اعتبر شيا بدوره أن طراد حمادة اختار طائعا ان لا يطلق ذائقته الفنية الجمالية الشاعرية على هواها، بل جعل لها حدوداًمعينة كان يتقصد عامدا الالتزام بها وعدم تخطيها
مسرح وقصص وطلاب
يستمر معرض الكتاب العربي ليومه الثامن على التوالي بالقيام بنشاطات مختلفة، ومن أبرز نشاطاته الصباحية الخاصّة بالأطفال، وكعادتها "دار أصالة" خصّت طلاب المدارس بفترة لقراءة القصص، فقرأت سنا شباني لطلاب مدرسة البيادر قصصاً حول البيئة وحسن السلوك.
أمّا الحكواتي أحمد طي فقد قصّ أمام طلاب مدرسة المقاصد - خالد بن الوليد حكاياتٍ مسليّة، وقد تفاعل الأطفال معه بشكل إيجابي.
ندوة حول كتاب " بيروت بأقلام الشعراء صراع القمة والهاوية
وفي اطار نشاطاتها لهذا العام نظمت دار سائر المشرق ندوة حول كتاب "بيروت بأقلام الشعراء صراع القمة والهاوية" للكاتب الدكتور جان طنوس شارك فيها رئيس تحرير صحيفة اللواء صلاح سلام، الكاتب مروان نجار وأدارتها الدكتورة نازك بدير في حضور حشد من المهتمين والمثقفين
بدير
استهلت الدكتورة بدير كلمتها بالقول: بيروتُ قِبلةُ الشعراءِ والأدباءِ والمفكّرينَ تبقى علامةً فارقة، عطرُها يجذبُ العابرين، فتستوطنُ سرَّهم ونجواهم. كتبوها قصائدَ، تارةً بماءٍ مقدّسةٍ، وتارةً أخرى بماءٍ كبريتيّةٍ... وبقدر ما يأنسُ إليها الشّعرُ، وينسجُ أفتنَ صورِهِ في شوارعِها وحاناتِها ومقاهيها وأناسِها، بقدْر ما يسلّطُ سهامَ الغيرةِ والنّقدِ إليها.
واعتبر بدير أن الكتاب عملٌ أدبيٌّ متميٌّز وجريءٌ للدّكتور جان طنّوس، الّذي لم يهادنْ في أيٍّ من الصّفحاتِ، كما في أيّ من مؤلفاته، شرّحَ قصائدَ لأدونيس وخليل حاوي ومحمد الماغوط ومحمد الفيتوري وسميح القاسم ونزار قبّاني والشّاعر القروي، بأسلوبٍ نقديٍّ بعيدٍ من المحاباةِ والمواربةِ. لم يتهاون مع من جرّح كرامة بيروت كما ذكر في بحثه عن سميح القاسم... وقد عمَلُ الدكتور طنّوس في هذا الكتابِ أشبهُ ما يكونُ بعملِ الصّائغِ الّذي يجلو القطعَ الأدبيّةَ بنارِ فكرهِ، فجاء البحثُ من عيار 24 قيراط، من حيث التّعاطي مع النّصِّ الشّعري بمنظارِ التّحلّي بنظرةٍ نقديّةٍ وحسٍّ ثاقب.
سلام
أشار سلام في بداية كلمته أنه ليس مستغرباً أن تستقطب بيروت إلهام الشعراء ونصوصهم، لا بل المستغرب ان لا يحصل ذلك. فالشاعر، أي شاعر لا تدل بوصلته إلا على القلب، وذلك هو نسغ الشعر وروحه، ومسلك ابداعه على تعدد المدارس والمناهج. وبيروت هي القلب، قلب الوطن ورئته، الأم الحاضنة لأبناء تنوعت مشاربهم، وتلونت معتقداتهم، وتناقضت احياناً خطوطهم السياسية، وتآلفت حيناً آخر. لكن جداولهم جميعها تصب في نهر واحد هو عشق هذه المدينة الأم. في لؤلؤة المتوسط تسقط التناقضات، وتُلغى الفوارق، يمحى ما يفرّق، ويولد ما يجمع. ذلك هو سر بيروت، هذا التلاقي الحضاري المنصهر في بوتقة وعروة لم تنفصم عراها على الرغم من المصائب والنوائب التي افتعلت، والشوائب التي علِقت.
وتطرق سلام الى الاسماء البارقة في سماء الابداع العربي التي جمعها عشق مدينة بيرقها الحرية، وشعارها التعايش واحترام الآخر في فكره ومعتقده، فقالت فيها ما يجب ان يقال، وأضاف جان طنوس إلى قيمتها قيمة بهذا التكثيف الغني الذي ادهشني في تعليقه على ما انتقى، معتبرا أنه شبه دراسة كاملة موجزة أحاطت بما قاله كل شاعر، فتحول القلم إلى ضوء ساطع، وتحول الكتاب إلى حالة موسوعية نفتقد مثيلاتها في أدبنا العربي.
وانتقل الى بيروت قائلا: هنا نعود إلى بيروت.ونفتح أب واب الذاكرة وسط كل هذه الظروف المحيطة بنا في عالمنا العربي وما حوله. ونتذكر بيروت الستينيات، بيروت الحرية والانطلاق. حين كنا نرى في "الدولتشي فيتا" و"الأنكل سام" وغيرهما خيرة مفكري ومبدعي العرب، وبعض العالم يأتون لتنشق "أوكسجين" لا ابداع من دونه. يأتون إلى المختبر الثقافي - الإبداعي كما تم اتفاق الكثيرين على وصفه. كانت بيروت مختبراً ثقافياً ابداعياً بالفعل، فليس لشاعر أو روائي، أو أي مبدع آخر ان يأخذ حقه من الشهرة والتكريس إلا إذا عبر هذا المختبر بنجاح.
واعتبر أنه ومن هنا، من هذه النقطة تحديداً يمكننا الدخول إلى ما سطرته اقلام الشعراء الكبار الذي تضمنه كتاب جان نعوم طنوس، فأدونيس الذي جاء بيروت وهو القروي ابن قرية «قصابين » في طرطوس اختار بيروت مكاناً لولادته الشعرية وكان ولوجه إلى حلقة مجلة "شعر " هو الخطوة الأولى لفترة امتدت لثلاثين عاماً استطاع خلالها تثبيت أقدامه شعرياً في أجواء الحداثة و"الأوكسجين" الذي سبق الكلام عنه....أما بالنسبة لخليل حاوي الذي نظر إلى المدينة من خلال اكتئابه الذي أوصله إلى ما وصل إليه، فهو قد وجد فيها من خلال هذه النظرة الوجه الآخر لها. وجه لولا وجودها لما شاهده...
وأشار الى أن محمد الماغوط وان كان هناك ما يجمعه مع خليل حاوي من مصدر واحد هو المدينة التي عرفت تشرده وتسكعه، وسأمه... لكل مدينة قاع وعلياء، وكل منهما قد يكون منبعاً ومصدراً للإبداع. فالماغوط لم يجد في بيروت إلا القاع، حيث الحانات وتوابعها مضافة إلى تشرده وسأمه، لكنها ولدت نصوصاً لا يمكن التقليل من بريقها، الفيتوري يقارب العاصمة بمقاربة الماغوط عينها.
وختم بالحديث عن سميح القاسم الذي تلعب فترة الحرب الأهلية اللبنانية دوراً في نظرته انطلاقاً من وطنيته الفلسطينية، وصراع المقاومة الفلسطينية مع بعض اللبنانيين وصولا الى دخوله عالم نزار لليخل الى القول: ان كتاب جان طنوس كان يجب ان يكتب، وكما كتب بالضبط مع كل سلبيات من كتب سلباً، وايجابيات من كتب ايجاباً. فبدون تقبل ذلك بيروت ليست بيروت. هي الأم الرؤوم لكل مبدع في أرض العرب يتوق إلى الحرية فيأتي إليها و تفتح ذراعيها لاستقباله ولو دفعه سأمه وتشرده وضيقه المزمن في وطنه لأن يتضمن نصه هجاءً أو عتباً. لأنها الصدر العربي الرحب، والواحة المانحة ل"لأوكسجين" التعبير المتحرر من السلاسل والقيود والذي يفتقد في بلاد كثيرة من أرض العرب. بيروت تحمّلت وما زالت تتحمّل الكثير لإيمانها بأنه لا تقذف بالحجارة إلا الشجرة المثمرة..
نجار
أشار نجار في بداية مداخلته الى أن "بيروت بأقلام الشعراء" حسبته من العنوان أنتولوجيا جمعت من جنائن الشعراء باقة متناغمة متكاملة من النماذج الرائعة. ووجدته بعد القراءة لا يخلو من صفات الباقة، ففيه ورود وأشواك, هنا وهناك... لكنه تجاوز المختارات الى نقد تحليلي فاخذنا في نزهة بين عوامل أدونيس, الشاعر المجبول من طاقة لا تهدأ، الباحث في التغيير والتحولات عن كيان يحقق هويته، والقائل :"قادرٌ ان اغير، هذا هو اسمي".
واعتبر نجار أن صاحب الكتاب لم يجامل أدونيس بل أشار الى نرجيسيته وبعض السلبية في تعاطيه مع بيروت. حلل بدقة علاقة الشاعر بالأمكنة, وانعتاقه من الانتماءات الضيّقة، ثم كرّسه الشاعر "الأكبر عند العرب" نقيض ما تقدم فصل عن خليل حاوي لا يمكن تناوله في دقائق معدودة. فالاتّهامات الجنائية التي تساق ضدّ الشاعر عمادها تناقض في افادات أدلى بها المتّهم على شكل قصائد، فضلا عن امراض منسوبة اليه... أمّا محمد الماغوط وان لم يحلّ عند الدكتور طنوس في مرتبة الشاعر الاوّل قرب أدونيس، خصوصًا بعد الارهاصات الجنسية والعدوانية التي عثر صاحب الكاتب عليها واشار اليها, فقد تطلب جهداً أعظم لالتماس الأعذار وتبرير العوارض.
وقال نجار: توقعت من الناقد هجوماً صاعقاً يشبه على شعر خليل حاوي....غير اني قرأت تحليلاً منصفاً لجماليات هذا الشعر كان سينال تقريعاً قاسياً لو انّ ناظمه يدعى خليل حاوي ثم عجبت لتسامح الدكتور طنوس مع شاعر استمتع ببيروت طوال سنوات كثيرة ووثيرة، كان سودانيا ثم رأى أن يمسي مواطنا ليبيا فديبلوماسيا يمثل حكما قذافيا، ولا أدري عند اي رهان نهائي قد يرمي انتماءه الوطني. محمد الفيتوري بدا لي في ما نسبه اليه الدكتور طنوس وكأنه شاعر غير الذي نعرفه، يتصف بحس وعمق وبلاغة هي نقيض عاهات شعره.
واعتبر نجار أن عزاءه الكبير كان في الفصل المخصص لسميح القاسم معتبرا أن طنوس وفق في مواجهة الكتابة الهدامة التي مارسها مزايد على قضية فلسطين فرفع أمام سفاهة شعر القاسم نماذج ملهمة وملهمة من رؤى جبران الراقية والباحثة في سبيل الانعتاق من ظاهرة التخلف والانهزام العربيين، فيما لم يتمكن القاسم بشعره أن يبلغ أكثر من تحوله بعضا من مظاهر تلك الظاهرة، كذلك أنصف الكتاب نزار قباني وقصيدته التي عامل بيروت فيها كحبيبة حسناء محتفظا برونق شعر غزلي لا يجاريه أحد فيه، وصولا الى مسك الختام ذاك الحضور المستحب للشاعر القروي رشيد سليم الخوري العربي الأبي الذي منح أواخر الكتاب نفحة من صدق وعزة نفس وانسجام مع الذات فلم يغفل الدكتور طنوس عن شيء من هذا كما لم يهمل البعد الوطني والانساني في الشخص وفي تراثه.
وخلص نجار في ختام مداخلته للقول: أما بيروت، فنفهم من مجمل ما تقدمه الدراسة أنها لم تحظ من الشعراء بما يستحقه تاريخها وعطاؤها وتميزها. لم توفق بيروت بمن ينظر اليها كما نظرت لميعة عباس عمارة الى مدينتها العزيزة بغداد محتزلة في بيتين اثنين معاني المدينة العريقة وخلقها ومزاجها وملامح كرمها وكرامتها، فقالت قبل أكثر من 40 سنة تخاطب بعلبك في احياء ذكرى ابنها خليل مطران: حملتني بغداد ريث محبيها وبغداد ريثها عنفوان... ان أحبت فدت وان أبغضت أردت وان أرعدت وان ارعدت أتى الطوفان... أنصفت يا بغداد، أنطفت شعرا على الأقل، فمن ذا ينصف بيروت.
طنوس
وفي الختام، تحدث المؤلف فقال: بيروت مدينة المتناقضات، وقد عجز اللبناني الذي لم يتمرّس بالديمقراطية منذ ألف وأربعمئة سنة من التاريخ المجون بالاستبداد، عجز عن معالجة تحديات تتطلب الدخول في عصر الحداثة، فما زلنا اقطاعيين نعدّ أنفسنا خرطوشا في مسدّس الزعيم والبيك... إنّ بيروت برج بابل، بل إن كل فئة، ولعلّ كل فرد يتعلّم لغة خاصة به لا يفهمها الآخرون. جمعات عريقة، لكنّها أعجز عن أن تُغيّر الوعي القديم... ديمقراطية شكلية بدأت بذوراً في زمن المتصرفية، ثمّ نمت قليلاً في عهد الانتداب، واذا الاستقلال يُحوّلها الى أبشع مظاهر الاستغلال... مؤلفات كثيرة لأدباء ومفكرين كبار، وما من يقرأ إلاّ حفنة ضئيلة من الناس المرهفين، وهؤلاء حيال الواقع الصادم، أوهى من خيوط العنكبوت.
واعتبر أن بيروت مشروع لم يكتمل، وينبغي اكتماله عندما نتخلّى عن مظاهر القرون الوسطى، كالتبعية العمياء للزعماء المعصومين، والفقر المادي والروحي، والحاجة الشرسة الى التغيير بالحديد والنار تحت مسميات عديدة منها إلغاء المارونية السياسية والاصلاح وعقدتا الغبن والخوف... كل يوم يموت مسيح آخر في بيروت، يتحمل أوزار الآخرين من غير أن يرتكب ذنبا. كل يوم يزداد الانسان انسلاخا عن انسانيته.، متسائلا: الى متى يستمر هذا الليل الطويل الموروث منذ مئات السنين؟
وأجاب: وبيروت، لكل من الشعراء، زاوية نظر وتأمل فهذا لا يراها إلاّ خمّارة ليلية...وذاك ينظر الى جامعاتها، حيث يموت الفكر، والى حنين حيث تحزّ السكين عنق البراءة..... وينبري شاعر آخر يتسكع فيها مغادرا اليأس، وهاربا من أطياف الأمل. ولا يتردد زميل له في أن ينعت جونيه بعاهرة تفتح ساقيها ويحمّل شاعرا فريقا معينا مسؤولية الحرب، ولكنّه في قصيدة أخرى يتألم للخراب لأنّ الكوارث كلها من صنع أيدينا.
وخلص الى القول: بيروت مدينة المتناقضات... أمّا رأس الاصلاح فهو القيام بتوبة جماعية، عقلية وقلبية، لعلنا نتخلّص من موروثات السنين السوداء. فبإسم بيروت الجريحة أدعو الى ثورة غير دموية، ثورة على الذات أولاً. وبإسم الغد المرتقب أدعو الى نبذ الخصام بين محمد ومارون، وبين هذا المذهب أو ذاك....ليكون لنا فجر بهيّ ينبغي أولاً التخلّص من الليل الأسود لتكون لنا حياة يجب أن نُدرك أنّنا على ضلال... ربما، في مدّة ما من الزمان، وبعد الآلام المريرة التي تُعلّم الشعوب، أقول ربما تولد بيروت جديدة، بيروت التعدد ضمن التنوّع، وليس مدينة المتناقضات، حيث لا حل حين يكون المرء بأمسّ الحاجة الى حلّ.
ندوة حول ديوان أنساب العاشقين للوزير طراد حمادة
وفي اطار فعاليات اليوم الثامن للمعرض، نظمت دار الفارابي ندوة حول ديوان أنساب العاشقين للوزير طراد حمادة شارك فيها الدكتورة سعاد الحكيم، الدكتور محمد شيا، الكاتب أحمد بزون وأدارها حسن حمادة في حضور حشد من المهتمين والمثقفين.
بزون
اعتبر الكاتب بزون في كلمته أنه قد استمتع بقراءته لديوان الشاعر طراد حمادة ووجد فيها مادة خصبة للنقد، معتبرأ أنه إذا كان حبُّ النساءِ عند ابنِ عربي فريضةً، فهو في ديوان الشاعر حمادة سلالة عشق وأنساب عاشقين... ولعل التنهيدة التي يكررها في الديوان كله "نساءٌ.. نساءْ" توحي بالكثرة الكثيرة من النماذج، فالشاعر ينقّل فؤاده بين مدن ودول، وساحل وجبل، وإن مكث كثيراً بين حواري باريس التي عاش فيها ردحاً من الزمن، والتي شكّلت في هذه المجموعة ما يمكن أن نعتبره ثقب أوزون الفضاء الصوفي الذي ينتشر في المجموعة عموماً، حضناً روحياً تسبح فيه.
وقال: أظن أن شاعرنا يفضل أن نستخدم أكثر تعبير الفضاء العرفاني، أو الشعر، أكثر من الشعر الصوفي، ذلك أنه وإن كان من أتباع عمق ابن عربي وفكره، فهو، على ما أعلم، وعلى ما رأيت في الديوان أكثر انتساباً إلى التسمية المستحدثة "العرفان"، إلى الشاعر العارف المفكر الملتزم بالفكر التصوفي، مهملاً إلى حد بعيد السلوك المبالغ به، والزهدَ الذي يرمي صاحبَه في إهمال نفسٍ خلقها الله وسواها... نعم نحن أمام تجليات صوفية في ديوان حمادة.
واستطرد قائلا: هكذا يدور شعر حمادة في المستوى العرفاني للصوفية، أي في المقام الأعلى لها، بعيداً عن مقام المبتدئ المتعلق بمظاهر المتصوف، الزاهد بالمأكل والمشرب واللباس والبعيد عن الكاشف. يتعامل شاعرنا مع مقام العارف الذي يُعتبر أعلى من مقام الصوفي، على مبدأ أن كل عارف صوفي والعكس ليس صحيحاً، مضيفا: هذا الانتقال مع الشاعر من متصوف سائح في صحراء النبي، إلى سائح في غابات النساء في المهجر، أو المهجع الفرنسي، من دون أن يترك جانباً بالطبع عدة وعتاد الصوفي، من الوجد المتجدد، يجعلنا نظن أننا أمام حداثة صوفية أو عرفانية إذا صح التعبير، وإن كانت كلمة الحداثة تجفل المؤمنين عموماً، فهنا مقهى ومترو وفضاء غير فضاءات العبادة، وخمرة غير خمرة الجنة. لكن الشاعر يعاجل في الرد علينا معترضاً، بقصيدته "امرأة تنتظر".
واعتبر بزون انه مع ذلك لا أرى أن الشاعر كان يعمل دائماً على تجريد المحسوس وتجسيد المجرد، وإن ظهرت قدرته العالية على التحليق في فضاءات المخيلة، وبرع في التخييل، وقد أتى من الصور ما يفتّح زهرات الشعرية فتُغبط ذواقة الشعر.. هنا تتميز رحلة الشاعر العرفاني عن رحلة المفكر أو المتعبد العرفاني. وهنا يرتقي نص حمادة من تلك الوجدانية الغنائية الرومنسية إلى لعبة النهل من مخيلة خصبة والابتكار الحذق وابتداع الصور التي تمجد الشعر في طريقها إلى تمجيد الخالق.
وخلص بالقول: يمكن الالتفات أيضاً إلى النفس القصصي الموجود في مجموعة حمادة، فهو رحالة بين المدن، والنساء عنده مدن، ولكل امرأة سيرة يقصها علينا، بعيداً عن اللغة المرتخية السائلة، كذلك بعيداً عن الغموض الذي يلامس الالباس والتعقيد وتعمية المعنى، وأقرب إلى التكثيف والومض والإشارة والترميز والاختزال الذي يشع من خلاله المعنى وتتسع الرؤيا.
"أنساب العاشقين" ديوان مغرٍ كنسائه.
شيا
اعتبر شيا بدوره أن طراد حمادة اختار طائعا ان لا يطلق ذائقته الفنية الجمالية الشاعرية على هواها، بل جعل لها حدوداًمعينة كان يتقصد عامدا الالتزام بها وعدم تخطيها، مضيفا وكنت بإستمرار مقدّراً شاعريته الجليّة وآسف ايضا لعدم إغماضه لعينيه وإطلاق أجنحة الشعر ومواهبه فيها ليحملاه الى حيث يصل الشعر والشاعرية لا الى حيث يرغب هو. وأضاف: فالشعر كائن حي، مقدّس، يتضمن من الإمكانيات ما لا تتوقع وما لا تستطيع مسبقا رسم تفاصيل مساراته وصور لوحاته، أما في المجموعة التي نلتقي حولها اليوم، فالأمر مختلف، فهنا قد تحرّر طراد حمادة الشاعر الى حدّ كبير من التزامات طراد حمادة الأخرى. في هذه المجموعة أطلق طراد حمادة مهر شاعريته الحقيقية، فتلقفته ملائكة الشعر وجرت بين المواضي البعيدة، يعود فيشتم من زهر حدائقها وخمائلها عطرا هنا، أو يقطف من ورد مساكبها وردة مرة ولونا مرة ومأدبة حواس وذكر وفكر مرات ومرات، بعدما عمل الزمن على نزع شوكها الجارح الدامي وتصفية طعمها الحاد ونخل رائحتها القوية المخيفة.
الحكيم
اعتبرت الحكيم بداية أنه تهب من جنبات ديوان " أنساب العاشقين " نفحات إسرارية، نوقف السمع والبصر ليشهدا الصور الشعرية وهي تنهض من أسّرة الكلم، يلتفت القلب بوجهه كصياد - في الأشهر الحرم – ولكن يغويه جري غزال المعنى وإحتمائه خلف ساق حرف... ولكن هيهات..... تتلاحق الصور، تتوالى القصائد، ويصبح العقل حيران ما بين معترك الأبواب والحجب، لشاعر يجيد لعبة الستر والتجلي، الإبداء والإخفاء، النطق والصمت، العبارة والإشارة.
وتطرقت الى أربعة أفكار في ديوان حمادة وهي: ماهية الأنثى السارية في صور نساء الكون، حيث قلما جمع ديوان بين دفتيه هذا الكم الهائل من صور النساء. والشاعر رغم الكثرة المتكاثرة من النساء هو في الحقيقة مخلص للمرأة التي يحب من خلال تجلياتها في الصور، والفكرة الفكرة الثانية - المرأة المقدسة حيث قادتها بوارق في هذا الديوان الى إستنتاج مفاده، أن الحقيقة الأنثوية لم تظل متفرقة في تجلياتها الكثيرة، بل يوجد لها لدى الشاعر تجسيداً كاملاً في إمرأة على التعيين، أما الفكرة الثالثة فهي قلب الشاعر في عينيه حيث يتوقع القارئ أن يبوح لشاعر بخلجات قلبه ويبسطها على صحائف ديوانه، وربما يخاطب المحبوبة بمعاناته، ويشتكي إليها من لوعة العشق، ويتذلل ويتغّزل طمعاً بالوصال.... وذلك على عادة المأثور في العشق والغزل، بإختصار أقول، إن الشاعر في هذا الديوان كان قلبه في عينيه.
وختمت الحكيم بالفكرة الرابعة والأخيرة -- العشق يرتب نسباً بين الناس، فوافقت الشاعر الزميل على أن النسب بين الناس لا ينحصر برابط الدم، بل ربما ربط بين جماعة منهم نسّب معنوي، أكثر حضوراً وأمتن لحمة .. فالعلم نسب بين العلماء وكل من في دائرتهم، والخلق نسب بين المتحلين بمكارم الأخلاق... وكم من مرة وقفنا امام عائلة صديق لنقول لهم: لا تظنوا أنكم أكثر قرابة إليه منا، لأن الخلق نسب والعلم نسب.... وكل مشاكلة نسب ومناسبة.
نشاط للأطفال عن فوائد المياه
وللأسبوع الثاني على التوالي وفي اطار فعاليات اليوم الثامن من المعرض ال58، نظمت دار سمير نشاطا للأطفال تمحور حول "فوائد المياه" شارك فيه الكاتبة فرانس كترم، والرسام كريم الدحداح الذين قاما بطرح أسئلة على الأطفال وقدموا شروحات مبسطة في قوالب تعليمية مبتكرة.
ندوة: أنسي الحاج من قصيدة النثر الى شقائق النثر
وفي اطار النشاطات المختلفة، نظمت دار جداول ندوة بعنوان "أنسي الحاج من قصيدة النثر الى شقائق النثر" شارك فيها الشاعر محمد علي شمس الدين، الأستاذ عبد القادر الحصني، الأديب عقل العويط، والشاعرة ندى أنسي الحاج التي ألقت كلمة الكاتب سمير عطاالله الذي تغيب بداعي السفر، وأدارتها الشاعرة لوركا سبيتي في حضور حشد من المهتمين والمثقفين.
الحاج
وألقت ابنة الراحل الشاعرة ندى أنسي الحاج كلمة الكاتب سمير عطاالله الذي تغيب بداعي السفر، وقالت: دعك من غيابك، فهو ذبول شائع، أمّا بقاؤك، قبل وبعد، فهو قصيدة الفرادة وراية الطلائع... دعك من غيابك، فهو آية الحزن. المفاجأة التي لا يلطّف من وقعها الانتظار، ولا يراف بها إيمان أو قدر أو تمرّد أو صراخ، كمثل صراخك، أو حنوّ، كمثل حنوّك، أو إنشاد، كمثل إنشادك البارق على رؤوس التلال الخصب كخباء الأودية.
واضافت: أما أن لي ان اعترف لك كم حاولت أن أقلّد سحرك وأنت تغرف من سنابل الحب والغضب، وأنت تفجّر رتابة الفصول، وأنت تقطف براعم اللوز، وأنت تنهل من ندى الفجر مثل سرب خافق وطير خائف وراع موعود. كنت تضحك مثل عاصفة، وتحزن مثل بئر بلا نضوب، وتكتب مثل نبع منسي. برغم كل ما قد عرفت، لم يكن ممكنا لك أن تعرف كم أحببتك. برغم كل معانيك لم تعرف ماذا عنيت لي، أنت والذي كنت غائبا عنّا حتى عندما لا يفصلنا سوى باب المكتب وجوار الرواق الصغير. لعلّك تعرف الآن. لقد آن لنا أن نخبرك أنك كنت المصباح الأول.
الحصني
واعتبر الحصني في مداخلته أنه في فسحة من زمن قصير متاح، ومناسبة لها ما تقتضيه من الإيجاز أذهب مباشرة الى ما أتوّهم أنه كان البؤرة المولّدة للتجربة الشعرية لدى الشاعر أنسي الحاج... الى ما كان في نظري السبب الأساس في إنشقاق هذه الشقيقة وذهابها الى ما آلت إليه، لأقول: إنها بؤرة أنوثية بدئية بإمتياز. فكيف لي أن أقول ذلك؟
واستطرد قائلا: قار في نواميس الوجود والحياة ناموس ما بين الفاعل والمفعول به من إنفصال لا يكون أثر ألد عنه، عبّر عنه ابن عربي بالنكاح الساري في الوجود والموجودات وما كان لما نقول من كلام أن ينّد عن هذا الناموس، لأنه لا يبتغي التأثير، والكلام ما لم يؤثر ليس كلاماً، على حد تعبير إبن عربي أيضاً. على ذلك، كان لا بد لذكورة الكلام من ان تفعل بأنوثة اللغة ليكون نصّ ما والنص في اللغة النقل والرفع كحركتين لوصول ما وإبراز ما.
وأضاف الحصني: محدقاً في مسالك القول الشعري السائد، وفي أساليبه وما تحملت من حمولات الفصاحة والبلاغة رأى أنسي الحاج أنوثة اللغة منتهكة بذكورات الكلام، أفقدتها أصالة ما هي، وقيّدتها بشناشيل وسلاسل مما ربط بينها حتى صارت جواري، مستخدمات وعبدات بينما هي البدر في طزاجته وحريته وبكارته وإنفتاحه في آن، فرأى الصمت ولكن" الصمت لا يستطيع دائماً وحده التعبير عن الصمت "، يقول أنسي، لأن صمته كان مستفزاً، وممتلئاً بالتمرّد على من ساقوا وأرى اللغة الى أسواق نخاستهم، فكسر الصمت بالذهاب الى الكتابة ...لإعادة الفعل الى الكلمة الى حد تعبيره.
العويط
تمنى العويط في مستهل مداخلته بالقول: كان الأجدى لو أنّ أنسي الحاج جاء زائرا، ليحلّ بيننا جلوسا في الصف الأمامي، الخلفي، أو متواريا في قلب هذا الجمهور، متكئا على يده، متفكرا في أحوال الشعر ولبنان والغرب، تحت وطأة الأمكنة المفقودة، والهمجيات المتراكمة، والاستبدادات الداخلية والخارجية، والأصوليات الداعرة.
وأضاف: أزعم زعما فحسب، أنّه لا يعني أنسي الحاج في شيء أن نحتفل به في لقاء طيّب كهذا، سأشبّهه بحلم ليلة صيف عابرة، وإن يكن الوقت مؤاتيا لتشبيهه بكابوس ليلة شتاء مستديمة. ألا تعلمون أيها السيدات والسادة، أنّ الكتب تحتفي بأصحابها من تلقائها، وتتيح لهم إتخاذ أعمار لهم في الأمنة الأدبية. ألا تعلمون أن الكتّاب هؤلاء، يصيرون ملك الزمان لا ملك الحياة هذه، الأفلة فحسب.
وقال: غاب أنسي الحاج في شباط الماضي. ودّعته الدولة بنيشان على نعشه. نريد مقبرة لعقلية هذه الدولة. نريد ان ندفنها ومعها النياشين كلها. فلتذهب دولة المكان المعطوب الى الجحيم وليذهب معها شياطينها جميعهم, أرجال سياسة كانوا ام رجال مال ام رجال قتل ام رجال دين. كنت أسأل عن المكان. لا حنيناً اليه، ولا رثاءً له. لقد ماتت بيروت تلك. وأكادني أقول: مات لبنان.وتساءل العويط: أتريدون مكانا؟ أتريدون استعادة بيروت والمكان؟ افتحوا المدينة رمزياً ومعنوياً ومادياً، لأنسي الحاج. لشعره.
نصّبوه على الكرسيّ، لا كتمثال بل كقصيدة. افتحوا المدينة له واجعلوا منها مكتبة مفتوحةً للتفكير، للسؤال، للغضب، للهدم، للثورة وللحرية. واجعلوها مكاناً لكلماته الشديدة. بل لنا جميعاً نحن المنافقين فيها. واجعلوها بيتاً للروح، للشعر وللكلمات.
شمس الدين
استهل شمس الدين الندوة بالقول: أول ضربات أنسي الحاج الشعرية، جاء على صورة حرف رفض معقوف، حرف نهي، حرف نفي حرف ممانعة على صورة منجل "لن" استله الشاعر من غفلة اللغة ليتخذه عنوانا لديوانه الأول عام 1960، وكأنما استله ليجز به الكثير من السنابل لبقديمة الهشة ويجريه في داخل المقدس الشعري والمقدس الديني فيولد في الشعر، أو يؤذن بميلاد قوة رفض جديدة هي أشبه ما تكون بقوة الخطيئة.
واعتبر أن نصّ أنسي الحاج في "لن" لا يوصل الى تناول ثمار المعنى بسهولة. بل على العكس من ذلك، إنّه يميل الى تنويم المعنى لإيقاظ نقيضه. إنّ قراءات متعددة لنصوص الديوان، لا تمنحك إمكانية التفسير بل تدفعك دفعا الى التأويل... في نصوص "لن" أنسي الحاج صاحب لغة ملغزة...الإلغاز ربما جاء وليد خوف وتقيّة، وربما كان وليد التباس أساسي في نفس الملغز. وقد يكون الإلغاز شيفرة تتوجّه الى فئة مقصودة بعينها لتحجب صاحبها وإخوانه عن فهم العامّة اتقاءً لبطشهم. هكذا فعل في الماضي "إخوان الصفاء" مثلا. وبعد أربعة وخمسين عاما على صدور "لن" ومقدمتها؟ نقول نعم ، إذا كان العنف من أجل تصفية النوع الشعري . نعم من أجل تصفية الحياة من أوزانها.
وأشار شمس الدين الى أن رحلة ألف عام أو أكثر للشاعر من الكلمات تستحق المغامرة لتصفية النوع الشعري. لإستحقاق الديمومة. ونحن نتفق معه في المبدأ. لكن نختلف في الماهيّة. ماهيّة الأقوى وماهية القصيدة. وهذا الاختلاف هو أمر حيوي على ما نرى. إذ أنّ السلاح الخطير للتغيير الذي دعا إليه أنسي الحاج. لم يوضع دائما بين أيدي أناس يحسنون استعماله. لقد كان من سوء الاستعمال أن الكثير من شعراء القصيدة الجديدة، الموعودة، انتهوا الى أن يطلقوا النار على أنفسهم. ولعلّ في قول الشاعر في المقدمة عينها "ليس في الشعر ما هو نهائي" إشارة للتغيرات التي طرأت عليه هو بالذات فطاولت الكثير من آرائه النقدية في المقدمة، ورأيه في ماهية قصيدة المستقبل، ورأيه في اختياراته من الشعراء. إن توقيت هذه التغيرات الشجاعة مهم. إذ أنّها جاءت عشية موته. في الأيام الأخيرة من المرض، وكأنها اعترافات آخر الرحلة. وختم مدالخته بالقول: جاءت كلمات أنسي الحاج هذه، وهو في صدد الكتابة على تجربة شعرية مغايرة لشعره، مغايرة لتجربة قصيدة النثر، وهو إذ يضع إصبعه على موضع التقاطعات الجوهريّة في الأشعار، يعلن تعديلا في نظرته في المقدمة لماهية قصيدة المستقبل، فيقول: "الشاعر شاعر في أي شكل أراد. العطيّة الشعرية لا تضيع بتنويع الأداء. بالعكس، الشعر أصواته جميع ما يرتئي وما الرداء سوى حيلة".
ندوة: حول كتاب الجسد في مرايا الذاكرة
وفي اطار النشاطات المتنوعة، نظمت دار ضفاف ندوة حول كتاب الجسد في مرايا الذاكرة للكاتبة الدكتورة منى الشرافي تيّم شارك فيها الشاعر الدكتور ميشال جحا، الدكتور أمين فرشوخ، الاعلامية ريما نجم، وأدارها مدير عام المعرض نائب رئيس النادي الثقافي العربي فادي تميم في حضور حشد من المهتمين والمثقفين.
تميم
اعتبر تميم بداية أن هذه الأمسيةِ الثقافيةِ الأكاديميةِ، هي للاحتفاءِ بالكتابِ والكاتبِ والقارئِ معاً، سيما أن الدكتوره منى الشرافي تيم أديبةٌ روائيةٌ وناقدةٌ أدبية صدرَ لها عددٌ من الكتبِ في الفنِ الروائيِّ وأدبِ الناشئةِ والوجدانياتِ والنقدِ الأدبي، وهي كاتبةُ مقالةٍ نقديةٍ وثقافيةٍ واجتماعيةٍ في عددٍ من الصحفِ والمجلاتِ اللبنانيةِ والعربية، ولأنّ الجدلَ حول رواياتِ أحلام مستغانمي مستمرٌفهي رغبت أن تخوضَ فيه، فكان هذا الكتابُ "الجسد في مرايا الذاكرة" الذي نالت عليه درجة الدكتوراه، وفيه مواضيع في العَرْضِ والتحليلِ، مفيدةٌ، ونتائجُ لافتةٌ، تُعلنُها الكاتبةُ بجرأةِ الناقدةِ، وحسِّ الأديبةِ، وأكاديميةِ الباحثة....
جحا
وحملت مداخلة الشاعر جحا عنوان "مجاذيف موسوية الإلهام عند منى الشرافي" واعتبر فيها أن ما نحن الآن بصدده فهو الفن الروائي في ثلاثية أحلام مستغانمي وأطروحة الدكتورة " منى الشرافي تيم "، ففي رومانسية أحلام أصالة بعيدة تزخر بالعامل النفسي والخيال البعيد، مشاهد تحملك الى أن تحياها، وإن مصادفة. واعتبر أن أحلام مستغانمي ليس في كلامها يتم ولا في ظلامها ظلم. فأحبابها دائماً حاضرون وأقمارها أبداً ساهرون. حتى في معاناتها القصصية دموعها الفرح وبريقها النضال. إنها الروائية المجنونة العاقلة. تعددت هالاتها بخيال روائي فريد طّرز على نول لم يسبقها إليه حتى القزّ عباراتها التصويرية الأسلوب الممغنطة النفس والروح تجذب الألماس والأبريز.
وتابع: أما الدكتورة منى الشرافي تيم فقد برهنت أنها من الربانية الذين همهم الوصول ظافرين الى برّ الأمان. فقد فجرت بزورقها محيطات الروايات العربية بمجاذيف موسوية الإلهام فرست حيث ثمنت شاطئاً الرسوّ. وكان لها في رحلتها أكثر من مغامرة دون ان تبقى شاطئاً إلا وياطرها يعانق صخوره. فأطروحتها " الجسد في مرايا الذاكرة " شمولية في البحث والتدقيق عالميّة المعالم، صهرت فيها ذاتها بإرادة الواثق من إبرازه للحقائق فإذا عطاؤها كالعقّد المرصع بالجواهر النادرة في عنق أرقى الروايات والقصص العالمية.
فرشوخ
واعتبر فرشوخ أننا اليوم أمام نص نقدي، في كتاب: "جسد في مرايا الذاكرة"، هذا الكتاب هو دراسة تحليلية لروايات (نصوص إبداعية) للروائية العربية الكبيرة أحلام مستغانمي، مضيفا: نحن مدينون للمبدعين، فهم واضعو النصوص التي تميّز الأجناس الأدبية، نحن محتاجون لنقاد علميين، موضوعيين، ليضيئوا على النصوص الأدبية هذه. أنا أتحدث عن ناقد متعلّم، مثقف، عنده منهج، متدرّب على هذا الفن، والباحثة الكاتبة منى الشرافي تيّم هي هذه الناقدة الأدبية التي تمتلك هذه الصفات.
وأضاف: أما أحلام مستغانمي، التي تعرضت الباحثة الناقدة لرواياتها، فهي المبدعة في الرواية، ولا بدّ من دارسين يجدون في رواياتها غنى، وعمقا، وأبعادا، ومواصفات... جديرة بالتأمل، وإنّ روايات السيدة أحلام مستغانمي، تمثل "حالة" خاصة، وتمثل "نكهة" خاصة، للرواية، للأدب النسوي، لعصرنا اليوم. وفي الكتاب فصل جريء أول، يتناول التناص في روايات السيدة أحلام، أي النصوص، الكاملة أو المتصرّف بها، التي اقتبستها الروايات هذه، فحددت الباحثة مصادرها، وتوظيفها في نصوص الروايات، وهو عمل نقدي، لا تجنّ فيه، وإن كان سيُكتب أن الباحثة في كتابها "تهوّرت" فتصدّت لروائية كبيرة، أو تجرأت فقست، حين عيّنت مصادر الاقتباس الكثير.
واستطرد قائلا: كذلك "تجرأت" السيدة منى على طرح أسئلة عن مشاعر وانطباعات وسلوك وثقافة ومواقف الروائية السيدة مستغانمي، مما بدا لها في نصوص الروايات؟ فهل اخطأت التصويب أم أجادته؟ ذلك ايضا سيبقى مدار جدل مستمر. اننا أمام كتاب تحليلي، فيه مواقف جريئة، علمية، مبنية على شواهد، وقد كُتب بلغة شاعرية وموضوعية معا، وهذه هي "لغة" الباحثة بعد تدرّبها الطويل.
نجم
اعتبرت نجم أن الكتاب الذي بين أيدينا كتاب أكاديميّ, ومحاولة في الدرس والتحليل والبحث والتمحيص، وهو خاضعٌ أيضاً بالضرورة للنقد والنّقاد، مضيفة: كتبت احلام مستغانمي عن الجسد ولغة الجسد, ودرست منى الشرافي تيم ما كتبت أحلام. فأخذتني كلتاهما الى البحث عمّا كان عندنا في لبنان قبل ما يزيد على نصف قرن، حيث نادى صاحب دار المكشوف وجريدته " المكشوف " فؤاد حبيش في كتابه " رسول العري " بالأدب المكشوف...، كما أذكر بعض أديباتنا الجريئات، مثل: ليلى البعلبكي في كتابها " سفينة حنان الى القمر "
وأشارت نجم الى أن منى الشرافي تّيم الدكتورة والأكاديمية، بنت بيتها، الأطروحة / الكتاب على أرض صلبة وعلى صخر مكين ودعائم علمية أصيلة ومنهجية رصينة فكان بحثها رائداً في خوض الحديث عن أدب المرأة الذي يعادل أدب الرجل، وخلصت للقول: يقال عندنا في الأمثال، فلان ذو منخل " فروطي " إذا كان واسع الثقوب، وفلان ذو منخل " ضبوطي " أي ضيق الثقوب، وكل هذا للتدليل على دقة العمل أو الإفراط فيه. ومنخلك كان " ضبوطياً " دقيقاً، فكانت نتائج بحثك صائبة وضعت الأمور في مواضعها، لقد تفوّقت منى عملاً وبحثاً، فالعلم لا هوى فيه ولا محاباة، عقل ومنطق. أما أحلام مستغانمي، التي تعرضت الباحثة الناقدة لرواياتها، فهي المبدعة في الرواية، ولا بدّ من دارسين يجدون في رواياتها غني، وعمقا، وأبعادا، ومواصفات... جديرة بالتأمل، وإنّ روايات السيدة أحلام مستغانمي، تمثل "حالة" خاصة، وتمثل "نكهة" خاصة، للرواية، للأدب النسوي، لعصرنا اليوم.
تيم
وأخيرا تحدثت الشرافي تيم وقالت أنها في في أطروحةِ الدكتوراه تناولتُ بالدراسةِ الروائيةَ الجزائرية، التي تُعدَّ من أبرزِ المؤلفين في الروايةِ العربيةِ الحديثة، الذين ذاعَ صيتُهُم في الوطنِ العربي، خلالَ السنواتِ العشرينَ المنصرمة واصدارها رواياتها الثلاث "ذاكرة الجسد"، "فوضى الحواس" و"عابر سرير" التي استقطبتْ اهتمام جمهورٍ واسعٍ، متنوعٍ من القراء، من جميعِ المستوياتِ الثقافية، واستولدتْ ردودَ فعلٍ مختلفةً لافتة؛ كما أثارت حولها جدالاً واسعاً، وحركةً نقديةً ناشطة، بلغتْ شأواً بعيداً من التناقض في الآراء، والتقويمِ، بين مستحسنٍ ومستقبحٍ، ومُعجبٍ ورافضٍ، وأحدثتْ إشكالاً واسعاً، وطرحتْ علاماتِ استفهامٍ كثيرة، وصلت إلى التشكيكِ بأحلام مستغانمي صاحبةِ رواية ذاكرة الجسد، والذهابِ إلى حدودِ نسبتِها إلى آخرين.
واعتبرت أن التعامل مع هذه الثلاثيةِ، وما اكتنفَها من عواملَ وظروفٍ، ومواقفَ وآراءٍ، جعلَ الصورةَ الحقيقيةَ لها، مغطّاةً بضبابٍ كثيف، وأفضى إلى اعتبارِها قضيةً مهمّةَ تستحقُّ النظرَ فيها، والكشفَ عن حقيقتِها، من خلالِ إضاءةِ عدد من القضايا أبرزُها البحثُ في الأسبابِ التي جعلت أحلام مستغانمي تلجأُ إلى كتابةِ جزءٍ ثانٍ وثالثٍ لروايةِ "ذاكرة الجسد". ومدى إفادتِها من ظاهرةِ التناص الداخلي والخارجيٌّ، البحثُ في الأبعادِ الإنسانيةِ والنفسيةِ والاجتماعيةِ والوطنية والبحثُ في الخصائصِ الأسلوبيةِ والتّقنيّاتِ الفنيّةِ التي اتّبعَتْها أحلام في بناءِ نصوصِ ثلاثيتِها.
وأشارت تيم الى أن الدراسةُ قد توصّلتِ إلى عددٍ كبيرٍ من الاستنتاجات أهمها أنه قد ثبت التعالُقُ النصيُّ بين روايةِ "ذاكرة الجسد"، وبين روايةِ الكاتب الجزائريِّ مالك حداد "رصيف الأزهار"، كما بين رواية "ذاكرة الجسد"، و"وليمة لأعشاب البحر" لحيدر حيدر، وبين روايةِ "ذاكرة الجسد"، وبينِ روايةِ حفلةِ القنبلةِ للكاتبِ الإنجليزيِّ "غراهام غرين"، كما تبيّن أنّ هناك تناصاَ أيضاً بين روايتي "توأما نجمة" لكاتب ياسين، ورواية "عابر سرير".. هذا التعالُقُ بينَ الروايتين كشفَ إمكانيةَ وجودِ تعالقٍ مع سيرةِ الفنانِ الجزائريِّ محمد أسياخم، كما أن هناك تعالقاً نصيّاً بينَ نصوصِ الثلاثية وبينَ أشعارِ نزار قباني.
وكشفت تيم في الختام أن أحلام قد اتّبعتْ في نصوصِ ثلاثيتِها أسلوباً خاصاً لكلِّ مناسبةٍ أو فكرةٍ أو قولٍ مأخوذٍ من فيلسوف، أو سياسيّ، أو فنان، أو شاعر، أو روائي، فظهرَ بجلاءٍ أنها كانت تستعينُ بالقولِ وتأخذُ منه روح الفكرة، ثم تبني عليه نصاً، وبذلك تحولت نصوصُها إلى لوحات فسيفسائيّة من الإيداعاتِ والاستشهادات.
أمسية زجل
وفي اطار الأمسيات المتنوعة، نظمت دار الرمك أمسية زجل شارك فيها شعراء الزجل الدكتور الياس خليل، بسّام حرب، أنطوان سعادة في حضور حشد من متذوقي الزجل والمثقفين، كما وقع الشاعر الزجلي أنطوان سعادة ديوانه الشعري "قطف من زهر".