25-11-2024 07:45 AM بتوقيت القدس المحتلة

الأزهر يعلن الحرب على الإرهاب والفتنة

الأزهر يعلن الحرب على الإرهاب والفتنة

يستعيد جامع الأزهر موقعه القيادي في العالم الإسلامي، معاوداً جذب كامل المذاهب الإسلامية على اختلاف قراءاتها الفقهية، في حركة استيعابية تُجهض مشاريع الحروب الأهلية بين السنّة والشيعة والمسيحيين

 

 

 

د. وفيق ابراهيم

 

يستعيد جامع الأزهر موقعه القيادي في العالم الإسلامي، معاوداً جذب كامل المذاهب الإسلامية على اختلاف قراءاتها الفقهية، في حركة استيعابية تُجهض مشاريع الحروب الأهلية بين السنّة والشيعة والمسيحيين، من خلال التقاء هذه الفئات كافة في موقف إنساني صارم ضدّ «خوارج» هذا العصر وسفاحيه.

 

إنها عودةٌ كريمةٌ من الأزهر الذي استشعر خطراً يهدّد إنسانية الإسلام وعالميته. فجاء ردّه إعلاناً عن استضافة مؤتمر يضمُّ المسلمين السنّة والشيعة وكلّ المذاهب المسيحيّة، من أجل إصدار موقف موحّد من الإرهاب وتفشي ظواهر غريبة تحاول فرض قيمها المناقضة تماماً للدين الإسلامي.

إنّ أهمية هذا المؤتمر تكمن في أنه يُعلن أولاً عن استعادة الأزهر دوره التاريخي في تجسيد التوازن بين المسلمين، فلا يحتربُ نصرةً لسنةٍ على شيعة، ولا يمُالئ متطرفين حتى ولو انتموا إليه. فما يعنيه حصراً، هو سلامة الإسلام وصورته العالمية، التي لا تكون إلا بالانسجام بين فئاته المتنوعة، وبعلاقاتها السلمية بالطرف المسيحي.

فاجأ الأزهر «داعش» و«القاعدة»، و«النصرة»، ومموّليهم بدعوة ممثلين عن المذاهب السنية الأربعة، والشيعة الإثني عشرية، والعلويين والموحدين الدروز والأباضية والزيدية والمذاهب المسيحية كافة، إلى مؤتمر يعقد في رحابه اليوم ويستمر حتى الغد.

وبذلك يفكّ الأزهر عن نفسه الأسر الذي بدأ منذ ذهاب الرئيس المصري الأسبق أنور السادات إلى فلسطين المحتلة، وعودته باتفاقية كامب ديفيد التي أدّت إلى سحب مصر من الصراع العربي ـ «الإسرائيلي»، وسحب الأزهر من الريادة الإسلامية. وظلّ الأزهر أسيراً في مرحلة الرئيس حسني مبارك للأسباب نفسها، وكاد يفقد أهميته نهائياً مع الرئيس محمود مرسي الذي كان يعتبر أنّ حركة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها، هي المرجعية للمسلمين. لذلك سعى خلال ولايته القصيرة إلى كمِّ أفواه علماء الأزهر، مع محاولة إلغاء دورهم نهائياً. ورغم أنّ الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي لا يزال مقيداً بالعلاقة مع السعودية وأميركا والاتحاد الأوروبي لأسباب اقتصادية، ويحاول استدراج مساعدات لمصر بأسلوب «المقاومة السياسية»، لم يعد باستطاعة الأزهر السكوت عن تدمير الإسلام من داخله، وعن علاقة بعض مكوناته الشريرة مع المسيحيين والأيزيديين، والصابئة المندائيين، وهم أقلية موجودة في العراق منذ ما قبل الفتوحات الإسلامية، ولم يحاربها المسلمون.

إنّ الحرمين الشريفين في مكة والمدينة المنوّرة، يعادلان المواقع المسيحية المقدّسة في الناصرة وبيت لحم والقدس في فلسطين المحتلة، أما الأزهر فيعادل الفاتيكان المرجع الأكبر لكلّ المذاهب المسيحية.

وها هو الأزهر الذي يعترف إلى جانب المذاهب السنية الأربعة، بالشيعة الاثني عشرية والأباضية والزيدية، يدعو اليوم كلاً من المسلمين العلويين والدروز، وهذا اعتراف واضح بتلك المذاهب، إلى مؤتمر من أجل إجهاض محاولات إثارة الفتنة بين المسلمين من جهة، وبينهم وبين المسيحيين وباقي الأقليات من جهة ثانية.

وبذلك يكشف الأزهر عن جرائم الإرهاب التكفيري المدعوم من تركيا وقطر والسعودية، نافياً بشدّة وجود أي علاقة لها بجوهر الدين الإسلامي وإنسانيته. فكيف سيبرّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تأييده لـ«داعش» و«النصرة» واعتبارهما أقل إرهابية من النظام السوري؟ وماذا ستقول قطر عن دورها في مساندة «النصرة»، وكيف ستدافع السعودية عن تمويل وتسليح «داعش» والجبهة الإسلامية؟

يتطلع العرب والمسلمون في، المشرق والمغرب، إلى هذا المؤتمر بأمل ورجاء، آملين ألا يقتصر دوره على إدانة الإرهاب الذي يضرب مصر من «الإخوان»، و«أجناد مصر»، و«أنصار بيت المقدس»، وهؤلاء أذرع مصرية للقاعدة و«داعش»، وهم يتذرّعون بآيات قرآنية، يفسّرونها على هواهم، لاسترقاق النساء وقتل البشر وذبحهم. كما يترقّبون دعوة يوجّهها المؤتمرون في الأزهر إلى كلّ الدول والأمم لإدانة الإرهاب ووقف دعمه وتمويله وإغلاق الحدود أمامه. ولعلها فرصة تاريخية لسحب المشروعية الإسلامية من هذا الإرهاب، وإعطاء تفسير فقهي موحّد لإنسانية الدين الإسلامي وتفاعله مع الأديان الأخرى.

لقد قرّر الأزهر الشريف الدفاع عن الإنسانية، التي تترقب حركته المعبّرة عن عظمة إمكاناته وحرصه على كرامة الإنسان ومنع الفتن، علماً أنّ قرار دعوة المذاهب الإسلامية كافة، تشكل في حدّ ذاتها موقفاً شجاعاً في زمن تتولى فيه مئات المحطات الإعلامية التابعة لدول الخليج مهمّة التحريض على الفتن المذهبية والعنصرية.

فأهلاً بالأزهر، يَئِدُ التحريض والفتن، مستخرجاً إنسانية الإسلام من فم التنين التكفيري، ومصالح الدول العظمى و«إسرائيل». وها هو يعيد تظهير عالمية الإسلام كدين أممي لا يفرِّق بين عرق وآخر ولون وآخر، واضعاً حدّاً لشطط تكفيريي السعودية، وإخوان تركيا، الذين ضربوا عالمية الإسلام وجعلوه «إخونجياً» و«قاعدياً». فهل بدأ عصر التصحيح؟

الخشية أن تضع السلطة المصرية حدّاً لاتجاهات الأزهر بضغط سعودي ـ أميركي، بينما نناشده القفز فوق الضغوط واسترداد الدين من العابثين بسلامة الإنسانية والمندسّين فيه لغايات سياسية ودنيوية.

 

http://www.al-binaa.com/?article=22131

 

موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه