امتطت العديد من جماعات المشرق العربي، ممن كان لها نصيب في القتال بأفغانستان، موجة المد القاعدي، وأمن لها الإحتلال الأميركي للعراق الساحة والملاذ، إلى أن كبرت الكرة السوداء وتدحرجت نيرانها.
ابراهيم عبدالله - احمد فرحات
امتطت العديد من جماعات المشرق العربي، ممن كان لها نصيب في القتال بأفغانستان، موجة المد القاعدي، وأمن لها الإحتلال الأميركي للعراق الساحة والملاذ، إلى أن كبرت الكرة السوداء وتدحرجت نيرانها، لتطال سوريا ومصر ودول المغرب العربي، كما الخليج.
واستفادت الجماعات ذات الفكر التكفيري من متغيرات دولية وإقليمية عديدة، جعلت منها ذراعاً لضرب السلطة السياسية الوليدة في العراق بعد سقوط نظام صدام أولاً، وأداةً إستراتيجية لخلق حروب داخلية وتدمير البلاد العربية في المدى البعيد.
لم يكن تنظيم داعش وليد صدفة، فالمقاتلون العرب السابقون في أفغانستان كانوا نواته، وأضيف إليهم العنصر البعثي. هذا التحالف الهجين، انتج دولة العراق الإسلامية عام 2006، بزعامة الأردني أبو مصعب الزرقاوي.
ووضع الزرقاوي استراتيجية تمتد لعشرات السنين، اعتبرت ملهماً للمدعو ابراهيم البدري (ابو بكر البغدادي)، لإحكام السيطرة بالحديد والنار على المنطقة العربية.
ووجد البدري في الأحداث السورية فرصة نادرة لبسط السيطرة والنفوذ، فأرسل السوري أبو محمد الجولاني (متزعم جبهة النصرة حالياً) إلى الشام لإستطلاع الأوضاع، وبعدما وجد الأخير الساحة مهيأة، تم الإعلان عن جبهة النصرة لأهل الشام عام 2011.
غير أن رياح الشام أتت بما لا يشتهي السامرائي (نسبة إلى منشأ البدري)، فانشق الجولاني عنه وبايع أمير القاعدة مباشرة، ودارت مواجهات عنيفة بين الطرفين، على أحقية الإمارة والسلطة، وانتهت إلى ما انتهت عليه ... خلاف تنظيمي ومواجهات عسكرية، وتوحد في الفكر والرؤى والأهداف.
دولة داعش
حقق أبو بكر البغدادي فائض قوة، ترجمها سريعاً بإعلان "خلافة"، خلطت أوراق المنطقة، كما التوجهات "الجهادية"، وازداد الشرخ عمقاً مع تنظيم القاعدة وأميره الظواهري.
على رقعة جغرافية وازنة، أقام البغدادي دولته، وقتل سكانها الأصليين ممن لم يرضخ لحكمه، وهجر الباقين، ونظم حفلات الموت والإعدامات، أرعب فيها المسلمين في مناطق أخرى.
وتشابه مسار دولة داعش مع مسار دولة الإحتلال الإسرائيلي في فلسطين المحتلة:
مجزرة سبايكر في الموصل ... مجزرة دير ياسين في فلسطين المحتلة
حرق المقدسات ودور العبادة وتدميرها في العراق وسوريا ... احراق المسجد الأقصى وهدم مساجد في القدس المحتلة
اسكان أجانب قدموا من 80 دولة ... جلب يهود من دول العالم بعد إفراغ المناطق من الفلسطينيين
تشكيل عصابات قتل وإجرام ... على شاكلة العصابات اليهودية
لم تكن داعش يوماً دولة، بل كيانا مصطنعا، قام على أرض مغصوبة، لا تقام الصلاة عليها، بحسب اجماع المسلمين.
وخلق أركان دولة البغدادي من منظرين وعسكريين الذرائع الشرعية لمشروعهم، بعد تفسير أحادي ومجتزأ للدين الإسلامي، تماماً كما أقنع زعماء الإحتلال الإسرائيلي العالم ومجتمعاتهم بشرعية دولتهم، وإعطاء المبررات القانونية لها، من خلال تجاهل القوانين الدولية، واجتزاء المواد التي تتحدث عن سلطة الامر الواقع، لتبرير قيام المستوطنات أو المغتصبات.
دولة داعش ما هي إلا "كيان" يوازي الصهيونية بشاعة، وولد هذا الكيان في فترة تاريخية، ساهم الغرب في صنعه بشكل مباشر، وما الرسوم الكاريكاتورية والأفلام المسيئة لرسول الإسلام محمد صلى الله عليه وآله وسلم، سوى جزء مما قدمه الغرب للتنظيمات التكفيرية في النمو والتوسع، وفق خطة مدروسة، حيث كانت هذه الرسوم تظهر في توقيت مشبوه ومحدد، استغلها تنظيم القاعدة ومن بعده داعش في غرس أفكاره التحريضية. فقاتلت هذه الجماعات المسلمين تحت شعار من ليس معنا فهو ضدنا.
موجة داعش
بدافع من عدم الإلتزام الديني (العديد ممن أنضموا إلى داعش والقاعدة، كان يعرف عنهم عدم التزامهم الديني)، والتحريض المذهبي (الذي مارسه الإعلام والسياسيون العرب)، وعدم الإحساس بالإنتماء إلى جماعة، لجأ الأفراد إلى داعش.
داعش التي ركبت موجة الأحداث العربية وموجة المد القاعدي سابقاً، التحقت بها جماعات السلاح والإجرام، والفكر الأحادي المنحرف، وشكلت هلالاً أسود، يمتد من الأنبار في العراق إلى ريف حلب في سوريا، مروراً بدير الزور والرقة.
وانضم إلى هذا الهلال الأسود والكيان المصطنع، مسلحون من اليمن والمغرب العربي، ممن كانوا سابقاً تحت لواء حركات تتبع تنظيم القاعدة، وظهر في العلن خلاف بين الأخير وداعش.
هذه الموجة سرعان ما تخبو، بدليل تراجعها الميداني في أكثر من منطقة خصوصاً في العراق، وعجزها عن الثبات في المناطق التي استولت عليها، بحسب ما ذكرت مصادر متابعة للشأنين السوري والعراقي.
وأعادت هذه المصادر التذكير بأنه وبعد اندلاع المعركة بين داعش وجماعات الجيش الحر والجبهة الإسلامية في سوريا، تراجعت داعش سريعاً وخسرت معظم المناطق التي سيطرت عليها في ريفي ادلب وحلب، وهذا ما يجري الآن في العراق، حيث أنها خسرت أكثر من نصف الأراضي التي استولت عليها، بفضل جهود القوات العراقية وسرايا الحشد الشعبي.
وشددت المصادر على أن المعركة مع داعش والنصرة وغيرها من الجماعات التكفيرية واحدة، وان اختلفت المسميات، واعتبرت أنه لو أن النصرة كانت في مكان داعش، لفعلت الشيء نفسه.
داعش لا تحمل اي مقومات الدولة الحقيقية ... لا يمكنها الاستمرار
من دون شك ان ما يسمى تنظيم داعش او" دولة الخلافة" ما هي الا طفرة عابرة ولا تحمل اي مقومات لدولة حقيقية وذلك لغياب ثلاثة اسباب، هذا ما اكده امين عام اتحاد علماء المقاومة الشيخ ماهر حمود في حديث لموقع المنار، معتبراً ان "داعش هي اصلاً لم تقم على اسس اسلامية فقهية واضحة"، واهم شيء انه لم يبايَع ما يسمى بـ "خليفة" داعش مما يسمى اهل الحل والعقد (العلماء المعروفين او اصحاب السطوة في الارض واصحاب القرار الحقيقي من امراء وزعماء عشائر رؤساء دول وقادة جيوش) وهي جد مهمة في التاريخ الاسلامي من اجل قيام الدول،هذا اولاً.
ثانياً : ان قيام ما يسمى "بدولة داعش" كان بدعم ومدد غربي وبعض الدول العربية التي تدور في فلك الادارة الاميركية ، وهذا الدعم سيزول لانه لم يأت من اجل اقامة الدولة الاسلامية، بل اتى من اجل تحقيق بعض الاهداف الانية والتي ستذهب يوماً ما وسيذهب معها هذا الدعم .
ثالثاً : الاسس الفقهية معدومة تماماً، وعندما نرى برأي الشيخ حمود تطبيق الاحكام او الحدود نلاحظ ان "الحد الادنى غير متوفر من الشروط الشرعية متسائلاً عن دور القضاة والشهود في هذا الموضوع "، موضحاً انه "لا يوجد اي اعتبار للشرع الاسلامي"، خاصة عند القاعدة الشرعية والتي تقول " ادرأوا الحدود بالشبهات" لذلك الحدود او العقوبات لا بد لها من درء الشبهة او الاسباب التخفيفية وفقاً للقانون الوضعي ، وبرأي الشيخ حمود ان "كل اللذين ارتكبوا اخطاء يجب ان يراعوا باعذار تخفيفية لان اتيان المعاصي او الاخطاء، حصلت في وقت وزمن لا تطبق فيها احكام الشريعة ولا تتوفر فيها شروط الحياة الكريمة وهذا ما حصل زمن الخليفة عمر عندما اوقف تطبيق بعض الاحكام التي تتعلق بقطع اليد في عام الرمادة والتي كان فيه المجاعة ، وهذا ايضاً ينطبق على باقي المخالفات كالحرابة ( عداوة الاسلام)".
ولفت الشيخ حمود الى ان "اقامة الحدود لا يمكن تطبيقها الا بعد تحقيق شرط التمكين في الارض"، وفقاً لما جاء في سورة الحج " الذين إنّ مكناهم في الارض اقاموا الصلواة وءاتوا الزكواة وامروا بالمعروف ونهوا عن المنكر" ، وعليه كل ما نراه من سلوكيات وممارسات من قبل داعش غير خاضعة لاي منظور اسلامي وبالتالي لا يمكنها الاستمرار.