ازمة المخطوفين العسكريين لا تراوح مكانها، بل تسير من سيئ الى اسوأ في ضوء الارباك في معالجتها. علما ان في يد الحكومة اوراق قوة، كمثل معالجة سجن رومية، فهل تقدم عليها؟
هيام القصيفي
ازمة المخطوفين العسكريين لا تراوح مكانها، بل تسير من سيئ الى اسوأ في ضوء الارباك في معالجتها. علما ان في يد الحكومة اوراق قوة، كمثل معالجة سجن رومية، فهل تقدم عليها؟
لا يزال ملف العسكريين المخطوفين، واسلوب معالجته، يحفلان بكمّ من الاخطاء التي تتراكم وتتضاعف، بعد اكثر من اربعة اشهر على معركة عرسال، وملابسات خروج المسلحين منها ومعهم العسكريون.
لم تفلح الحكومة ولا خلية الازمة في معالجة القضية التي تضاعفت خطورتها مع تحرك اهاليهم ودخول معروفين ومجهولين على الخط، بتكليف او من دون تكليف، واختلاط الحابل بالنابل في ملف شائك وحساس.
تكمن العلة اساساً في عدم وجود قيادة موحدة لمعالجة الازمة، وفي ان قرار الحسم الواضح والصريح غير موجود لدى الجهات السياسية والعسكرية، بمعزل عن الضغط الذي يمارسه بعض السياسيين. والمشكلة ايضا ان كثيراً من الآراء والمداولات طرحت على بساط البحث، لكنها بقيت من دون معالجة ومتابعة، في ظل تمنّع المعنيين عن الكلام بوضوح عمن هو المسؤول الحقيقي والمباشر عن عدم الاخذ بالحلول المقترحة لوقف مسلسل الذبح والقتل الذي يمارسه الخاطفون. والمشكلة ايضاً وايضاً ان كثيرا من المعلومات كان يجب ان تبقى طي الكتمان، وألا تكشف اوراقها علناً وامام الجهات الخاطفة، على ما فعل سياسيون ووزراء في بعض الاقتراحات، ومنها التلويح بتنفيذ الاعدام في حق بعض السجناء المحكومين. فتنفيذ الاعدام ورقة تمتلكها الحكومة في تفاوضها، وكان يجب ان تبقى سيفا مصلتا على رؤوس الخاطفين الذين يطالبون باطلاق محكومين، لا ان يلجأ وزراء وسياسيون الى التخفيف من وقعها وحتى نفيها، برغم ان هذا الاقتراح دونه عقبات منها ان قرار الاعدام يحتاج إلى توقيع رئيس الجمهورية، وفي هذه الحال من يضمن تواقيع 24 وزيراً، ومن يضمن توقيع رئيس مجلس الوزراء ووزير العدل؟ اضافة الى ان اي قرار اعدام يجب ان يستند ايضاً الى رأي لجنة العفو، كما ان اي قرار كهذا سيقابل برد فعل دولي رافض لمبدأ الاعدام.
لكن هذا كله في كفة، وذبح العسكريين واعدامهم في كفة اخرى. اي إن لبنان قادر على ان يحوّل ورقة اعدام المطلوبين ورقة قوة، لانه ينفذ احكاما قضائية سبق ان صدرت في حق المحكومين. كما ان ذبح العسكريين، والحملة الدولية على الجهات الاصولية وتنظيم «داعش»، كفيلان بحماية حق لبنان في اعدام المحكومين، ما دام مسلسل قتل المخطوفين مستمرا.
اما النقطة الاهم في المفاوضات، فتتعلق بوضع سجن رومية. وتكشف مصادر مطلعة ومعنية مباشرة بالملف لـ «الاخبار» ان معالجة وضع سجن رومية احد المواضيع الاساسية التي طرحت بقوة في النقاشات المتعلقة باطلاق العسكريين. وتقول: «منذ بدء تعاطي الحكومة بملف ازمة العسكريين لم يعارض احد مبدأ المفاوضة ولا المقايضة. لكن كانت النقطة العالقة كيف يجري التفاوض ومع من؟ وكيف يمكن ان تجري المقايضة، وهل تكون شاملة ام جزئية؟». في وقت اعترضت جهات وزارية على مبدأ تقسيط المقايضة لان ذلك سيفضي الى ابتزاز الخاطفين للدولة ورفع سقف مطالبهم كلما أفرجت الحكومة عن سجناء. وهذا قد يوصل في نهاية المطاف الى مطالبة الخاطفين بسجناء لا يمكن للبنان ان يطلقهم.
ومن النقاط التي اثيرت حولها نقاشات، دور اهالي العسكريين في الملف، في ضوء التمييز بين معاناتهم الانسانية وضرورة معالجة القضية بعيدا عن الانفعالات وبقرار سياسي محض. وتشير المصادر السياسية الى انه كان يجب منذ البدء عزل اهالي العسكريين عن التورط في الملف والضغط على الحكومة، بدل ان تصبح القضية بازارا مفتوحا بين «جبهة النصرة» و»داعش» في سعيهما الى توريط اهالي العسكريين، الامر الذي ادى الى مضاعفات يعرفها المعنيون ويتفادون الكلام عنها راهناً.
النقطة الثالثة هي وضع سجن رومية. وبحسب ما كشفت المصادر المعنية، طرحت ضرورة معالجة وضع سجن رومية بقوة في الايام الاخيرة استناداً الى امرين، اولا ان خاطفي العسكريين لم يقدموا اي تسهيل لحل قضية العسكريين، لا بل انهم يمعنون في الذبح والقتل، في وقت لم تقم الحكومة او الجيش بأي عمل هجومي يمكن ان يمثل خطرا على العسكريين، او يعدّ استفزازا للخاطفين. وثانياً ان الخاطفين يطالبون بمقايضة العسكريين بسجناء روميه. وهنا نقطة الضغط الاساسية التي يجب ان تقوم بها الحكومة، ولا سيما ان موضوع السجن ليس ابن ساعته، بل عمره ما لا يقل عن ثلاثة اعوام، وكلما تألفت حكومة اعيد فتح هذا الملف، من دون جدوى. والفرصة اليوم سانحة وضرورية لحسمه.
وفي المقترحات المتداولة المبادرة فورا الى قطع كل الاتصالات والارسال عن سجن رومية، اذ تكشف المعلومات الامنية بوضوح خريطة الاتصالات الهاتفية ودورها في تنفيذ عمليات ارهابية وفي تواصل المسجونين مع رفاقهم خارج السجن عبر الانترنت، علما ان مسجونين معروفين مزودون باجهزة كومبيوتر.
اما الخطوة التالية، فتكمن في تنفيذ خطة امنية وعسكرية سريعة في سجن رومية ينفذها الجيش وقوى الامن لفصل المسجونين، ولا سيما اولئك المعروفين بانتماءاتهم الارهابية، وبتنفيذهم احكام الشريعة في السجن، وادارتهم لعمليات ارهابية من داخل السجن. وتفيد المعلومات الاخيرة بعقد هؤلاء اجتماعات وبالتواصل الدائم مع بعضهم بعضا، وهذا الامر يحمل من الخطورة الكثير، سواء على امن سجن رومية او على امن لبنان.
في المعيار الامني تعدّ عملية سجن رومية اكثر من ضرورية في هذا الوقت، وستُنفّذ اذا اعتمدتها الحكومة تحت سقف القانون والمعايير الامنية والقانونية، التي يجب ان تطبق داخل السجن مهما كانت الظروف. فكيف بالحري في هذا الوقت الذي يطالب فيه خاطفو العسكريين باطلاق موقوفين من سجن رومية.
حتى الان لا قرار حكوميا بالاخذ بهذه المقترحات في ضوء التناقض التام بين الاتجاهات التي تحكم عمل الحكومة وقضية العسكريين. وتؤكد الجهات التي تتبنى هذا الاقتراح، ان «الخوف من دهم سجن رومية وضبط وضع غرف السجن وفصل المجموعات الارهابية، غير مبرر اطلاقا. ومهمة الاجهزة الامنية معالجة وضع السجن سريعا. والكلام عن كلفة هذه العملية لا يمكن ان يمثل عثرة امام تنفيذها، علما ان كلفة ضبط السجن مرة اولى واخيرة ستكون حكما اقل كلفة من الخطر المستشري فيه، والتهديد المتمادي بابقائه قنبلة موقوتة. وكذلك فان الكلفة البشرية التي سقطت حتى الان للقوى الامنية ليست قليلة، فيما ضبط سجن رومية، وسحب ورقته من يد الجبهات الارهابية، سيكونان إحدى اهم ثمار عمل الحكومة الجدي في مكافحة الارهاب.
http://www.al-akhbar.com/node/221628
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه