجلة عبر وكالات الأنباء، لتخبرنا أن الضربات قد قتلت عدداً من المقاتلين في شمال غرب باكستان على سبيل المثال، على الرغم من أنّ وسائل الإعلام تلك، ليس لديها أدنى فكرة عن هوية الضحايا، وهي تعلم بأن المصطلح قد أعيد تعريفه وأفرغ من معناه ليصبح أشبه بهراء من عالم الخيال.
وعلى الرغم من أن «نيويورك تايمز» ذاتها تحاول، منذ نشرها تقريرها المذكور في العام 2012، تجنب استخدام هذه اللغة في عناوينها، إلا أنها تضفي شيئاً من المصداقية أحياناً على ادعاءات رسمية مشبوهة، مثلما فعلت بعد غارة رهيبة في اليمن في كانون الأول/ ديسمبر الماضي شنتها الولايات المتحدة، على قافلة من السيارات عائدة من عرس، وقتلت خلالها 12 شخصاً وجرحت 15 آخرين بمن فيهم العروس، إذ قالت الصحيفة: «يبدو أن معظم القتلى هم من المقاتلين المرتبطين بالقاعدة، بحسب بعض زعماء العشائر في المنطقة ولكن تقول تقارير أخرى إن العديد من المدنيين قد قتلوا أيضاً في هذه الغارة».
ويشدد ستيف كول في مقالة نشرها في «ذا نيويوركر» مؤخراً على مدى التضليل الذي قد تصله هذه الممارسات الصحافية، ويحكي للقراء عن تجربة نور بهرام، وهو صحافي مستقل يعمل على توثيق الغارات شرقي وزيرستان بالصور، مسافراً من منطقة إلى أخرى على متن دراجته ليصور ضحايا الطائرات من دون طيار منذ العام 2007 من قتلى وجرحى وأشلاء ومتعلقات بشرية. وبعدما التقى العديد من المحررين والصحافيين الآخرين الذين أخبروه أنه إذا قتل صاروخ أطلقته طائرة من دون طيار ذكراً بالغاً مدنياً، فقد يكون بائع خضار وفاكهة على سبيل المثال، فإن لحية الضحية وشعره الطويل وحدهما سيكونان كافيين لتنميط ذلك الشخص على أنه مقاتل مرتبط بالقاعدة، قرر بهرام أن يركز في تغطيته على الأطفال.
من جهته، يشدد تقرير نشر على موقع «مكتب الصحافة الاستقصائية»، وهو منظمة غير ربحية مستقلة في المملكة المتحدة أنشأت لتقصي الحقائق الإعلامية، على أن نسبة تصل إلى أقل من 4 في المئة فقط من ضحايا غارات الطائرات من دون طيار في باكستان هم من الأعضاء المؤكد انتسابهم للقاعدة. ولكن نجح كل ذلك الضخ الإعلامي في تحقيق أهدافه، فكلما حاول أحدهم مناقشة برنامج الطائرات من دون طيار ستعلو الأصوات التي تسكته بحجة أن هذه الغارات تقتل الإرهابيين ومقاتلي القاعدة، حتى ولو كانت هذه الأصوات لا تعلم هوية هؤلاء القتلى أو حتى عددهم الحقيقي.
يشير مقال «ذا نيويوركر» أيضاً إلى جانب من الموضوع غالباً ما يتم تجاهله؛ وهو الأثر النفسي الذي تتركه هذه الغارات. فكل هذه الطائرات من دون طيار، التي تحوم باستمرار فوق مناطق بعينها في شمال غرب باكستان وقد تبقى معلقة في الجو لأيام قبل أن تضرب ضربتها فجأة، تخلق جو من الإرهاب النفسي وتسبب حالات مزمنة من القلق والصدمة النفسية لسكان هذه المناطق من المدنيين كما يؤكد تقرير مشترك نشرته كل من جامعتي ستانفورد ونيويورك.