تبادل الايجابية من الحوار كأنه واقع غدا، يوحي بأن تيار المستقبل وحزب الله باتا اكثر استعدادا من اي وقت مضى لفصل الاستحقاقات الاقليمية عن الملفات الداخلية
نقولا ناصيف
تبادل الايجابية من الحوار كأنه واقع غدا، يوحي بأن تيار المستقبل وحزب الله باتا اكثر استعدادا من اي وقت مضى لفصل الاستحقاقات الاقليمية عن الملفات الداخلية. كأنهما تجرّدا حقا من عباءة المنطقة التي يتنكبانها.
عزّز الرئيس سعد الحريري حظوظ طاولة الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله، من غير ان يمنحها آمالا في وصولها الى خاتمتها. في طريق الذهاب الى الحوار، تمسك ببنود الخلاف مع حزب الله وان التقى مع رئيس مجلس النواب نبيه بري على استبعادها من جدول الاعمال. الا ان توقعه للمسار الذي ستسلكه الطاولة وطريق الاياب مليء بكل اسباب الاخفاق، او التريث في احسن الاحوال، سواء في حديثه عن انتخابات الرئاسة ورغبته في التوصل الى مرشح توافقي، او في الاتفاق على قانون جديد للانتخاب.
انطوى كلام الرئيس السابق للحكومة على ايجابية يتقاسمها مع بري، هي ضرورة جلوس رأسي حربة قوى 8 و14 آذار الى طاولة واحدة، والخوض في ما يمكن التوافق عليه بلا شروط مسبقة. عندما اكد الحريري مساء الخميس اصراره على موقفه السلبي من سلاح حزب الله وانخراطه في الحرب السورية، ناهيك بانتظار مآل المحكمة الدولية، كان رئيس المجلس يلمح في عين التينة الى ان البندين المختلف عليهما بين فريقي الحوار ليس في ايديهما بتّهما، وهما اقرب الى ملفين اقليميين اكثر من كونهما مشكلتين محض محليتين يسهل التخلص منهما.
مع ذلك، فان القليل الموضوع على الطاولة لن يكون من السهل كذلك التخلص منه: لا الاتفاق على مواصفات الرئيس المقبل للجمهورية ما دام الحريري جزم بأن ليس للحوار تحديد اسم الرئيس، ولا التفاهم الناجز على قانون جديد للانتخاب قبل سنتين وسبعة اشهر من موعد الانتخابات النيابية. اضف ان اصراره على صيغة القانون المختلط التي توافق عليها تياره مع الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية، شكّل بدوره رسالة سلبية مبكرة الى عمل اللجنة النيابية لقانون الانتخاب التي تقصر مناقشاتها في الوقت الحاضر على صيغة اخرى للقانون المختلط، اقترحها رئيس المجلس. في المقابلة التلفزيونية ترك الحريري الباب نصف مفتوح على الاستحقاق، واقفل الباب الآخر على قانون الانتخاب.
بموقفه هذا استبق رئيس تيار المستقبل ارساله مسودة جدول الاعمال الى بري الذي ينتظر بدوره مسودة اخرى من حزب الله كي يستخلص منهما جدول اعمال مشتركا. لم يقل الحزب بعد، شريك الحوار، انهما البندان الاولان فيه.
بل الواقع يحمل البند الاول مصاعب الحوار برمته، وأعباء الاستحقاق الرئاسي ومرشحيه الرئيسيين التي يحملها كل من الحريري والامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. تُبرز هذا الجانب معطيات متصلة بردود فعل اولى غير معلنة لافرقاء معنيين لن يجلسوا الى الطاولة، الا انهم سيكونون من اطباقها:
اولاها، موقع الرئيس ميشال عون في الحوار. ليس مدعواً اليه، الا انه محور رئيسي فيه من خلال الخوض في الاستحقاق الرئاسي، ومن ثم ـــ في خاتمة الحوار اذا ختم بلا زغل ــ مطالبته بالتزام ما قد يتفق عليه. في الغالب سيكون على حسابه باخراجه من انتخابات الرئاسة. الامر الذي يضعه على طرف نقيض من نتائج هذا الحوار، الا انه يطرح في الوقت نفسه علامة استفهام مبكرة عما يكون عليه موقف الشريك في الجلوس الى الطاولة، وهو حزب الله.
منذ اليوم الاول للمهلة الدستورية لانتخاب الرئيس، رفض الحزب اي بحث في رئيس توافقي يذكره ليس بانتخاب الرئيس ميشال سليمان فحسب، بل بطلبه من عون التخلي عن ترشحه آنذاك والاقتراع له. عندما سمّى نصرالله عون مرشحا اوحد اقرّ بخطأ خيار 2008. في المقابل يتشبّث رئيس تكتل التغيير والاصلاح حتى الآن بترشيحه، وبرفض مفاتحته بالتحوّل ناخباً اساسيا في الاستحقاق.
ثانيها، يتناقض موقفا حزب الله وتيار المستقبل من الاستحقاق، على نحو يحار معه ايجاد اتفاق عليه. وفق نصرالله لا مرشح لقوى 8 آذار ـ وليس لحزب الله فحسب ـ سوى عون يقتضي بالفريق الآخر التحاور معه على وصوله هو بالذات الى الرئاسة، لا على حمله على التفكير في مغادرة الحلبة. في المقابل يتمسك الحريري بترشيح رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع دونما ايصاد الابواب عليه. في حواره التلفزيوني، تحدث ايضا عن مرشح توافقي ينطوي على امكان حمل جعجع على التخلي عن ترشيحه، وعن مرشح بديل من جعجع من داخل فريق الائتلاف. وضع بين يديه الخيارات الثلاثة تلك في منزلة واحدة، كي يكونوا في متناول التفاوض في معزل عن اسم الرئيس المقبل.
الا انه ليس موقف حزب الله الآن في احسن الاحوال.
ثالثها، مذ اخفق الحوار بين الحريري وعون لاشهر خلت، انهارت حظوظ تبني تيار المستقبل انتخاب رئيس تكتل التغيير والاصلاح. الا ان الحريري جارى منطق نصرالله بالقول ان الخيار ليس عنده فحسب، بل يقتضي مشاركة حلفائه ـــ واخصهم المسيحيين ـــ في اي تفاهم على الرئيس المقبل. اعاد المشكلة الى نطاق الطائفة وزعمائها. في المقابل، مذ سمّى الامين العام لحزب الله عون مرشحا اوحد، لم يرسل ادنى اشارة، وخصوصا ابان تحريك جهود الحوار في الاسبوعين المنصرمين، الى استعداده للتخلي عن عون او الطلب منه الانسحاب من الاستحقاق حتى. بل ذهب نصرالله الى ذرورة التزام لا يسعه التراجع عنه، حينما ربط تأييد عون للرئاسة بما يتجاوز التحالف السياسي والالتزام الاخلاقي الى موقف يلامس التعهد الديني.
على نحو كهذا، يصطدم البند الاول للحوار ـ وفق ما اقترحه الحريري واوحى سلفا بنهايته وهي التفاهم على مرشح توافقي ـ بأسباب كافية كي تجعله لا يبدأ، الا اذا اختار أي من الفريقين التنصّل تماماً من كل ما اشاعه طوال الاشهر المنصرمة. واذا صدّق الفريقان خصوصا ان الخيار لبناني فحسب. وبينهما ليس الا.
http://www.al-akhbar.com/node/220828
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه