25-11-2024 04:40 AM بتوقيت القدس المحتلة

الثروة النفطية المهملة: كمائن إسرائيلية في البحر

الثروة النفطية المهملة: كمائن إسرائيلية في البحر

هذه قصة حقل «كاريش».. وهكذا خسر لبنان السوقين المصرية والأردنية


هذه قصة حقل «كاريش».. وهكذا خسر لبنان السوقين المصرية والأردنية
الثروة النفطية المهملة: كمائن إسرائيلية في البحر

عماد مرمل

الجلسة الرقم 16 التي كانت مقررة، أمس، لانتخاب الرئيس، دخلت الى الأرشيف بهدوء، حتى كاد ألا يشعر بها أحد، بعدما تكيف الجميع مع الشغور الرئاسي الى درجة الاعتياد عليه.

ولكن المصيبة لا تكمن فقط في ذلك، فاللبنانيون لا يشعرون أيضا بأن ثروتهم الطبيعية تُسرق من بحرهم، وأن الغاز يجري على الارجح من تحت أقدامهم في طريقه الى الكيان الاسرائيلي، الذي يبدو انه يستفيد كثيرا من انشغال الدولة، أو ما تبقى منها، بما تواجهه على البر من تحديات تتصل بالإرهاب والأمن والنازحين والاستحقاق الرئاسي، ليتمادى هو بالسطو على الغاز الكامن في البحر.

وبات واضحا، ان لبنان خسر السباق مع الوقت او يكاد، والخشية هي ان يخسر معركة الطاقة مع العدو، إذا استمر هذا النمط من التعاطي الهزيل مع الثروة النفطية والغازية التي بُنيت عليها أحلام كثيرة، باتت مهددة بالتحول الى أوهام.

صحيح، ان هناك ملفات داخلية، شديدة الحساسية، فرضت إيقاعها على الحكومة الحالية منذ تشكيلها، بدءا من قضية العسكريين المخطوفين مرورا بمخاطر الإرهاب وتداعيات الحرب في سوريا، وصولا الى غياب رئيس الجمهورية.. لكن هذا كله لا يبرر الاسترخاء والتباطوء في إنجاز الآليات المطلوبة للبدء في استخراج الثروة النفطية، وهو سلوك ليس ابن ساعته، وليس وليد الضغوط الآنية حصرا، بل يعود الى مراحل سابقة، غرق خلالها هذا الملف الحيوي في متاهات المصالح الطائفية، والحسابات الداخلية وربما الخارجية ايضا، ما دفع المعنيين الى تأجيل مناقصة الشركات قرابة أربع مرات حتى الآن.

وهذا التأجيل المتمادي لا يهدد فقط بهدر الثروة النفطية، وإنما بهدر الثقة في لبنان، وهنا الخطر الاكبر، ذلك ان هناك من يتخوف من ان يدفع هذا الواقع الشركات العالمية التي كانت مهتمة بالاكتشافات البترولية في لبنان الى صرف النظر عنها، لاسيما انها تعمل في العادة وفق موازنات سنوية، قد تستعمل في أمكنة أخرى.

ومن تداعيات الوقت اللبناني الضائع، وقائع صادمة أبلغتها مصادر واسعة الاطلاع لـ «السفير»، وفيها ان اسرائيل وقّعت مؤخرا ما تُسمى بـ «رسالة نوايا» مع مصر لتزويدها بكميات من الغاز تبلغ قيمتها 17مليار دولار، ومع الاردن لتزويده بكميات تبلغ قيمتها 15 مليار دولار، علما انه كان يفترض ان تشكل هاتان الدولتان جزءا من سوق التصريف الطبيعي للغاز اللبناني «المؤجل».

وفي أكثر من مناسبة، سألت شخصيات مصرية وأردنية معنية بهذا الملف مشاركين لبنانيين في مؤتمرات خارجية: متى ستباشرون بالتلزيم والانتاج حتى نوقّع معكم؟ لكن الجواب لم يأت، وضاعت الفرصة.

وكشفت المصادر ايضا عن ان اسرائيل تسعى الى التعاقد مع شركات متخصصة لاستثمار حقل «كاريش» الغازي، والذي يبعد فقط ما بين أربعة وخمسة كيلومترات عن الحدود المائية اللبنانية، والواقع في منطقة رمادية لم تخضع للمسح الجيوفيزيائي بعد، ما يعني ان هناك احتمالا كبيرا بان يكون هذا الحقل مشتركا، الامر الذي يستوجب منع اسرائيل من مد اليد اليه والاستثمار فيه، قبل حسم «هويته» و«ملكيته»، او ان يبدأ لبنان بالاستفادة منه أيضا، من الجهة التي تتبع له، لتحقيق «توازن استثماري» مع العدو.

وفي المعلومات ان الكيان الاسرائيلي الذي يريد استخدام مخزون هذا الحقل للسوق الداخلية، ضرب كل الضوابط القانونية الدولية بعرض الحائط، وباشر قبل فترة في مفاوضات لاستخراج الغاز من «كاريش» مع الشركة الإيطالية «إديسون» والتي اشترتها لاحقا شركة فرنسية هي EDF ، لكن «الايطالية» بقيت في واجهة التفاوض مع اسرائيل، لان تلك «الفرنسية» تخشى من ان يؤدي دخولها علنا على الخط الى انعكاسات سلبية على مصالحها في العالم العربي. وعُلم ان التوقيع لم يحصل بعد، بسبب تمهل العدو الاسرائيلي الذي يأخذ بالحسبان إمكانية توقيع عقد أفضل.

ومن التهديدات المباشرة الاخرى للمصالح اللبنانية الاقتصادية، هو ان مشروع خط أنابيب الغاز عبر اسرائيل - قبرص - اليونان - ايطاليا، في حال تنفيذه، سيضيّق خيارات لبنان الذي سيكون مضطرا، إذا أراد ضخ الغاز عبر أنبوب ينطلق من ساحله، الى ان يرتبط مع خط الانابيب المشار اليه، لانه سيكون ممرا إلزاميا الى اوروبا، الامر الذي سيفرض على لبنان دفع أتاوة او ضريبة نقل لاسرائيل، مع ما يرتبه ذلك من خسائر مادية، و «اعتراف اقتصادي» بكيان العدو، وهنا الكلفة الاكبر.

والارجح ان الاوروبيين سيطلبون من لبنان، إذا أراد بيعهم الغاز، ان يُصدّره عبر خط الانابيب هذا، في حال بنائه، حتى يكون السعر مقبولا، لان التصدير عبر خط منفصل سيرفع السعر تلقائيا،عدا عن ان مثل هذا المشروع يفوق أساسا طاقة لبنان على التحمل.


بري: أدلة تدين اسرائيل
وقال الرئيس نبيه بري لـ «السفير» إنه يملك أدلة واثباتات تدين اسرائيل وتؤكد لجوءها الى السطو على كميات من الغاز اللبناني، عبر أنبوب يمتد في المياه الاقليمية اللبنانية المتاخمة للحدود مع فلسطين المحتلة.

وأشار الى انه سيكشف عن كل المعطيات الموجودة بحوزته قريبا، وتحديدا في مطلع العام الجديد، مشددا على انه من غير المقبول ولا المسموح ان تستمر اسرائيل بهذا الاعتداء على السيادة اللبنانية وثروتنا الوطنية، من دون ان نحرك ساكنا.

وأوضح انه سيحرك هذه المسألة بقوة بعد رأس السنة، وسيضغط على مجلس الوزراء لجعل هذا الملف من ضمن أولوياته.

واستغرب ألا تكون اللجنة الوزارية التي شكلتها حكومة الرئيس تمام سلام والمعنية بمتابعة الملف النفطي، قد أنجزت ما هو مطلوب منها، حتى الآن، برغم الاهمية الفائقة للوقت في استحقاقات كهذه.


نظاريان يحذّر
وقال وزير الطاقة آرتور نظاريان لـ «السفير» إنه لا يملك المعطيات التي كشف عنها بري، «ولا أعرف كيف ومن أين حصل على هذه المعلومة»، لافتا الانتباه الى انه سيتواصل معه لاستيضاحه حقيقة الامر، «وإذا ثبت فعلا ان اسرائيل تسرق الغاز فعلى لبنان ان يتحرك بقوة لحماية حقوقه».

وأوضح انه بعد تأليف الحكومة، تشكلت لجنة وزارية للبحث في المرسومين اللذين يمهدان لإطلاق عملية المناقصة والتلزيم لاستخراج البترول، الاول يتعلق بتقسيم المياه البحرية اللبنانية (بلوكات نفطية) والثاني يتناول اتفاقية الاستكشاف والانتاج.

وأضاف: عند اجتماع اللجنة، تبين ان لدى عدد من الوزراء ملاحظات على المرسومين، وبعضها سياسي أكثر منه تقني، ولاحقا اجتمع هؤلاء الوزراء مع هيئة البترول لمناقشتها في الملاحظات التي أُخذ بجزء منها، وتم على هذا الأساس تعديل المرسومين، وأنا لا أزال أنتظر إدراجهما على جدول الاعمال، إضافة الى مشروع الضريبة البترولية، علما اننا نحتاج بعد إقرارهما في مجلس الوزراء الى قرابة ستة اشهر لإطلاق المناقصة.

ونبه الى ان «الوقت ليس لصالحنا، وأنا لا أعرف كم نستطيع ان نصمد بعد في ظل الوضع الاقتصادي المهترئ»، محذرا من انه إذا استمرت المماطلة في اتخاذ التدابير اللازمة «فأنا أتخوف من ان نخسر الفرصة».

وأشار الى ان احدى الفرضيات الممكنة للتأخير هي ان بعض الدول تريد ان يبقى لبنان دولة متسولة، تنتظر هبة من هنا او هناك، في حين ان استخراج النفط والغاز سيجعلنا دولة مقتدرة، ومستقلة في قراراتها، وهذا ما لا يناسب تلك الدول التي اعتادت علينا نمد أيدينا للتسول.

وأشار الى ان هناك حاجة الى ما بين خمس وست سنوات للمباشرة في استخراج النفط والغاز في حال وُضع القطار على السكة الصحيحة، لافتا الانتباه الى انه لن يجري تلزيم البلوكات العشرة المقترحة دفعة واحدة، بل يجب ان نبدأ باثنين على سبيل المثال حتى نكتسب الخبرة الكافية، «وأنا سأقترح ان تكون البداية من تلزيم بلوك او اثنين في الجنوب، أولا لان المنطقة هي الاغنى نفطيا وبالتالي الاكثر جذبا للشركات العالمية، وثانيا حتى نفرض أمرا واقعا على اسرائيل ونمنعها من سرقة ثروتنا، ويبقى القرار النهائي لمجلس الوزراء».

وأوضح ان الخلاف حول ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل لا يزال عالقا، والاميركيون ابتعدوا منذ فترة عن دور الوساطة.

assafir.com

     موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه