التقرير يظهر ببساطة «أننا كنظام وكشعب أميركيين، نحاسب أنفسنا». ولم يعترض على استعمال هذه الوسائل لأنها «غير ناجعة» أو «غير مفيدة»، بل اعترض على أنّها تؤثر على «صدقية» و»رقي» الدولة والنظام الأميركيين.
ضجة إعلامية كبيرة أثارها التقرير الذي كشف عن التعذيب والممارسات التي لجأت إليها وكالة الاستخبارات الأميركية بعد حداث 11 أيلول.
عبد الرحمن جاسم/ جريدة الأخبار
صادماً كان التقرير الذي صدر أخيراً عن اللجنة الأمنية في الكونغرس الأميركي حول لجوء «وكالة الاستخبارات الأميركية» (CIA) إلى التعذيب للحصول على المعلومات من «مشتبهٍ فيهم» بعد أحداث 11 أيلول إبان حكم الرئيس السابق جورج دبليو بوش. كان صادماً، مع أن الكل يعرف بأنّ الـ CIA تستخدم التعذيب بحثاً عن معلومات «هامة».
ولأن الإعلام هو «سيد» الموقف و»الحاوي» الذي يستعمله أي نظامٍ لإمرار ما يريده، فإنه كان لا بد من تعويم ما حدث (التعذيب)، مع الإصرار على إظهار أن النظام الحالي (الرئيس أوباما) يرفض بشكلٍ قاطع هذا التعذيب الذي كان يحدث في السابق. خلال العام الفائت، حاولت قناة «سي. أن. أن.» مراراً أن تشير إلى أنّ هذا النوع من التعذيب لم يحدث في السجون الأميركية، يأتي ciasavedlives.com كنوعٍ من الدعاية المضادة ولا خارجها كغوانتنامو. ورغم فضيحة «سجن أبو غريب»، إلا أنها حافظت على «المنطق» الإعلامي نفسه في التعامل مع الموضوع.
هذه المرة، تعاملت القناة مع الحدث على أنّه «تقريرٌ» رسمي، فبررته «بحرفة». هكذا، أحضرت السيناتور الجمهوري جون ماكين ليتحدث بحزنٍ وحرقة (بحكم أنه سجين حربٍ سابق وناجٍ من المعتقلات، فيحصل على تعاطفٍ تلقائي من الجمهور الأميركي) أنَّ التقرير يظهر ببساطة «أننا كنظام وكشعب أميركيين، نحاسب أنفسنا». ولم يعترض على استعمال هذه الوسائل لأنها «غير ناجعة» أو «غير مفيدة»، بل اعترض على أنّها تؤثر على «صدقية» و»رقي» الدولة والنظام الأميركيين.
ويبدو أن معظم وسائل الإعلام كما النظام يتجه إلى تحميل الـ CIA العبء وحيدةً. مثلاً، عنونت مجلة «نيويوركر»: «تقرير التعذيب: مشاهد لاإنسانية من سجون السي آي إيه»، مضمنةً المقال تعليقاتٍ قاسية تجاه سلوك الوكالة كما لو أنها تعمل وحدها. كذلك، أشار المقال إلى أن الوكالة تجاهلت ماضي بعض الأشخاص (المشاركين في التعذيب) «العنيف» والمسجّل بدقة، في محاولةٍ لتأكيد أنها كانت عازمة على استخدام هذا النوع من الأساليب للحصول على معلوماتها.
وسدّدت «نيويورك تايمز» سهامها هي الأخرى إلى وكالة الاستخبارات، مؤكدةً أن ما حدث يعتبر «وحشيةً» و»خداعاً»، معنونةً: «تقرير يجرّم السي آي إيه بسبب وحشيتها وخداعها أثناء تحقيقات مع إرهابيين». وفي المقال نجد أن «التايمز» تحاول استخدام الوكالة وضباطها كنوعٍ من «الذبيحة» عوضاً عن النظام بأكمله. وفي حين أن كثيراً من الأميركيين ـ بحسب المقالة ـ يعتبرون أن الجهاز الاستخباري هذا هو درعهم الواقية، أصبح «فجأةً» عبئاً عليهم.
كذلك فعلت صحيفة «واشنطن بوست» التي أشارت إلى أنَّ بوش كان قد تلقى إخطاراً عن طرق الوكالة في التعذيب عام 2006 بعد البدء باستعمال هذه الطرق من التحقيق بأربع سنوات. وبحسب تقرير لاحق، فإنَّ بوش أعرب عن «امتعاضه» من صورة المعتقل «معلقٌاً من السقف ولا يرتدي إلا حفاضاً للكبار».
في إطارٍ مغاير، نشرت قناة «فرانس 24» تقريراً عن موقع يديره «خبراءٌ» سابقون في وكالة الاستخبارات يؤكدون فيه نجاعة الأساليب المستخدمة في الحصول على المعلومات و»أنّها كانت ضرورية حينها». ويأتي www.ciasavedlives.com كأحد المواقع التي يرجح أن يحوز ضجةً خلال الأيام المقبلة، ذلك أن القنوات ستستخدمه كنوعٍ من الدعاية المضادة للمعترضين على أسلوب الوكالة، وخصوصاً أن الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية طالبتا بمحاكمة المتورطين في القضية.