لا يجب على الآخرين اعتبار ثنائية الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل على أنها استبعاداً لأيِّ طرف لبنانيٍّ آخر
أمين أبوراشد
لا يجب على الآخرين اعتبار ثنائية الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل على أنها استبعاداً لأيِّ طرف لبنانيٍّ آخر، لأن لهذا الحوار خصوصيته التي فرضتها التحوّلات على المستوى الإقليمي العام، ويهدف قدر الإمكان الى التفاهم المجتمعي اللبناني.
وقد تكون التحضيرات المطوَّلة لبدء جلسات هذا الحوار الذي لم يتحدَّد لغاية الآن موعد بدئه، المؤشِّر الأول على أن القضية ليست مجاملات إجتماعية بين طرفين أساسيين لبنانيين، وأن الفشل في هذا الحوار ممنوع لأنه الفرصة الثمينة والمَثَل الذي يجب أن يُحتذى على مستوى الإقليم للحوار السياسي الشيعي – السنِّي.
حوار حزب الله مع تيار المستقبل مطلبٌ لبنانيٌ جامع، وهو أبعد وأشمل من مركز رئاسة جمهورية أو مقاعد نيابية، لأن الثابت أن لا جمهورية بغياب التوافق على المصير الوطني الواحد بين القوَّتين الكبيرتين، سيما وأن تداعيات موجة التكفير لامست الداخل اللبناني، وأن هناك مخاوفَ أوروبية مُستجدَّة ومُعلنة من أن يأتي دور لبنان بعد سوريا كهدفٍ للإرهاب.
وقد يكون إبعاد أجواء جلسات هذا الحوار المُرتقب عن الإعلام مسألة محمودة، لأن بعض الإعلام غير الملتزم يستعدُّ منذ الآن للتحليل والإجتهاد وربما التشويش على أي جوٍّ إيجابي، ويكفي هذا الإعلام أن يستقي حصراً نتائج الجلسات، من المصدر المخوَّل الذي يحدِّده كل فريق، لأنه ليس من الجائز أن يكون الحوار الوطني في هذه الظروف الحسَّاسة، مادةً للسبق الصحفي الذي بات يأتي معظم الأحيان من باب الإجتهاد والتحليل ويُنسَب في النهاية الى "المصادر المطَّلِعة"!
وإذا كان الفريقان توافقا على حوارٍ غير مشروط، فهو بدأ بشرط استبعاد المسائل الخلافية، والإختلاف حقّ طالما أنه يُبعِد الخلاف، وهذا الحوار ما كان ليحصَل لو نَجَحت طاولة الحوار التي أرادها الرئيس السابق للجمهورية أحد إنجازات عهده، وأسباب فَشَل تلك الطاولة بمختلف جلساتها أنها باتت مادة للإعلام ومائدة مُزايدة وقاربت أموراً وطنية كُبرى دون طرح بدائل وحلول ترتبط بشكلٍ خاص بالإستراتيجية الدفاعية.
تيار المستقبل يذهب الى الحوار بِحيثيَّته الشعبية، وحزب الله كذلك، ممَّا يعني أن لا نيَّة لأيٍّ من الفريقين بتجاهل نبض الشارع اللبناني، وإذا كان غياب "المستقبل" القسري عن شارعه لفترة سمَحَ للبعض بالتسلُّل، وفشلوا بملء الفراغ فلأن المنطق التكفيري لهؤلاء غير مقبول لدى المجتمع اللبناني، وقد استوعب حزب الله بحكمة قيادته الكثير من الأمور الإستفزازية التي حاول التكفيريون استدراجه إليها في زواريب الصراعات الداخلية ولم تنجح، ودفع الثمن الغالي دماء بريئة خلال موجة التفجيرات التي طالت مناطقه، ولعلَّ الدور الكبير الذي قامت به فعاليات الحزب مؤخراً مع الفعاليات البلدية والإختيارية والعشائرية في البزالية، لدرء الفتنة واحتواء الإنفعال الشعبي الذي اشتعل بعد إعلان استشهاد الدركي علي البزَّال، هو مثالٌ بسيط عن الدور الوطني الحاضن الذي يقوم به الحزب على المستوى الوطني اللبناني.
وبصرف النظر عن برنامج الحوار الذي لم يفصح عنه بعد، فإن هذا الحوار الذي لن يُقارب المسائل الخلافية يجب أن يكون تمهيداً لحوارٍ أعمق يرتبط بالأمور الوطنية الكبرى، لأن ظروف الداخل التي تُحيط الآن بايِّ حوارٍ لبناني- لبناني تختلف عن تلك التي رافقت جلسات الحوار في قصر بعبدا، وإذا كانت جلسات بعبدا قد فشِلت في بحث استراتيجية دفاعية لعدم وجود بدائل وطنية، فإن سماحة السيد حسن نصرالله كرَّر أكثر من مرَّة وجوب البحث باستراتيجية وطنية تُقارب الواقع الحالي، في مواجهة إرهابٍ تكفيريٍّ عابرٍ للحدود، لم يميِّز بين مسجدٍ وحسينيةٍ وكنيسة ولا أي مقامٍ دينيٍّ أو ضريح، وأمعن في إبادة الأقليات وتهجيرها والتنكيل بها عبر ثقافةٍ شيطانية ليس هناك في المجتمع اللبناني من يقبَل بها.
وظروف الداخل أيضاً، تقتضي الإحتكام الى الداخل بعيداً عن ضغوط الإقليم، لأن الشعب اللبناني المؤمنٌ أكثر من أي وقت مضى بمعادلة "شرف، تضحية، وفاء"، إيمانه بجيشه الوطني الذي يحقِّق ما عجِزت عنه بعض جيوش العرب في مكافحة الإرهاب، مؤمن أيضاً وأكثر من أيِّ وقت بمعادلة الجيش والشعب والمقاومة، خاصة أن هذا الشعب قد استشعر خطر الإرهاب وتطوَّع من تلقاء نفسه خلف الجيش والمقاومة لحماية قرى الأطراف، ولتكن لدينا ثقافة مجتمعية لبنانية تحمي المجتمع والكيان بقوَّةٍ وتضامن، ولنتمسَّك بقوَّتنا التي حرَّرت وطناً ونعزِّز انتصاراتنا الوطنية بتضامنٍ يكفل للكيان اللبناني السيادة والعزَّة والكرامة...