25-11-2024 02:16 PM بتوقيت القدس المحتلة

هل أصبح فلسطينيو ليبيا مستعدّين لمرحلة ما بعد القذافي؟

هل أصبح فلسطينيو ليبيا مستعدّين لمرحلة ما بعد القذافي؟

بمنأى عن النظام وسقوطه والثورة ونجاحها في الإطاحة بالقذافي وتسلمها التدريجي لمفاتيح الحكم في ليبيا،نتناول في هذه المقالة قضية اللاجئين الفلسطينيين في ليبيا عشية إعلان دولة فلسطين في الأمم المتحدة.

كتب: د. فرنكلين لامب
ترجمة: زينب عبدالله
طرابلس/ ليبيا

 

بمنأى عن النظام وسقوطه والثورة ونجاحها في الإطاحة بالقذافي وتسلمها التدريجي لمفاتيح الحكم في ليبيا، نتناول في هذه المقالة قضية اللاجئين الفلسطينيين في هذا البلد عشية إعلان دولة فلسطين في الأمم المتحدة.

ففي الوقت الذي يتحضر الطلاب الفلسطينيون والكلّيات لجميع الاختصاصات في جامعة الناصر وجامعة الفتاح في طرابلس، فضلا عن جامعة غاريونس في بنغازي وجامعة عمر المختار في مدينة  البيضاء، يتم تداول عريضة في جميع هذه الجامعات.
ومن بين المنظمين لهذه العريضة والموقعين عليها بشكل أولي نذكر وبصورة رئيسية اللاجئين الفلسطينيين، والليبيين المؤيدين للفلسطينيين، والأجانب المقيمين في ليبيا. ويطالب هؤلاء اللاجئون، وكجزء من حملتهم، السلطة الفلسطينية ومقرّها الرئيسي في رام الله بفلسطين المحتلة، يطالبونها بإرسال "مقعد فلسطين" إلى طرابلس مدة يومين على أن يكون ذلك جزء من المساعي السابقة لتصويت الأمم المتحدة المزمع إجراؤه في شهر أيلول/ سبتمبر حول الإعتراف بفلسطين الدولة رقم 194 العضو في الأمم المتحدة، وتجدر الإشارة إلى أن "المقعد" المطالب به يجول في دول الشرق الأوسط حاليا.
ومن خلال زيارات برفقة بعض الطلاب الفلسطينيين، والأكاديميين، ورجال الأعمال الفلسطينيين الذين يتميزون بالأداء الجيد هنا في ليبيا، فضلا عن بعض الأشخاص الذين أتت عائلاتهم إلى هنا منذ 29 عاما عقب مجزرة مخيم صبرا وشاتيلا في بيروت والتي ارتكبتها إسرائيل عام 1982، يلاحظ المرء بشكل جليّ أن اللاجئين الفلسطينيين في ليبيا والذين هم بشكل طبيعي خارج دائرة الضوء الدولية  متحمّسون ومصمّمون في محاولتهم للحصول على عضوية الأمم المتحدة للبلد المحدد بحدود عام 1967. وقد عبّر الكثيرون أيضا عن دعمهم لمحاولة التغلب على "الفيتو" الأميركي في مجلس الأمن من خلال استباقه وتنفيذ قرار "الاتحاد من أجل السلام" رقم 377 والصادر عام 1950، وتجاوزه بثلثي أصوات الجمعية العامة بحيث يشكل ذلك سابقة قانونية دولية.

ولقد عاد بعض المئات من اللاجئين الفلسطينيين إلى ليبيا خلال الأيام العشرة الماضية بعد تحسن الوضع الأمني في هذا البلد لاستئناف أشغالهم وموارد رزقهم التي تعتبر في قمة ازدهارها مقارنة بمخيمات اللاجئين الفلسطينيين البالغ عددها 57 مخيما في منطقة المشرق العربي. وكنتيجة لمبادرة أطلقتها منظمة عائشة القذافي غير الحكومية لحقوق المرأة "واعتصموا" في شهر كانون الأول/ ديسمبر من العام 2010، سنّ مجلس الشعب قانونا يمنح النساء واللاجئين الفلسطينيين جميع الحقوق لاكتساب الجنسية ومنحها لكلّ من الزوج أو الزوجة والأولاد نتيجة للزواج المختلط. وفي 24 تموز/ يوليو الماضي تم تعيين عائشة سفيرة للنوايا الحسنة في الأمم المتحدة نظرا للأعمال التي تقوم بها ولتركيزها على حقوق المرأة في ليبيا، والفقر، ومرض نقص المناعة المكتسبة (الأيدز). وفي شباط/ فبراير 2011 أصرّت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون على الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون فصل عائشة من منصبها، وقد فصلها فورا من دون أن يزعج نفسه بالإجراءات الإدارية الطبيعية في الأمم المتحدة.
ومن بين أبناء القذافي جميعهم، وبعيداً عن السياسة الداخلية الليبية ما قبل الثورة، تعتبر عائشة وأخوها سيف الإسلام الأقرب في المشاركة بالتزام والدهما الثابت بقضية العدالة لفلسطين، كما أنّ الكثير من الفلسطينيين في ليبيا يحترمونهما.
ومهما فكّر المرء بـ "الأخ الزعيم" هذه الأيام، فإن الوضع الاجتماعي والظروف الاقتصادية للاجئين الفلسطينيين في ليبيا، كما في الدول العربية الأخرى، قد تم الإعتراف بها من قبل القيادات لكلّ دولة على حدة وللدرجة التي تمكّن هؤلاء القادة من اللعب بالبطاقة الفلسطينية على الصعيدين المحلي والدولي بما يتماشى ومصالحهم الخاصة.

ولا يعتبر معمّر القذافي إستثناء، وحتى إن بدا أنّ حكمه بات على وشك النهاية إلّا أن تأثيره على القضية الفلسطينية في ليبيا لا يبدو  كذلك تماما. فقد حصل القذافي على موقع مشرّف في تاريخ الثورة الفلسطينية. وتفوّق على غيره من القادة العرب في موقفه المقاوم غير القابل للتغيير وفي عدم إظهار رغبة في التنازل عن مطالبه في حق العودة الكامل لجميع اللاجئين الفلسطينيين من دول الشتات إلى بلدهم.
وبالرغم من بعض التصرفات الزئبقية التي قام بها القذافي عقب إتفاق أوسلو وحدثين آخرين، إلا أن قيامه في الفترة الأخيرة بمنح جميع اللاجئين الفلسطينيين في ليبيا الحقوق الإنسانية المعترف بها دوليا يضع ليبيا في المرتبة التالية بعد الأردن والمساوية لسوريا في دعم أولئك الذين سرقت أرضهم وبيوتهم على أيدي المستعمرين الصهاينة على مدى السنوات الثلاثين الماضية.
ورغم ذلك لا يزال هناك تخوف واضح بين عدد لا بأس به من الفلسطينيين في ليبيا من أن "حكومة الناتو" الجديدة لن تعترف فقط بإسرائيل وتنقلب لجهة المصالح الإسرائيلية في الاقتصاد الليبي، إنما يتخوفون أيضا من أن تتقلص حقوق اللاجئين في هذا البلد من خلال كل ما ينتج عن هذه الحكومة إلى أن تحين عودتهم إلى فلسطين.
وقد أخبرني البعض بأنه إذا لم يعد القذافي فإن أبناءه على الأقل سيدعمون القضية الفلسطينية بحماسة على أمل أن يتمكنوا من التأثير مستقبليا في أعمال الحكومة الجديدة. ولكن ذلك لا يزال مستبعدا الآن.
وبحسب ما تقوله عائشة، فإنها غالبا ما تتكلم في السياسة هي وأخوها الأكبر سيف الإسلام مع والدهما، وقد تسابقا مرّة منذ عدة سنوات خلال عشاء بمناسبة عيد ميلاد والدهما الشغوف بهما، تسابقا حول من يستطيع تسميع قائمة جميع "خطط السلام" الفاشلة المتعلقة بفلسطين. وقد ربحت عائشة مسابقة الأخوة، وتجدر الإشارة إلى أن عائشة كانت الأفضل في دراستها بين أبناء القذافي وكانت تحصل على درجات الحكمة. وقد ورد في تسميع عائشة لـ "خطط السلام" الفاشلة ما يلي:
"مقترح السلام للكونت فولك برنادوت (1947-1948)، وقرار مجلس الأمن في الأمم المتحدة رقم 242 (22 تشرين الثاني/ نوفمبر 1967)، وأرض للسلام (1967)، ومهمة جارينغ (1967- 1971)، وخطة آلون (26 تموز/ يوليو 1967)، وخطة روجر (1969)، وقرار مجلس الأمن في الأمم المتحدة رقم 338 (22 تشرين الأول/ أوكتوبر 1973)، وخطة ريغان (1 أيلول/ سبتمبر 1982)، وإتفاق أوسلو (1993)، ومذكّرة واي ريفر (تشرين الأول/ أوكتوبر 1998)، وقمة كامب ديفيد 2000 (2000)، وعوامل كلينتون (23 كانون الأول/ ديسمبر 2000)، وقمّة طابا (كانون الثاني/ يناير 2001)، وخطة إيلون للسلام (2002)، وإتفاقية نسيبة أيالون (2002)، ومبادرة السلام العربية (28 آذار/ مارس 2002)، وصوت الناس (27 تموز/ يوليو 2002)، وخارطة الطريق للسلام (30 نيسان/أبريل 2003).
وتزعم عائشة أنها ما زالت تستطيع تسميع ذلك بالإضافة إلى جميع الخطط الفاشلة مؤخرا!

أما سيف فهو مدافع عن حقوق الفلسطينيين ويوازي عائشة بقوة الدفاع هذه، وكما هي الحال بالنسبة لوالده وإخوته، يدافع سيف الإسلام عن حل لدولة واحدة وقد قال ذلك في عدد من المحاضرات في إنكلترا بما فيها محاضرات "تشاذام هاوس" وغيره من الأماكن.
ويقول سيف: "أخبرنا والدي بأنه كان يحب قراءة كتاب ماو الأحمر الصغير للاقتباسات قبل أن نولد، وقد كتب مرارا للرئيس ماو لمناقشة بعض التفاصيل. وبعد ذلك كتب والدي الكتاب الأخضر، وأخيرا عملنا معا لكتابة الكتاب الأبيض. وكان مشروع الكتاب الأبيض ممتعا لكلينا وقد آمنّا بأنه الحل العملي الوحيد. أعتقد أن معظم الفلسطينيين في ليبيا يوافقون على ذلك ولكن يمكنكم سؤالهم".
ويبدو لي أن اللاجئين الفلسطينيين في ليبيا هم من بين الداعمين الأكثر حماسة لحل الدولة الواحدة لمسألة فلسطين داخل المجتمع الفلسطيني،ولا شك أنهم متأثرون بالخطابات الكثيرة لمعمّر القذافي حول هذا الموضوع على مرّ العقود الأربعة الماضية.

ويحلّل الكتاب الأبيض تاريخ فلسطين، كما ويشير إلى العيوب الكثيرة في حل الدولتين ويقترح دولة واحدة اسمها "إسراطين". يقول سيف وعائشة إن الاسم يمكن أن يبدو سخيفا وقد سخر منه الكثيرون، إلا أن البرلمان الأول لهذه الدولة يمكن أن يختار الإسم الأفضل لهذا البلد الجديد.
وحاليا هناك إشكالية حول ما إذا كان بإمكان سيف الإسلام أن يكمل عمل عائلته بشأن المسألة الفلسطينية. وبناء على طلب حلفاء القذافي القدماء، طلب فريق مؤلف من ستة من المحامين الدوليين ومنظّم من قبل محاميين أميركيين، طلب من عائشة الانضمام إلى الفريق الذي يتحضّر للدفاع عن سيف الإسلام بوجه أي اتهامات يمكن أن توجه إليه من قبل محكمة العدل الدولية أو من الداخل الليبي، وتجدر الإشارة إلى أن عائشة محامية متمرسة. وقد عملت عائشة على عدد من المشاريع القانونية بما فيها الدفاع عن منتظر الزيدي عندما واجه اتهامات ناتجة عن حادثة إلقاء الحذاء على جورج بوش في بغداد.

وقد علم الفريق ذو القيادة الأميركية أن المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا قد تلقّى تعليمات من (الناتو) لقتل سيف الإسلام بمجرّد رؤيته بدلا من محاكمته داخل ليبيا أو خارجها. ويدرك حلف (الناتو) تماما أن محاكمة سيف الإسلام دوليا ستتحول سريعا إلى محكمة (للناتو). وسيكون مكان إقامة الدعوى كفيلا بتفجير الفقاعة الدعائية التي ضلّلت وبشكل واسع الكثير من مواقف الرأي العام العالمي على مدى الأشهر الشتة الماضية حول أهداف (الناتو) في المنطقة وأفعاله في ليبيا.
ويحتمل أن تأخذ هذه المحاكمة عدة سنوات حتى تكتمل لتقديم الدليل القاطع ضد (الناتو) الذي يتم تجميعه من قبل عدد من مشاريع الأبحاث في ليبيا المتواصلة منذ أربعة أشهر، في الوقت الذي تتواصل جدولة الدليل الإثباتي.
ويتم تحضير دعوى قضائية ضد (الناتو) لتقديم ملفّها أمام المحكمة الفدرالية الأميركية في ولاية كاليفورنيا، وسيتم توظيف القوانين الليبرالية الفدرالية المتعلقة بالأصول المدنية لتقديم وثائق ضخمة تعرض لجرائم (الناتو) ضد المدنيين الليبيين.
وفي الخلاصة، سيكون لأحداث هذا الخريف في الأمم المتحدة وتكوين الحكومة الليبية القادمة الوقع الثقيل خلال الفترة القادمة والغامضة في ما يخص اللاجئين الفلسطينيين في ليبيا.

 


يمكنكم التواصل مع فرنكلين لامب على بريده الالكتروني
fplamb@gmail.com