لم ينعقد المجلس الاستراتيجي التركي ـ الروسي على مستوى مشاركة الرئيس فلاديمير بوتين زائراً إلى أنقرة، عبثاً ولا ترفاً، ولا لأنّ القانون الذي تتشكل على أساسه هذه المجالس يلزم بذلك
روزانا رمال
لم ينعقد المجلس الاستراتيجي التركي ـ الروسي على مستوى مشاركة الرئيس فلاديمير بوتين زائراً إلى أنقرة، عبثاً ولا ترفاً، ولا لأنّ القانون الذي تتشكل على أساسه هذه المجالس يلزم بذلك.
المجلس عادة يترأسه رؤساء الدول عندما يكون ثمة ما يستحق بين الدولتين لقاء قمة يتخذ من المجلس سبباً، ويكون النقاش أبعد من مواضيع مجالس التنسيق التي يفي بأغراضها رؤساء الحكومات، والوزراء المعنيون.
أو يحضر الرؤساء عندما يكون للعلاقات الثنائية ما يستدعي الإضاءة عليه من فوق واجتذاب الاهتمام لمنح هذا البعد الثنائي زخماً يستحقه برأي الرؤساء.
لكن العلاقات الروسية ـ التركية على المستوى السياسي تجاه الملفات العالقة التي تشكل محور اهتمام الدولتين والحكومتين والرئيسين في أسوأ حالاتها، سواء ما يتصل بأوكرانيا أو ما يتصل بسورية، والقضيتان في ظلّ حلحلة الملف النووي الإيراني الذي لم تكن تركيا يوماً عقبة فيه، هما قضيتا العالم اليوم.
وكذلك العلاقات الروسية ـ التركية الثنائية في أسوأ أيامها، فتركيا تورّطت في ملف الغاز بمشروعي أنابيب مهمتهما المضاربة على الغاز الروسي، واحد من أذربيجان والثاني من قطر، وراهنت على الحرب على سورية أن تحدّ من قوة روسيا لتستردّ هنغاريا إلى خط نابوكو من أذربيجان، وعلى الحرب نفسها لتسيير خط الغاز االقطري عبر سورية فتركيا إلى أوروبا، وتركيا منافس سياحي لروسيا في اجتذاب السياح الغربيين، كما أنها دولة صناعية تسعى إلى دخول السوق الأوروبية كما هو حال روسيا والصناعات الخفيفة لدى كلّ منهما.
نتائج القمة تقول عكس ذلك تماماً، فهي تقول إنّ تركيا حصلت على جوائز اقتصادية لا ينالها إلا المنتصر، بينما هي في حلف المهزومين في حربي سورية وأوكرانيا وتمنياتها لم تعد تصرف لدى حلفائها، كما قال تصريح الخارجية الأميركية عن الموقف السلبي من الطرح التركي للمنطقة العازلة على الحدود السورية التركية.
تنال تركيا مفاعل نووياً، وشراكة في خط الأنابيب الروسي عبر البحر الأسود الذي كانت تعارضه واتفاقية تبادل تجاري بمئة مليار دولار، ومليوني سائح تتبادل مثلهما مع روسيا، وتخفيضاً لسعر الغاز الروسي عن سعر البيع لأوروبا بستة بالمئة لمنح صناعاتها قوة تنافسية في أسواق أوروبا.
تنال تركيا قبولاً روسياً بتعليم اللغة التترية كلغة ثانية في شبه جزيرة القرم، وهي من استخدم خصوصية علاقتها بالتتار ضدّ روسيا.
يتحدث أردوغان وبوتين كلّ بلغة عن الرئيس السوري بشار الأسد، ورغم ذلك يقول بوتين اتفقنا على الساسيات واختلفنا على التفاصيل، ويقول أدروغان الخلاف كبير حول سورية.
في السياسة اتفاق معلن وحيد هو السعي إلى حلّ شامل للأزمة في سورية تشارك من خلاله تركيا مع مصر والسعودية وإيران ودول مجلس الأمن الخمسة الكبار في مجموعة جديدة لأصدقاء الحلّ في سورية.
القيمة الوحيدة لهذا الإطار أنه يمنح تركيا فرصة التذرّع بالعجز عن فرض رأيها لتتخلى عنه، فيصير الاجتماع هو مبرّر النزول عن الشجرة كي تخرج المجموعة بمبادرة سياسية أمنية هي ما اتفق عليه الروس والأميركيون والمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، وجوهرها الحرب على الإرهاب أمنياً واعتماد الاحتكام إلى صناديق الاقتراع سياسياً.
بعد تفاهمات فيينا حول الملف النووي الإيراني صار شكل التفاهمات هو البدء في التنفيذ ثم الإعلان، تسهيلاً لحفظ ماء الوجه للمتراجعين عن سقوفهم العالية، وهذا هو حال الغرب في التفاوض مع إيران وحال تركيا مع روسيا.
بوتين حصل على ما يريد من أردوغان فمنحه التعويض المناسب.
http://www.al-binaa.com/?article=22184
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه