25-11-2024 07:31 AM بتوقيت القدس المحتلة

سوريا: صعوبات تواجه إعادة الإعمار

سوريا: صعوبات تواجه إعادة الإعمار

أقر مجلس الشعب (البرلمان) السوري، الأسبوع الماضي، مشروع الموازنة الأضخم في تاريخ سوريا بالعملة المحلية، والتي زادت عن 1500 مليار ليرة

 

زياد حيدر

 

أقر مجلس الشعب (البرلمان) السوري، الأسبوع الماضي، مشروع الموازنة الأضخم في تاريخ سوريا بالعملة المحلية، والتي زادت عن 1500 مليار ليرة، (190 ليرة للدولار الواحد) يذهب أكثر من نصفها لمشاريع الدعم الاقتصادي والاجتماعي، بمبلغ يقارب 900 مليار ليرة، فيما خصص 50 مليارا لإعادة الإعمار، بما يعادل 260 مليون دولار تقريبا.

وتزامن أقرار الموازنة الأضخم مع معرض أقامته الحكومة السورية على مدى ثلاثة أيام، بالتعاون مع القطاع الخاص، في محاولة لـ»اختبار الفرص والإمكانيات المتاحة» للقيام بعمليات إعادة إعمار في سوريا بجهود «وطنية»، بحيث غابت عنه بشكل ملفت الأمم المتحدة، التي سبق أن قدرت تكلفة إعادة الإعمار في سوريا بما يزيد عن 100 مليار دولار.

ووفقا لما ذكره مسؤول أممي لـ»السفير» فإن حضور ممثلين عن المؤسسة الدولية لم يكن ممكنا في كل الأحوال، باعتبار أن «ظروف الحديث عن إعادة الإعمار ليست متوفرة» حاليا، ناهيك عن أن أية دعوات لم توجه للجهات المعنية بهذا الشأن، علما أن للأمم المتحدة مكاتب عمل مختلفة في سوريا.

ويرى خبراء في المنظمة الدولية أن بدء تداول سيناريوهات التعاون لإعادة الإعمار مع الحكومة يتطلب أجواء دولية مساعدة، غير متوفرة حالياً، وتفهماً من مجلس الأمن غير ممكن حاليا، باعتبار أن آلة الحرب لازالت تمارس نشاطها، كما أن الجهود الإنسانية المخصصة للبلاد لا تسلك طريقا ميسرا دوما.

وهذا الأمر يثير حماس الاقتصاديين المحليين للمطالبة بتشجيع الدول الأعضاء في تجمع «البريكس» على المشاركة في جهود إعادة الإعمار السورية، بالرغم من انعدام مؤهلات الدعم الخارجي في هذه المرحلة. وتبدو إيران المتحمس الوحيد حاليا لـ»مشاريع إعادة الإعمار في سوريا»، علما أنها المساهم الرئيسي في دعم مؤسسات الدولة، اقتصادياً وعسكرياً.

من جهتها، تسير خطة الحكومة في اتجاه «تقديم كافة التسهيلات، سواءً من دعم للقروض، وحل المشاكل والصعوبات التي تعيق وصول مستلزمات الإنتاج» بحيث يكون «الحرص الأول والأساسي لدعم الشركات الوطنية وتقوية دورها».

وذكر رئيس الوزراء وائل الحلقي في وقت سابق أن الحكومة شكلت «لجنة إعادة إعمار»، وألحقت بها لجانا فرعية لوضع خطط إسعافية سريعة لتأهيل المناطق الآمنة المتضررة، ما يكفل إعادة الأسر المهجرة إلى مناطق استقرارها وصرف تعويضات لها.

وبين أن الحكومة أنفقت خلال الأعوام الثلاثة الماضية 81.5 مليار ليرة سورية من الموازنة العامة لإصلاح الأضرار، وصرف المستحقات وتم إقرار الخطة الاسعافية للوزارات والجهات العامة بمبلغ 15.4 مليار ليرة سورية، وفي موازنة العام المقبل تمَّ رصد مبلغ 50 مليار ليرة ضمن نفس التوجه».

وتتوجه الحكومة في «أولويات إعادة الأعمار إلى البدء بالمناطق الجغرافية التي أعيد إليها الأمن والاستقرار، وأصبحت قادرة على استيعاب عمليات إعادة الأعمار». ويذكر الحلقي منها «مناطق كفرسوسة وبساتين الرازي في دمشق وحي بابا عمرو في حمص لتنطلق العملية إلى مناطق أخرى».

وحصل رئيس الوزراء مؤخرا على دعم البرلمان لموازنة العام 2015، والتي يذهب أكثر من نصفها لسياسة الدعم الاقتصادي والاجتماعي التي تنتهجها الدولة. وتتوزع نفقات الدعم الاجتماعي، الذي ستتحمله الدولة في العام 2015، وفق ما صرح به وزير المالية إسماعيل إسماعيل على «دعم المشتقات النفطية بنحو 338 مليار ليرة، ودعم الطاقة الكهربائية بنحو 413 مليار ليرة، ودعم الدقيق التمويني والسكر والأرز بـ 195 مليار ليرة، والصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية بنحو 10 مليارات ليرة، وصندوق دعم الإنتاج الزراعي بنحو 10 مليارات ليرة، وتغطية عجز المؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان والمؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب بنحو 17.5 مليار ليرة».

ولعل هذه الأرقام تثير بدورها شكوكا حول قدرة القطاع الحكومي على توجيه وإدارة عملية إعادة إعمار حقيقية، خصوصا وأن دراسات دولية أعدت مؤخرا تشير إلى تقديرات بعجز يقارب 300 مليار دولار في قدرة الدولة على الإنفاق مستقبلا، من دون الإشارة إلى التوقعات بدين خارجي هائل.

وسبق لرئيس إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في «صندوق النقد الدولي» مسعود أحمد أن أعلن، في وقت سابق، أنه بالرغم من ان الصندوق لا يملك تقديراً جيداً عن تكلفة إعادة إعمار سوريا إلا أن «التكلفة ستكون هائلة». وقال «بإمكان الصندوق أن يقدّم أمرين في جهود إعادة إعمار سوريا بعد استقرار الأوضاع. تحديد إطار للاقتصاد الكلي، ما يضمن درجة من الاستقرار الكلي، أثناء المضي قدماً في جدول أعمال إعادة الإعمار». لكن الحكومة تنفي حتى اللحظة أي ميل لديها للاستدانة، علما أنه سبق لها أن وقعت خطوطا ائتمانية مع دول حليفة، أبرزها إيران بالطبع، بقيمة مليار دولار أميركي.

ويرى خبراء صعوبة في الهروب من مخارج الاستدانة بالنسبة لدولة تخوض حربا مدمرة منذ حوالى أربع سنوات، وتعاني نزوحا داخليا كثيفا وهجرة خارجية جماعية، من دون موارد مالية أو قدرة على إدارة عجلة الاقتصاد. ورغم ضآلة المبلغ المرصود لإعادة الإعمار، وهو بحدود 260 مليون دولار، فإن الإنفاق سينحصر بـ»إعادة التأهيل للمنشآت العامة والتعويض عن الأضرار التي لحقت بالمنشآت الخاصة نتيجة للأوضاع الراهنة» كما أوضح وزير المالية.

ووفقا لإسماعيل فإن «أولويات العمل المالي الحكومي في المرحلة المقبلة تتمثل في الاستمرار بتأمين مستلزمات مكافحة الإرهاب، وإعادة الأمن والأمان، وتأمين مستلزمات الإغاثة والإيواء والاستجابة للاحتياجات الإنسانية وتحسين الواقع المعيشي، وتطوير وتعزيز الإنتاج الوطني والاهتمام بذوي الشهداء والجرحى والتهيئة لعملية إعادة الإعمار».

ودفع غياب المساهمين خارج نادي دائرة الحلفاء، مثل إيران وروسيا والعراق، بشكل أساسي، دفع خبراء ورجال أعمال متحمسين لطرح أفكار «الشروع ببناء مراكز مدن جديدة بدل المدمرة»، و»تدوير مخلفات الركام في مشاريع بناء»، و»تركيز العمل على شبكات النقل المتضررة» بشكل كبير، و»تأسيس شركات مساهمة لإعادة الإعمار» يمكن تمويلها من جيوب المساهمين.

لكن البحث في جيوب الممولين، لن يكون المشكلة الوحيدة أمام مشاريع إعادة الإعمار، والتي يتصدرها غياب اليد العاملة، في ظل الاستنزاف البشري الحاصل بسبب الحرب والهجرة، وفقدان الأمل. ووفقا لدراسة أعدها مركز البحوث والدراسات هذا العام فإن سوريا، التي تركها 12 في المئة من سكانها في السنوات الأربع السابقة، وخسرت نتيجة الحرب 3 في المئة من السكان، وهناك نصف مليون جريح على الأقل بينهم إعاقات دائمة، تواجه تحديا بخسارة هرمها البشري وقدراتها الشابة، وذلك على الرغم من التناقض الحاصل في ضيق سوق العمل أيضا، بنسبة بطالة تقارب 54 في المئة.

مقاربة تسهل فهم الصور المتناقضة المتشكلة هذا العام على ما يبدو، لمشاريع ترفيه عملاقة في قلب البلاد (بعضها بكلفة 30 مليون دولار)، تشغل مئات العاطلين، وترفه عن آلاف الميسورين، وذلك على مسافة كيلومترات فقط من مناطق مدمرة تقطنها مئات العائلات النازحة والمهجرة بظروف عيش قاسية، تحضر الحرب كل يومياتها.


http://assafir.com/Article/1/387483

 

موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه