حاليا، تتم قولبة المدينة وفقا لرؤية سعودية خاصة تعزز حكم عائلة آل سعود الملكية، وتصقلها قوتان. واحدة رأسمالية خام، مدعومة بالبترودولار. فمخططو مكة يؤمّنون إلى حد كبير حاجات الحجاج الأغنى
في طفولته، كان أسامة البار يمشي من منزله مرورا بالكعبة، أقدس المواقع في الإسلام، للوصول إلى سوق التوابل والاقمشة، حيث كان والده يملك متجرا.
في ذلك الوقت، كانت مكة صغيرة جدا، وأمكن الحجاج الجلوس عند الكعبة ومشاهدة الجبال الصحراوية الهادئة، حيث مشى النبي محمد (ص) ذات يوم. اليوم، اختفت السوق والمنازل، لتقوم محلها أبراج ضخمة لفنادق فخمة حول المسجد الحرام، حيث موقع الكعبة، ليبدو امامها قزما. كذلك سوِّيت تلال صخرية عالية مشرفة على المسجد، وانتصبت رافعات لبناء مزيد من الابراج، صفا تلو الآخر.
"والدي وكل من كانوا يعيشون في مكة لن يتمكنوا من التعرف اليها" اليوم، يقول البار، وهو أمين العاصمة المقدسة حاليا. ففي وقت يتوافد الحجاج المسلمون من كل أنحاء العالم إلى مكة، تخضع المدينة لأكبر عملية تحوّل في تاريخها. قبل عقود، كانت منخفضة الابنية بأحياء مبنية من قرون. وعلى مر الاعوام، شهدت مشاريع تجديد جزئية، غير أنه في منتصف العام الفين، أطلقت المملكة عملية ترميم هي الأكثر طموحا، مع سلسلة مشاريع عملاقة أعادت بالفعل- حتى قبل أن تكتمل- تشكيل مكة.
الأحياء القديمة مُسِحت لتحل محلها فنادق أبراج ومراكز تسوق تصل إلى حافة المسجد الحرام. مواقع تاريخية مهمة للإسلام هدمت. وفي جوار الكعبة، ترتفع ثالثة أطول ناطحة سحاب في العالم، وعلى رأسها ساعة عملاقة. "انها ليست مكة المكرمة. انها مكة-هاتن. هذا البرج وتلك الأضواء تشبه فيغاس"، يقول سامي عنقاوي، وهو مهندس معماري امضى حياته في درس الحج، ويُعدُّ احد أشد منتقدي التغييرات في المدينة. "حقيقة تاريخ مكة مُسِحت... مع الجرافات والديناميت. هل هذا هو التطور؟".
يشكو المنتقدون أن نتيجة العملية هي تجريد المدينة المقدسة من روحانيتها. كذلك يقولون أنها تسلب الحج رسالته التي تزيد عن 1400 عام، وهي ان كل المسلمين، أغنياء أو فقراء، متساوون أمام الله خلال تأديتهم طقوس التطهير من الخطيئة، انطلاقا وانتهاء بالدوران 7 مرات حول الكعبة.
حاليا، تتم قولبة المدينة وفقا لرؤية سعودية خاصة تعزز حكم عائلة آل سعود الملكية، وتصقلها قوتان. واحدة رأسمالية خام، مدعومة بالبترودولار. فمخططو مكة يؤمّنون إلى حد كبير حاجات الحجاج الأغنى، عبر التركيز على بناء فنادق خمسة نجوم حول الكعبة. وعلى مقربة، يمكن الحجاج التسوق في سلاسل متاجر دولية...
القوة الأخرى هي "الوهابية"، التفسير الصارم والمتزمت للإسلام، والتي جعلها آل سعود المذهب الرسمي للبلاد، في وقت يدعم رجال الدين الوهابيون النظام الملكي بقوة، ومن مدة طويلة، جعل النظام الوعظ في الكعبة حكرا عليهم. إحدى العقائد الوهابية أن المقابر الإسلامية أو المواقع المتصلة بشخصيات مبجلة- حتى النبي محمد (ص) وأهل بيته وصحبه- ينبغي تدميرها، لتجنب التبجيل الذي يجب ان يكون لله فقط.
في مكة، من الصعوبة إيجاد موقع يرتبط بأثر للنبي محمد (ص). العديد من المواقع دمرت في عمليات توسعية سابقة للمسجد الحرام في الثمانينات والتسعينيات.
والتطوير الجديد ينجز على معظم ما تبقى منها. على سبيل المثال، هُدِم منزل بيت أبي بكر، العام 2008، للافساح في المجال امام الـ"هيلتون". وقد ابدى أكبر مسؤول ديني في البلاد المفتي العام عبد العزيز آل الشيخ دعمه لعمليات الهدم العام الماضي. "إزالة مثل تلك المواقع ضمن التوسعة امر ضروري".
في رأي مسؤولين سعوديين، التجديد الحضري ضروري لاستيعاب الحجاج الذين يتوقع أن يرتفع عددهم من 3 ملايين حاليا إلى 7 ملايين بحلول 2040. ومن شأن توسيع المسجد الحرام، بتكلفة 60 مليار دولار، أن يضاعف المساحة لهم. ويفيد البار أن نحو نصف التكلفة صرفت على شراء 5800 منزل كان لا بد من هدمها للتوسع. وقد أزيلت قباب وأعمدة من حكم الإمبراطورية العثمانية لبناء مرافق حديثة...
توسيع المسجد الحرام تتولاه مجموعة بن لادن التي بنت أيضا برج الساعة. من عقود، كانت عائلة بن لادن قريبة من آل سعود، وتدير مشاريع بناء كبيرة في كل أنحاء البلاد. وخلال ندوة عقدت في جدة في أيار الماضي، قال ابن رئيس المجموعة نواف بن لادن إن الناس يتساءلون باستمرار عما إذا كانت هناك حاجة الى كل هذا البناء. ويمكن الاجابة عبر هذه الصورة". وعرض صورة لعشرات آلاف المؤمنين، وهم يصلون في الشارع، لعدم توافر مساحات كافية داخل المسجد الحرام.
غير أن كثيرين من الحضور لم يقتنعوا بكلامه. ويجد الديبلوماسي السابق سعيد الغامدي أن الجشع هو الدافع الرئيسي. "للمسلمين في كل أنحاء العالم علاقة حميمة بمكة. المدينة ليست مكانا لرجل أعمال واحد أو شركة واحدة".
ويرى ايضا رئيس مؤسسة "بحوث التراث الإسلامي" عرفان العلاوي أن مخططي مكة لم يكونوا مضطرين إلى أن يبنوا على مقربة من الكعبة، الى درجة "سحق" البناء المكعب البسيط. كان من الممكن بناء الفنادق على بعد أميال وتحسين وسائل النقل. "بالفعل، نحن نخسر الروحانية"، الحجاج معجبون ببرج الساعة، بدلا من "النظر إلى الكعبة والاعجاب ببيت الله".
يقرّ المدير العام لشركة "بوابة مكة" الحكومية عصام كلثوم بأنه "قد يكون مهزلة" القول بإن الدوافع المالية لا تدخل في الاعتبار. غير أنه يشدد على أن الهدف الرئيسي هو زيادة المساحة للحجاج. ويظهر هدية تلقاها من مؤسسة تركية، وهي عبارة عن صورة لمكة في أواخر العام 1800. "الامر مؤلم. لمن شهد بيننا بعض هذه (الماضي)، الامر يعيد الذكريات". ويشير باصبعه إلى الكعبة في الصورة. "بسبب هذا المكان، على الأسواق القديمة والمباني ان تزول".
أ. ب.