يعرف أصدقاء رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط ومحبّوه ومحازبوه، أكثر من غيرهم، وكذلك خصومه أنه أكثر المستفيدين
روزانا رمّال
يعرف أصدقاء رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط ومحبّوه ومحازبوه، أكثر من غيرهم، وكذلك خصومه أنه أكثر المستفيدين، سياسياً، من حقبة ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فهو الذي أصبح بمواقفه يرجّح كفة على أخرى مرّةً، ويضفي نوعاً من التعادل، مرة أخرى، بين الأفرقاء السياسيين، وخصوصاً في ما يتعلق بالاستحقاقات المصيرية التي تعرض على مجلس النواب أو غير مجلس النواب.
اختار النائب وليد جنلاط بعد أن خرج وحزبه من 14 آذار، أن يكون وسطيّاً مرة، وصاحب موقف متمايز لكنه واضح مرات أخرى، لكن مهما كان هذا الموقف، يعرف وليد جنبلاط أنّ أحداً لا يمكن تخطيه ليرسو القرار.
يعرف وليد جنبلاط جيداً، أنّ إنضاج المواقف والقرارات والتسويات، يحتاج إلى قراره، فاختار أن يمارس دوره وموقعه بحرفة واتقان، حتى أصبح السعودي والإيراني والروسي والأميركي، يتوافدون دورياً لزيارته والاطلاع على مواقفه، أو حتى عقد الاتفاقات معه. ويمكن أن يفسّر هذا التمايز واستذواقه لاحتراف قلب المعادلة، خروجه من 14 آذار، عند أي استحقاق أو تصويت رسمي، من دون أن يعتبر أنّ مواقفه أو لقاءاته أو اتصالاته أصبحت بعيدة عنه. وهنا استطاع جنبلاط أن يوازن بين خروجه من 14 آذار والحفاظ على أفضل العلاقات مع الرئيس سعد الحريري، وغيره من الفريق نفسه، أو حتى مع الرئيس السابق ميشال سليمان، من دون إغفال علاقاته التي حرص على أن لا يقطعها مع كلّ من حزب الله والتيار الوطني الحر وتيار المرده وغيرهم.
إذاً يعرف جنبلاط جيداً كيف يدير الدفّة ويرجّح الكفة، وبعكس ما يظنه البعض يعرف جنبلاط جيداً ماذا يريد أو إلى ماذا يهدف، ويعرف كيف يرسل الرسائل بحرية وثقة نظراً إلى الموقع الذي أرسته الظروف.
يرفض مقربون من النائب وليد جنبلاط، أن يعتبر أحد أنه سعى يوماً واحداً إلى الحصول على هذا الموقع الذي يسمّى «بيضة القبّان» في هذا البلد، باعتبار أنّ جنبلاط لا يمانع أي تفاهم بين اللبنانيين لا بل يشجع عليه، إلا أنّ هذا الكلام أو التمني، لا يلغي أبداً أنّ شيئاً ما سيتغيّر في موقع جنبلاط وتأثيره السياسي في البلد، في أي لحظة تقارب أو تفاهم بين الأطراف المتنازعة، منذ فترة ما بعد اغتيال الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان، وهي المرحلة التي كان فيها جنبلاط أقرب إلى سورية، التي كان حليفها الأقوى حينها.
إنّ مناسبة الحديث، هي تساؤل عن موقع جنبلاط الجديد، بعد أي نجاح لمسعى رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري للتقريب بين حزب الله وتيار المستقبل، خصوصاً وأنّ هذا المسعى يتزامن هذه المرة، مع تقارب أميركي إيراني، يراه البعض في أحسن أحواله، لفكّ النزاع حول الملف النووي نهائياً، ما يعكس جواً أكبر من الاقتراب إلى حتمية التقدير، أي أنّ مسعى الرئيس بري، وإن تأخر قليلاً، إلا أنّ ثماره اليوم أقرب إلى الظهور.
إنّ القلق الجنبلاطي اليوم مشروع أكثر من أي وقت مضى، فهو يعرف أنّ نجاح أي شيء من هذا القبيل يعني اضطراره إلى تموضع أسرع في إحدى الضفتين السياسيتين، ويعرف أنّ الذكرى في هذا الموضوع تحمل له تموضعاً في الجانب الذي كانت فيه سورية والمقاومة وحلفاؤها في لبنان، وعليه فإنّ السؤال وعلاقة سورية به مقطوعة، هل سيكون للنائب جنبلاط موقفاً جديداً من سورية فيه شيء من الإيجابية، خصوصاً بعد الانفتاح الأممي عليها للحلّ السياسي مع النظام الحالي؟ أو هل سيتمسك جنبلاط بموقعه «الوسطي»، لكن من دون طعم أو لون هذه المرة، أو تأثير في قلب موازين المعادلات، وبالتالي الاستغناء عن بعض الضرورات، التي كانت تفصّل خصيصاً لإرضائه، خصوصاً وأنه لطالما كان الخوف من تفاهم جنبلاط مع أحد الفريقين، يجعل السعي إليه من الفريقين يومياً حتى لا يقيم اتفاقا أحادياً؟
الخوف والقلق الجنبلاطي اليوم هما من تفاهم لا يبقيه حاجة أو ممرّاً إلزامياً لأي اتفاق. وهنا نسأل: هل يستفيد جنبلاط سريعاً من أي شراكة بينه وبين الرئيس بري للمشاركة معه في مساعي التسويات، وبينهما شراكة قانون الانتخابات النيابية وفقاً للمختلط، كما يقول بري؟ وهل سيكون بينهما اليوم مشترك رئاسي غير المرشحين المعلنين لكلّ منهما هنري حلو وميشال عون؟
يبدو أنّ التفاهمات الإقليمية والدولية القادمة، سترخي بظلالها على لبنان وساسته، كما كانت تفعل في كلّ مرة. وفي السياسة، فإنّ لكلّ مرة تجربة، منها الحلوة ومنها المرّة، لكنّ الموقع الأبرز سيكون موقع النائب جنبلاط الذي يمكن أن يحمل جديداً هذه المرة، كما في كل مرة عملاً بمبدأ واضح يحكي دائماً عن تغير الظروف والتماشي معها في السياسة.
إنّ أي تغيير يرخيه وفاق بين حزب الله وتيار المستقبل، يعني أوتوماتيكياً، انتقال جنبلاط من اللاعب الحاسم على الساحة السياسية اللبنانية، إلى موقعه ما قبل اغتيال الحريري، الذي سيختاره على طريقته هذه المرة. كل هذا يحصل عندما يخسر جنبلاط «بيضة قبّان» اللعبة السياسية في لبنان.
http://www.al-binaa.com/?article=21920
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه