في الدول الفاشية ـــ الديكتاتوريّة، تستخدم القوات الأمنيّة الغاز المسيّل للدموع وخراطيم المياه لتفريق المتظاهرين. وإن لم ينفع الأمر، فالهراوات وأعقاب البنادق تحلّ الأزمة
لينا فخر الدين
في الدول الفاشية ـــ الديكتاتوريّة، تستخدم القوات الأمنيّة الغاز المسيّل للدموع وخراطيم المياه لتفريق المتظاهرين. وإن لم ينفع الأمر، فالهراوات وأعقاب البنادق تحلّ الأزمة، حتى يتفرّق المتظاهرون: بعضهم ينقلهم الخوف إلى منازلهم، فيما البعض الآخر يُنقل إلى المستشفى أو السجن.
بالأمس، حاولت قيادات القوى الأمنيّة ومن خلفهم الدولة اللبنانيّة، أن تنزل إلى الطريق المقطوعة في الصيفي. جنّ جنون الدولة: كيف تقطع الطريق؟ كيف سيسيّر المواطنون شؤونهم؟ كيف تقوم «حفنة من الناس» بجرّ البلاد إلى حيث تريد لتفرض شروطها على «الدولة الأم»؟ لماذا يسمحون للخاطفين بالتحكّم بمسار حياة اللبنانيين؟
كلّ هذه الأسئلة جالت في ذهن المسؤولين، فقرروا فتح طريق الصيفي بالقوة. وحتى تثبت أنها دولة بكلّ ما للكلمة من معنى. جميل أن تقوم القوى الأمنيّة بفتح طريق أقفلت لمرّة واحدة، جميل أن تفرض الدولة هيبتها. جميل أن يرتاب المتظاهرون من القوى الأمنية، التي كانوا يظنّون أن مهمّتها حمايتهم.
إذاً فرضت الدولة هيبتها كأسدٍ غاضب، وفرضت كلمتها. ولكن غاب عن ذهن المسؤولين أن الدول التي تتصرّف بهذه الطريقة، تملك على الأقلّ مقوّمات الدولة: في تأمين مسلتزمات المواطنين.. في منع الإرهابيين من الانسحاب من عرسال وفي أيديهم عسكريون مخطوفون.. أن تلقي القبض على المجرمين بدلاً من أن يتنقّل هؤلاء من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب.. أن تشعر بأمٍ يقف ابنها تحت سكين مجرم وأب تلقّى للتوّ تهديداً مفاده ان ابنه سيصير جثّة هامدة بعد ساعات قليلة.
في الدول المستوفية لشروط علم السياسة، لا يمكن أن تضيع حكومة في آليات الإفراج عن عسكرييها. أو أن يجلس مسؤولوها لأكثر من خمسة أشهر من دون أن يجدوا منفذاً لمفاوضات جديّة. وفي مثل هذه الدول أيضاً، لا تحمل زوجة أطفالها الصغار، كي تجلس وإياهم في خيمة في ظلّ طقس ماطر. وفي مثل هذه الدول أيضاً وأيضاً، لا يضع أهالي المخطوفين ثقتهم بتنظيمات إرهابيّة ومشايخ «فاتحين على حسابهم»، بدلاً من أن يضعوا هذه الثقة في عهدة الدولة.
هنا في لبنان، يتحوّل خبر التعدي على أهالي العسكريين والصحافيين والمصورين في الصيفي، إلى مادة للسجال بين وزراء ومسؤولين، هم فعلياً كوادر هذه الدولة و«وجه الصحارة».. من يملك الحق؟ لا أحد يعرف.
فوزير الداخلية نهاد المشنوق شدّد على «أنّنا لن نسمح بعد اليوم بإقفال الطرق، ويجب ان يكون هذا الكلام واضحا للجميع، وان اهالي العسكريين المخطوفين لديهم منبر اعلامي ديموقراطي من خلال اعتصامهم امام القصر الحكومي»، مشيراً إلى أنّ «ما يحصل يعود سببه الرئيسي الى الاستعراض الذي اقامه حزب الله بعد تحرير الاسير عياد، وانا اهنئه بسلامته، واعتبر انه موجه ضد الحكومة اللبنانية».
وقال من السرايا بعد لقائه رئيس الحكومة تمام سلام: «اذا كان تحرير المخطوفين يتم عن طريق استقالتي فأنا حاضر ولا مانع لدي»، مؤكداً أن «تعطيل البلد لا يحرر المخطوفين».
ولفت الانتباه إلى أن «نحن لسنا حزبا او مجموعة مسلحة في الحكومة اللبنانية لكي نقرر ان نبيع ونشتري او نستبدل عناصرنا المخطوفين الذين هم عناصر قوى الامن الداخلي والجيش اللبناني. الدولة مسؤولة عنهم وتتصرف على هذا الاساس في مسؤوليتها لتحريرهم وفق قواعد واصول اقرت في مجلس الوزراء».
في المقابل، سارع النائب وليد جنبلاط في الردّ على المشنوق من دون أن يسميه بتغريدة على «تويتر» يقول فيها: «الدولة تفقد أعصابها تجاه عائلات المعتقلين بدل التفاوض الجدي، ومن المعيب هذا التصرف بحق العائلات المفجوعة حول مصير ابنائها»، لافتاً الانتباه إلى أنّ «أهالي العسكريين لا يملكون الا قميصاً على صدورهم، الغير يقفل الطرقات بالمواكب الأمنية الحقيقية والوهمية.. فبعض التواضع يا اصحاب المعالي».
بدوره، وصف الوزير أبو فاعور ما جرى عند الصيفي بأنه «معيب»، وقال: «يا ليت هذه الشدة استعملت في تحرير العسكريين المختطفين بدل استعمال البطولة الوهمية بحق أهاليهم».
أخذ وردّ طال لساعات بعد الضرب الذي تعرّض له الأهالي والصحافيون والمصورون، لينتقل خلالها الأهالي إلى خيمهم في رياض الصلح. ويعاودون بعد الظهر قطع طريق الصيفي، ثم يفتحونها.
أما أهالي العسكريين، فسألوا في بيان: «أي قانون يحرم التظاهر». وردّوا على المشنوق، فقالوا: «شكرا لك على ما فعلته اليوم معنا، أنتم جماعة فقدتم الضمير كليا. ما تقوم به سيئ ومن الممكن أن تندم عليه. انت بعملك تطلب الدم في ساحة رياض الصلح والصيفي وأولادنا أغلى منك».
كما توجهوا الى رئيس الحكومة بالقول: «كل الكلام الذي كنت تعدنا به، كله في الهواء، وتبين انك لا تمون على وزير». واعتبروا «ان دولتنا فقدت الضمير، ولكن الجيش سيقف الى جانبنا لأننا نطالب بأبنائه، وان القوى الأمنية أخوتنا ولا نريد التورط معها لان هذا معيب».
في حين قال الشيخ مصطفى الحجيري (أبو طاقية) لـ»المركزية» أنه على تواصل مع أبو فاعور، مؤكداً أن «الحكومة لم تحسم أمرها حتى الساعة من المقايضة، وخلال لقاءاتي مع النصرة أكدت ان لا مفاوضات من دون مقايضة فهي الشرط الاساس لاي تفاوض. واذا كانت الحكومة لا تريد المقايضة، فهذا يعني أن لا مفاوضات».
وإذ دان وزير الاعلام رمزي جريج ما تعرض له عدد من الاعلاميين، أعلنت نقابة المصورين الصحافيين أن النقابة والزملاء الذين تعرضوا للاعتداء سيعملون على تقديم شكوى بحق المعتدين أمام القضاء المختص».
http://assafir.com/Article/1/386973
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه