شغور المئتي يوم وأكثر في القصر الرئاسي، يستفز بكركي كثيراً، ويدفع سيّدها إلى رفع صوته عالياً. فتارة يحمل عصاه تهديداً بوجه قادة أبناء كنيسته، وطوراً يفتح أبواب الصرح أمامهم ترغيباً
كلير شكر
شغور المئتي يوم وأكثر في القصر الرئاسي، يستفز بكركي كثيراً، ويدفع سيّدها إلى رفع صوته عالياً. فتارة يحمل عصاه تهديداً بوجه قادة أبناء كنيسته، وطوراً يفتح أبواب الصرح أمامهم ترغيباً.
يحتار البطريرك بشارة الراعي من أين يأكل كتف الاستحقاق، وكيف؟ بالعصا أم بالجزرة؟
لا التلويح بالحرم الكنسي ينفع ولا الصلوات تُنقذ قصر بعبدا من غبار الفراغ. ومع ذلك لا يمكن له أن يستسلم ويرفع الراية البيضاء.
وحدها لعبة المبادرات والمبادرات المضادة، هي التي تملأ فراغ الوقت المستقطَع، وتلهي الرأي العام. في واحدة من هذه المبادرات، طرح العماد ميشال عون خوض الاستحقاق شرط حصر المنافسة بينه وبين سمير جعجع، ليس استخفافاً بمن يسمّيهم «صغار المرشحين» إنما خوفاً من «تهريبة» من تحت الطاولة تطيح بآمال «الجنرال».
كُثر ربطوا طرح رئيس «تكتل التغيير» بالإحراج الذي يمارسه عليه خصومه بسبب مقاطعته جلسات الانتخاب المتتالية. لكن هناك من عزفها على وتر غير مرئي، قد يكون متصلاً بكلام حكي بعيداً عن الأنظار...
في جلسة ضيقة جيداً جمعت رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد مع أحد كبار المطارنة بمشاركة شخصية سياسية مارونية، وبترتيب قام به أحد العاملين على مد الجسور في كل الاتجاهات، فلشت أوراق الاستحقاق الرئاسي على مصراعيها.
لم تأت تلك الجلسة من العدم، لا بل بناء على رغبة المطران الذي يتردد أنه تلقى نصائح من ديبلوماسيين غربيين بضرورة إثارة ملف الرئاسة مع جهتين أساسيتين إذا كان ثمة رغبة بطريركية جدية بالوصول إلى نهايات سعيدة وهما: الفاتيكان ممثلاً بالقاصد الرسولي في بيروت، و«حزب الله». وهكذا التقى الرجلان.
البداية كانت مقدمة تولاها المطران شارحاً أعطاب الشغور الرئاسي الذي أدى الى فصل الدولة عن رأسها، وأنهى مطالعته بحاجة الكنيسة إلى كل القوى السياسية للتكاتف سوياً للتمكن من إنقاذ الجمهورية.
بعدها، تولى رعد الكلام مفصّلاً الأسباب الموجبة التي دفعت بالحزب إلى اجتياز الحدود لبلوغ العمق السوري، مؤكدأً ضرورة انتخاب رأس للدولة كي تستعيد نفسها، منهياً كلامه بالتشديد على موقف قيادة الحزب بالوقوف وراء العماد ميشال عون في مسألة الرئاسة.
بناء عليه، أكّد المطران أنّ لا «فيتو» على ترشيح عون وهو صاحب تمثيل شعبي لا لبس فيه، ولا غبار على مواقفه الوطنية لا سيما وأنّه يرفض أن يكون رئيساً إذا لم تكن الأصوات التي سترمى بالصندوقة الخشبية ملونة طائفياً، بمعنى أن يشارك المكون السني في هذه الأغلبية.
وعرض المطران على محدثه، مخرجاً يساعد على كسر الجمود والمراوحة، متوجهاً إلى رعد بالقول: عليكم تأمين 60 صوتاً مؤيداً للعماد عون، ونحن نتكفل بخمسة أصوات إضافيين، يمكن له في هذه الحسبة أن يصير رئيساً للجمهورية بأغلبية نيابية. أما إذا رفض عون هذا الاقتراح، فليتفضل بالانسحاب حتى يفسح المجال لغيره من الطامحين.
طبعاً لم يحدد الرجل مَن هي الجهة التي ستتولى تأمين هذه الأصوات الذهبية الخمسة، كما لم يرد عليه محدثه بجواب سلبي أو إيجابي، وإنما عاد إلى المربع لأول: نحن وراء «الجنرال» في أي من الخيارات التي سيقررها.
لقد سلّف رئيس «تكتل التغيير» حليفه موقفاً للتاريخ من خلال القبول بالتسوية التي حملت ميشال سليمان إلى القصر الرئاسي في العام 2008. ولهذا يرفض «حزب الله» اليوم تكرار التجربة التي لم يُكتب لها النجاح بعدما وعد ميشال عون بأنّ يكون مرجعية، وراح بدلاً من ذلك يقاتل من أجل تعيين موظف واحد في الفئة الأولى من دون أن يكتب له النجاح في ذلك.
http://assafir.com/Article/2/390127
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه