حاول وزير المال علي حسن خليل تجنّب «التشهير» بفضح ما يحدث في أمانات السجل العقاري والمساحة في وزارة المال
فراس أبو مصلح
حاول وزير المال علي حسن خليل تجنّب «التشهير» بفضح ما يحدث في أمانات السجل العقاري والمساحة في وزارة المال. إلا أن ما فضحه كان كافياً لتأكيد (المؤكّد)، فالأراضي تعرّضت لأكبر عملية سطو ممنهجة طيلة العقدين الماضيين. ولا تنحصر المسؤولية بالموظّفين المرتشين بل بأصحاب المصالح والنفوذ والسلطة الذين عاثوا فساداً في إدارات الدولة وحوّلوها الى أداة للإثراء غير المشروع.
في 28 تموز من عام 2006، أي في «عزّ حرب تموز» حين كانت طائرات العدو «الإسرائيلي» تقصف قرى الجنوب اللبناني بعنف والمقاومة تصعّد ردها بصليات صواريخ تطال «ما بعد حيفا»، كانت «شركة واف للتجارة والاستثمار» (التي تملكها «مجموعة حجيج القابضة» وعدد من الأشخاص من آل حجيج) تُنظم محضر عملية تحديد وتحرير وتملّك لما يفوق 435000 متر مربع من مشاعات بلدة كفردونين شرق صور، غير البعيدة عن الحدود مع فلسطين المحتلة، بـ«حضور المختار وأصحاب العلاقة»!
لا تقتصر غرائب عمليات الشؤون العقارية في لبنان على زعم أشخاص قيامهم بعملية عقارية كتلك وسط مسرح العمليات العسكرية في الجنوب، بل تشمل حالات يرث الجد فيها قطعة من الأرض عن حفيده(!)، وذلك وفق «نظام خاص» في الإدارات العقارية بات «يشرّع» التجاوزات تلك ويرفع تكلفة معاملات المواطنين ويحرم الدولة «المليارات» من الرسوم والضرائب، بحسب وزير المال علي حسن خليل الذي أعلن أمس إحالة 55 موظفاً في الشؤون العقارية إلى النيابة العامة المالية وإخضاعهم للتحقيق، توزعوا على أمانات السجل والدوائر العقارية في المناطق اللبنانية كافة، وذلك «بعد التحقق من الكثير من المخالفات وعشرات المستندات تؤكد تورط موظفين وسماسرة» في ارتكابات سرقة ورشى وابتزاز.
باتت إدارات الشؤون العقارية أشبه بـ«مغارة لأصحاب المصالح»، لها «قواعد» تجبر أصحاب المعاملات على دفع الرشى لتمرير معاملاتهم و«تشرّع السرقة والابتزاز»،
قال حسن خليل الذي شرح لـ«الأخبار» كيف استطاع أصحاب السطوة ممن يتقنون اللعب على «القواعد» المذكورة الاستيلاء على مئات آلاف الأمتار من أملاك الدولة العامة والخاصة والمشاعات، وتجزئتها إلى عقارات تقل مساحتها عن 10 آلاف متر مربع، كما فعلت شركة «واف» المذكورة، وذلك لحرمان الدولة حقها في«الربع المجاني» من العقارات الخاصة التي تفوق مساحتها هذه العتبة، علماً بأن هذا الربع مخصص لبناء الطرقات والبنى التحتية والمساحات العامة، وهذا تفصيل مذهل، بحسب خليل، إذ لم يكتف أصحاب هذه الشركة بالسيطرة على أملاك شاسعة، بل بلغت الوقاحة حد التحايل الأقصى لعدم ترك ربع المساحات المستولى عليها للدولة.
وعد الوزير خليل «بنتائج مباشرة يشعر بها المواطن» لحملته على فساد إدارات الشؤون العقارية التي «ستبدأ من الجنوب»، حيث الأهالي يعانون سرقة المشاعات من دون أن يستجيب أي من أجهزة الدولة لشكواهم، «وحتى آخر منطقة في لبنان»، بحسب حسن خليل الذي أعلن بدء التحقيق الإداري مع موظفين ومسؤولين في 8 أمانات عقارية ارتكبوا مخالفات عديدة، لا سيما في تخمينات العقارات عند تسجيلها، ما أدى إلى استرداد الدولة مبالغ تفوق 28 مليار ليرة حتى الآن من الرسوم الفائتة. يبدي خليل كل الحرص على نفي أي بعد سياسي لحملته هذه، رافضاً كذلك وضعها في خانة المنافسة أو المزايدة على حملة وزير الصحة وائل أبو فاعور على فساد الأغذية. «الحصانة مرفوعة عن موظفي الإدارات العقارية ودوائر المساحة»، قال وزير المال، طالباً من الأجهزة المختصة التحقيق «بكل الشكاوى التي ترد»، معلناً إحالة «29 ملفاً لـ29 بلدية» إلى النيابة العامة. وعمّا إذا كانت الحملة ستطاول «الكبار» من الشخصيات العامة المعتدية على الأملاك العامة، لا سيما البحرية والنهرية منها، قال خليل إن حملته ستبداً «من أقرب الناس»، وإنه «لا غطاء لأحد»، محمّلاً «الرأي العام» في الوقت نفسه مسؤولية «كشف» تجاوزات الساسة و«مواجهتها»!
أعلن حسن خليل اتخاذ سلسلة إجراءات في هذا السياق، أوّلها طلب «نفي ملكية» العقارات، ليس فقط للموظفين والعاملين والمسّاحين العقاريين ممن طالتهم الإجراءات الإدارية والقضائية، بل «لكل العاملين في الشؤون العقارية والمساحة»، وذلك «لتطبيق ما يمكن تطبيقه من قانون «الإثراء غير المشروع»»، بحسب خليل الذي «أسف لعدم تطبيق (القانون المذكور) بجدية» حتى اليوم! أعلن كذلك توقيف معقّبي المعاملات عن العمل «حتى تطبيق الإجراءات» ومحاسبة المرتكبين، قائلاً إن الكثير من هؤلاء «باتوا يجلسون على مكاتب الموظفين (أقربائهم) ويحددون الرسوم، دون أي معيار»، ومن الامثلة على ذلك أن نجل إحدى الموظّفات في أمانة كسروان لديه تصريح معقّب معاملات وهو يداوم نيابة عن والدته ويقوم بوظيفتها في الوقت نفسه! وعد الوزير خليل بمحاسبة أمناء السجل الذين اعتادوا توقيع المعاملات «بأكثر من صفة»، كأن يوقّع أمين السجل المعاملة بوصفه معاوناً لأمين السجل أيضاً، ما يشكل «تزويراً» فاضحاً للمستندات؛ كذلك أعلن عن إعداد تقرير شامل حول المعاملات العقارية العالقة أو بالأحرى المحرومة سلوك «الخط السريع»، ليتسلمه قبل نهاية الشهر الجاري! سيُصار إلى توزيع «دليل المواطن» لحقوقه وواجباته في ما يتعلق بالمعاملات العقارية، معلناً فتح خط ساخن للشكاوى لا يتبع للدوائر العقارية وأمانات السجل، بل لجهاز خاص يرفع الشكاوى إلى مدير الشؤون العقارية في وزارة المالية ومكتب الوزير مباشرة.
وإن كانت الإجراءات المعلنة أعلاه تندرج في معظمها في سياق ما يُسمى «الفساد الصغير»، كان لافتاً إعلان حسن خليل أن لديه «أكثر من 150 شكوى» تتعلق بمسح مشاعات وأحراج وأماكن عامة وتسجيلها بأسماء أشخاص وشركات عقارية، حيث «تم خلق نوع من (الأمر) الواقع». يحذر خليل «من يظنون أنهم مرروا (عمليات السطو هذه)» من أن الموضوع «سيُفتح ويُلاحق»، معلناً إعداده مشروع مرسوم في هذا الصدد، بالتنسيق مع وزارة العدل، واعداً ليس فقط باسترجاع هذه الأراضي، بل بـ«المعاقبة الجزائية» للمرتكبين! وأعلن خليل تعليق أعمال المساحة في مختلف المناطق حسب الاصول والقوانين المرعية، لا سيما تلك التي تبين أنها تتعلق بأعمال غير مشروعة طالت أملاك الدولة العامة والخاصة والمشاعات بدءاً بأملاك الدولة الخاصة، وهذا من أخطر الامور، والتعاون مع الجهات الادارية والقضائية المختصة لوقف إنجاز الاعمال الجارية على الاقل لمدة ثلاثة أشهر من تاريخه. كذلك أعلن خليل تشكيل لجنة وفقاً للأصول تكون مهمتها متابعة المعطيات والشكاوى الواردة من أكثر من جهة رسمية وأهلية وبلدية ومخاتير وهيئات مجتمع مدني حول أعمال المساحة بما يتعلق بالتصرف بهذه المشاعات والاملاك وإعداد ملف خاص حول أوضاع أملاك الدولة والمشاعات، لا سيما في المناطق التي خضعت للمسح الاجباري أو الاختياري، والتي حصلت فيها أعمال تحديد وتحرير، بما فيها التي حصل فيها الانجاز النهائي وفق الاصول القانونية التي ترعى الحفاظ على هذه الاملاك. وقال سيتم «تعليق العمل» بنقل أملاك الدولة العامة إلى ملكية الدولة الخاصة «بغرض التصرف بها»، وذلك فقط في الحالات «غير المرتبطة بالمنفعة العامة»، وأضاف أنه طلب من أمانات السجل العقاري وقف إصدار شهادات القيد «حتى انتهاء التدقيق».
وأعلن خليل أنه تم نقل حوالى 570 ألف متر مربع من أملاك الدولة العامة إلى «ملكيات متفرقة» بين عامَي 2001 و2013، أي في «سنين المكننة»، وتحدث عن جهد يُبذل لتحديد المساحات التي تم «التصرف بها» (أي الاستيلاء عليها) في عقدَي الثمانينيات والتسعينيات، «قبل المكننة»، علماً بأن الإحصاءات الإلكترونية لدى وزارة المال تشير الى أنه جرى بيع 3.247 ملايين متر مربع من عقارات الدولة غير المبنية بين عام 2001 و2014، منها 9.5% في محافظة جبل لبنان، و 4% في محافظة بيروت، و 32.6% في محافظة الشمال، و0.3% في محافظة النبطية، و37% في محافظة الجنوب، و16.5% في البقاع؛ كذلك تشير الإحصاءات إلى أنه جرى بيع 327 ألف متر مربع من عقارات الدولة المبنية، منها 24.7% في جبل لبنان، و10% في بيروت، و1.2% في الشمال، و10.4% في النبطية، و46.5% في الجنوب، و6.11% في البقاع. وقد قدّرت المساحات التي بيعت من أقسام تملكها الدولة مع مالكين آخرين بنحو 51 ألف متر مربع.
تبيّن الإحصاءات الإلكترونية أن المساحات التي لا تزال الدولة تمتلكها اليوم من أراضٍ غير مبنية تبلغ 326.7 مليون متر مربع، 0.7% منها في جبل لبنان، و0.03% في بيروت، و1.5% في الشمال، و0.4% في النبطية، و0.6% في الجنوب، و97.5% في البقاع. أما باقي المساحة التي تملكها الدولة في العقارات المبنية فتبلغ 9.484 ملايين متر مربع، وفي الأقسام المملوكة مع آخرين 48 ألف متر مربع. وأبرز ما في الإحصاءات التي أجرتها وزارة المال أن هناك 15721 عقاراً تملكها الدولة، لكنها مسجلة من دون مساحات، منها 1734 عقاراً في جبل لبنان، و49 عقاراً في بيروت، و435 عقاراً في الشمال، و2646 عقاراً في النبطية، و1606 عقارات في الجنوب، و9251 عقاراً في البقاع. وتؤكد الإحصاءات أن عمليات البيع التي جرت على أملاك الدولة والتي لم تذكر فيها أي مساحة شملت 1069 عقاراً، منها 971 عقاراً في جبل لبنان، و46 عقاراً في بيروت، و281 عقاراً في الشمال، و9 عقارات في النبطية، و41 عقاراً في الجنوب، و21 عقاراً في البقاع.
http://www.al-akhbar.com/node/221002
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه