25-11-2024 07:25 AM بتوقيت القدس المحتلة

حوار المستقبل ـ حزب الله: «تحمية» محليّة بانتظار الفرج الخارجي

حوار المستقبل ـ حزب الله: «تحمية» محليّة بانتظار الفرج الخارجي

لم يرفع سعد الحريري، السياسي الأقرب إلى المملكة العربية السعودية، من حجم الطموحات التي يبتغيها من حواره المرتقب مع حزب الله

 

د. وفيق ابراهيم

 

لم يرفع سعد الحريري، السياسي الأقرب إلى المملكة العربية السعودية، من حجم الطموحات التي يبتغيها من حواره المرتقب مع حزب الله. فالرجل يُجيد التمييز بين «المحلي» و«الخارجي»، لذلك استبعد إمكانية الحوار حول سلاح حزب الله، بما هو أداة أساسية في الصراع العربي ـ «الإسرائيلي»، والصراع ضدّ الإرهاب في المنطقة، وكذلك المحكمة الدولية، بما هي أيضاً أداة أميركية لمعاقبة حزب الله على تبنيه لهذه الوجهة، واكتفى بإثارة نقطتين تعكسان بشفافية أزمته الداخلية في لبنان «حصراً». فهناك من أصبح يقاسمه جمهوره داخل السنّة، كما أنه فقد قسماً كبيراً من المسيحيين.

كيف عبّر الحريري عن أزمته؟ طرح حواراً لإزالة ما أسماه الاحتقان السنّي ـ الشيعي، وهو احتقان موجود ومنتشر في أكثر من بلد في الجوار. والبراعة هنا، أنّ رئيس المستقبل يعرف تماماً أنّ هذا الاحتقان هو الذي أفقده القسم الأكبر من جمهوره السنّي والمسيحي ولأسباب متناقضة.

وهنا يجب العودة السريعة إلى سنين خلت، عندما تبنّى تيار المستقبل مشروع إسقاط النظام السوري، فتعامل مع متطرّفين من أصول قاعدية في لبنان وسورية وموّل، مُسلِّحاً ومذخِّراً وآوياً، عناصر التطرّف الإسلامي، ومستعملاً أدواته الإعلامية لبثّ التحريض والفرقة، فأصبحت مناطق نفوذه ملجأ للتكفيريين وقواعد لإعادة انطلاقهم نحو سورية، بانياً «كتائب مسلحة» تحت راياته، سرعان ما تماهت مع التنظيمات السلفية الإسلامية في الشمال وشرقي لبنان والمخيمات، وكلّ من يتقصّى في أوساط النازحين السوريين في لبنان، يكتشف دور تيار الحريري في التمويل والتحريض على نظام الرئيس الأسد.

كان «المستقبل» موهوماً بقدرته على إدارة هذا النوع من التنظيمات الإرهابية، فسكت عن هجماتها على الضاحية والبقاع، وصولاً إلى حدود تغطيتها وتمويلها بذرائع إنسانية متنوعة.

وما إن انسحبت السعودية، جزئياً، من «داعش»، حتى انفضّ الخلاّن عن الحريرية، وتبين لسعد الحريري أنه لا يمسك إلاّ «بقبض ريح»، فشارعه موزع الولاء بين «داعش» السعودية سابقاً و«النصرة» القطرية والجيش الحرّ المقسّم الولاءات، كلّ الدول لها في التنظيمات الإرهابية، إلا سعد الحريري، مغلوب على أمره.

وما زاد الطين بلة، أنّ هذه التنظيمات فتكت بمسيحيي سورية والعراق وهدّدتهم في لبنان متوعّدة من أسمتهم «أهل الصليب».

أكل هذا الإرهاب من رصيد «الحريرية»، سنياً ومسيحياً، مهدّداً بتفجير كتلة النواب التابعة لها، حتى أنّ نائبين تابعين له، أصبحت تديرهما المخابرات التركية بإتقان وبراعة وهما خالد الضاهر ومعين المرعبي لأصولهما «الإخوانجية»، وهناك أيضاً، النائب محمد كبارة الذي تعلو حرارته التكفيرية حيناً وتنخفض، تبعاً لتبدّل الأحداث.

لذلك، وحرصاً من ابن الراحل رفيق الحريري على إرث والده السياسي، سارع إلى القبول بحوار مع حزب الله مدعوماً بلغة إعلامية تتباكى على مظلومية السنّة لاسترجاع نفوذه عندهم. ويقال إنّ مرجعاً دينياً سنّياً سأل سعد الحريري: ألم تتسلموا البلاد منذ 1990 ؟ فلماذا لم توفروا الإنماء لعكار والضنية وطرابلس وعرسال؟ وأين ذهبت القروض والديون؟ ولماذا يحتل «سوليدير» والأملاك في المدن موقعاً عندكم أكثر من الريف السنّي؟

ونستنتج هنا أنّ «المستقبل» يراهن على حزب الله لاسترجاع جمهوره السنّي، بوسيلتين هما: الضخّ المالي والإعلام، وذلك بتسخير قسم من السنّة أصبح برعاية التكفيريين، واستخدام مكرمات السعودية لإعادة تأسيس قاعدة جماهيرية، افتقرت بعد نزوح الحريري إلى الرياض وباريس وجبال الألب وكان.

أما النقطة الثانية، فيرجو الحريري من خلالها، إعادة جذب الجمهور المسيحي نحوه، بإظهار اهتمامه بانتخاب رئيس ماروني للبنان، محاولاً كعادته استغفال الناس العاديين بالشعارات من ناحية وإعادة تظهير مدنيته الغربية من ناحية ثانية، و«التعكيز» على قوى مسيحية خائبة الرجاء، وتحتاج دائماً إلى مكرماته.

والحريري طبعاً، غير جاهل أنّ الموضوع الرئاسي ليس ملفاً داخلياً بشكل كامل، ويعلم أيضاً أنّ وضع تياره في حكومة صديقه تمام سلام، ممتاز ومحوري، وينوب عن رئيس الجمهورية بشكل كامل. ولو كان الحريري صادقاً في اهتمامه بالطموحات المسيحية، لطلب من فريقه الوزاري الاستقالة لإحداث أزمة وطنية تعجِّل في انتخاب الرئيس.

والسؤال هنا: لماذا يفعل الحريري كلّ هذه الأمور الآن؟ بإيحاء سعودي مرتبط بعدة مؤشرات هي:

ـ إقالة وزير الدفاع الأميركي هيغل لأنه يعارضُ وجهة الرئيس أوباما «السلمية» ويؤيد التدخل العسكري السافر.

ـ التناغم الأميركي ـ الإيراني الذي انتقل من مرحلة البحث التقني إلى المشاورات السياسية حول أزمات الإقليم.

ـ تقدم الجيش العراقي في محافظتي الأنبار والموصل، بالتزامن مع تقدم الجيش السوري في حلب والغوطتين والقلمون.

ـ عودة روسيا إلى الشرق الأوسط بمشروع مفاوضات بين النظام السوري والمعارضة برعايتها في موسكو وتتواصل في دمشق.

ـ الإقرار بصعوبة إسقاط الرئيس بشار الأسد، والإصرار على تسوية برئاسته حصرياً.

وعلى الرغم من أنّ الإعلام السعودي لا يزال يصرّ على إشعال الفتنة السنية ـ الشيعية من بوابة العراق، فإنّ العالم مستعدّ لمكافحة الإرهاب التكفيري في كلّ مكان. والمرتجى أن يتمكن تيار المستقبل من تطهير بعض زواياه من التكفيريين والالتحاق بحركة التصدي كي يبقى حزباً مدنياً.


http://www.al-binaa.com/?article=22018

 

موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه