ينشغل رئيس التيار الوطني الحر العماد ميشال عون بالانتخابات الرئاسية، فيما ينشغل التيار الوطني الحر بانتخاباته الحزبية
غسان سعود
ينشغل رئيس التيار الوطني الحر العماد ميشال عون بالانتخابات الرئاسية، فيما ينشغل التيار الوطني الحر بانتخاباته الحزبية. هوية الرئيس محسومة، أما النقاش الرئيسي فيرتبط بموازين القوى التي ستكشفها الانتخابات، سواء أجريت في موعدها المبدئي أواخر نيسان المقبل أو تأجلت مجدداً لتجنيب الجنرال الاعتراف رسمياً بتفوّق فريق على آخر.
خلافاً لحزب القوات اللبنانية الذي أنهى رئيسه سمير جعجع كل ما كان فيه من تعددية، ولحزب الكتائب الذي لم يبق رئيسه أمين الجميل معارضاً واحداً لمنح النائب سامي الجميل صلاحيات مطلقة، يتميز التيار الوطني الحر بوجود أكثر من رجل ثان وثالث ورابع خلف العماد ميشال عون. يشتعل التنافس العوني – العوني، في مختلف المناطق، على نحو يوحي وكأن العونيين لا ينافسون إلا بعضهم بعضاً.
غير أن التدقيق في هذه التعددية العونية يبيّن وجود ثلاثة متنافسين جديين على موقع الرجل الثاني في التيار الوطني الحر، هم: الوزير جبران باسيل، القياديّ في التيار نعيم عون، وقائد فوج المغاوير العميد شامل روكز؛ صهرا الجنرال وابن شقيقه. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن التيار الوطني الحر يتألف من مجموعتين: نواة حزبية صغيرة تضم النواب العونيين والهيئات المناطقية والمركزية وعدداً كبيراً من الناشطين (وهؤلاء يحق لهم الانتخاب)، وعدد كبير من المؤيدين يعرفون بالحالة العونية (لا يحق لهم الانتخاب).
رغم زواجه بإحدى بنات العماد عون، بقي باسيل الأول بين المتساوين في التيار حتى عام 2005. وبعد «العودة» ، في 7 أيار من ذلك العام، بدأ يتعاظم شعور الناشطين بعدم المساواة: الفرص المعطاة لباسيل أكبر بكثير مما يعطى لهم، وحرص الجنرال على إنجاحه وثقته به أكبر من أي حرص أو ثقة بآخرين. ولكن بدل أن يلوم هؤلاء الجنرال، أنحوا باللائمة على باسيل الذي عانى من نقمة رفاق بقوا في أماكنهم مقابل تقدمه هو، ولم يهضموا تكليفه وحده بكل علاقات التيار السياسية، واعتباره مناسباً لكل الوزارات، وحمّلوه مسؤولية عدم فوزهم بوظائف مهمة وعدم ترشيحهم إلى الانتخابات النيابية أو تسميتهم لتسلّم حقائب وزارية. وجد البعض في التودّد اليه اختصاراً للطريق إلى الرابية، ونقم عليه من لم يتأقلموا مع طباعه الشخصية، سواء كانوا عونيين أو حلفاء. ولكن الثابت أن الوزير البتروني تمكّن، في الأعوام العشرة الماضية، من تحقيق انتصارين شخصيين: أولاً، انتزع اعتراف مختلف الأفرقاء والرأي العام عموماً بنجاحه في عمله وزيراً. وثانياً، أحاط نفسه بوزراء (الياس بو صعب نموذجاً) ومرشحين إلى الانتخابات النيابية (أمل أبي زيد نموذجاً) يحظون بإعجاب الرأي العام العوني.
نفوذ نعيم في التيار وباسيل وروكز يتشاركان الحالة العونية
لكنه، في المقابل، تعثّر في انتزاع مقعد نيابي يرفع مرتبة التعامل معه من كونه صهراً لزعيم سياسي إلى ممثل منطقة وناخبين، وأخفق في بناء حيثية خاصة به داخل التيار الوطني الحر وخارجه. ولا شك في أن إدارته ظهره لحلفاء التيار ــ رغم تأثير هؤلاء الانتخابي الكبير في مناطق نفوذ التيار ــ وعدم سعيه الى استقطاب الناشطين لهما أسباب خاصة به. فتجربته مع الرئيس سعد الحريري من جهة، ومع عدد كبير من الناخبين البترونيين من جهة أخرى، دليل على قدرته على استيعاب الأبعدين قبل الأقربين حين ينوي ذلك. وفي النتيجة، لا يتوقع المطلعون على أوضاع العونيين الداخلية إثبات المقربين من باسيل أنفسهم في الانتخابات المقبلة في غير البترون وطرابلس وعكار، وربما زحلة وعاليه، خصوصاً أن الحالة العونية التي أقنعها الجنرال بأن باسيل رأس حربة الإصلاح والتغيير لا تشارك في الانتخابات الحزبية، كما أن الوزراء الحاليين والسابقين والمرشحين المستقبليين إلى الانتخابات النيابية الذين يحيطون بوزير الخارجية لا يتمتعون – بعد – بنفوذ كبير داخل هيئات التيار المناطقية، مع العلم بأن هناك اليوم سبعة نواب عونيين (سيمون أبي رميا ونبيل نقولا وإبراهيم كنعان وآلان عون وحكمت ديب وناجي غاريوس وزياد أسود) ليس بينهم سوى نائب واحد مقرّب من باسيل.
نعيم عون، ابن شقيق الجنرال، كان المتفرج الأبرز على كل ما تخبّط به التيار عموماً، وباسيل خصوصاً، خلال السنوات العشر الماضية. وهو قال، مرة تلو أخرى، إنه لا يريد شيئاً لنفسه: «مطلبي الوحيد مؤسسة حزبية». تخلص نقاشات العونيين حوله إلى ثلاث إيجابيات: أولاً، بحكم بقائه خارج السلطة وتحويله صالون منزله إلى حائط مبكى لمن يشعرون بالظلم، لم تتراكم أي مآخذ عونية عليه، لا بل وطّد علاقته أكثر فأكثر بالناشطين الأساسيين الذين يمثلون القوة الرئيسية في الانتخابات الحزبية، سواء كانوا لا يزالون داخل الحزب مثل رولان خوري في كسروان وجورج عطاالله في الكورة وزياد عبس في الأشرفية وغسان عطاالله في الشوف وكل الناشطين في المتن، أو أخرجوا منه مثل لواء شكور في جبيل. ثانياً، وطّد علاقته بغالبية النواب العونيين الرئيسيين الذين بنوا حيثيات صغيرة في مناطقهم. ونسج – ثالثاً - علاقة قوية مع حلفاء التيار من بنشعي إلى الجاهلية مروراً بحارة حريك واليرزة. أما السلبية الأولى بالنسبة إلى نعيم عون فهي لامبالاته، خلال السنوات التسع الماضية، بالرأي العام عموماً، وعدم بذله أي جهد ليشرح للحالة العونية أسباب نقمته. وعلى غرار باسيل، هو لا يتمتع – وهنا السلبية الثانية – بكاريزما شعبية. أما سلبيته الثالثة فهي عدم قدرته على إجراء «بوانتاج» جدي، لعجزه عن التحديد بشكل واضح من سيؤديه فعلاً، لا قولاً فقط، في حال تدخل الجنرال في الانتخابات، خصوصاً أن غالبية «أحصنته» في المناطق هم إما نواب أو مرشحون إلى الانتخابات النيابية يحسبون ألف حساب للمقاعد النيابية.
من جهته، يلعب العميد شامل روكز في ملعبي باسيل وعون. يحرص قائد فوج المغاوير على القول في كل مناسبة إن عمله العسكري يشغله عن أي شأن آخر، ولا تعنيه شؤون التيار الحزبية من قريب أو بعيد. ينافس روكز باسيل بقوة، ويتقدم عليه وسط المؤيدين للتيار أو ما يعرف بالحالة العونية. وإذا كان باسيل في رأي هؤلاء رأس حربة التغيير والإصلاح، فإن روكز يحمي أمنهم وثقافتهم من الإرهاب، ويدغدغ ببذلته العسكرية أحلامهم، ويرضي بخلفيته الشمعونية خلفيتهم الشمعونية أيضاً. في تصوّرهم للقائد، هو أقرب من باسيل بكثير. ولا شك في أن صمت روكز وابتعاده عن الأضواء يصبّان في مصلحته. وفي مقابل إحاطة باسيل بوزراء يحظون بإعجاب العونيين، يحيط روكز نفسه – وهذه نقطة قوته الثالثة – بالأمبراطور ميشال ألفتريادس والإعلامي هشام حداد وغيرهما ممن يسحرون الجمهور العوني. أما نقاط ضعفه فأبرزها: أولاً، عدم امتلاكه أيّ حيثية واضحة داخل التيار، إذ إن المنسقين وأعضاء الهيئات العونية المختلفة الذين يزورونه من وقت إلى آخر لا ينضوون في مجموعة واحدة، ولا يشعرون أن له علاقة بانتخاباتهم الحزبية التي تجري قبيل تقاعده بعدة أشهر. ثانياً، عدم وجود تصور واضح عمّا ستكون عليه حالة روكز الشعبية بعد تقاعده، في حال عدم تعيينه قائداً للجيش، خصوصاً أن كاريزما العسكريين عادة بالبذلة العسكرية التي لا تضطرهم إلى الكلام هي غير كاريزماهم بربطة العنق متحدثين عن القوانين والقضايا المعيشية.
في انتظار الانتخابات، هناك نواب يشعرون أن حجمهم أكبر من مقاعدهم النيابية حتى لو كانوا يعجزون عن الفوز بالمخترة في بلداتهم لولا إيعاز العماد عون للناخبين بانتخابهم، وهناك قياديون تاريخيون يحظون باحترام النواة العونية وإعجابها سيزج بأسمائهم في السباق، وهناك عدد مهم، لكنه ليس كبيراً، من الناخبين الذين سيرجون العماد عون أن يكتب ما يشاء على أوراقهم الاقتراعية، وهناك وسطاء سيسعون بنية حسنة الى تقريب وجهات النظر بين مختلف الأفرقاء لإحلال التوافق محل التنافس. وسيتضح أكثر فأكثر أن التيار الوطني الحر (حيث نفوذ نعيم عون) شيء والحالة العونية (حيث نفوذ روكز) شيء آخر، لكن لا قيمة جدية لمن يربح أحدهما ويخسر الآخر. ولا بد بالتالي من الاعتراف بأن ما من أحد في التيار الوطني الحر وخارجه قادر وحده على لعب دور نائب الرئيس، ما دامت رئاسة العماد ميشال عون تتألف من رئاسة حزب ورئاسة تكتل نيابي ووزاري وزعامة شعبية، الأمر الذي يستوجب تكليف نائب للرئيس بمسؤوليات الحزب، ونائب رئيس ثان بمسؤوليات التكتل النيابي، ونائب رئيس ثالث بمخاطبة الرأي العام. ها هم في تيار المستقبل يتعايشون: رئيس كتلة المستقبل النيابية والوزارية فؤاد السنيورة، أمين عام حزب تيار المستقبل أحمد الحريري وزعيم الحزب سعد الحريري؛ يتعاونون جميعاً لملء فراغ الرئيس رفيق الحريري.
http://www.al-akhbar.com/node/222344
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه