على أبواب عيد ميلاد السيد المسيح، نحن بحاجة لأن نستذكر ما ورد في القرآن الكريم من سُوَرٍ عن مريم وعيسى بن مريم، في زمنٍ مسيحيٍّ عصيب
أمين أبوراشد
على أبواب عيد ميلاد السيد المسيح، نحن بحاجة لأن نستذكر ما ورد في القرآن الكريم من سُوَرٍ عن مريم وعيسى بن مريم، في زمنٍ مسيحيٍّ عصيب، يبدو فيه هذا الشرق الذي كان منبت الرُسُل والأنبياء، وكأن الآيات البيِّنات المُنزَلة لم تعُد تحكمه بقدر ما باتت تحرِّكُهُ الفتاوى الدخيلة الخارجة عن أحكام الدين الإسلامي والتي لا ترتبط بصلة لأيٍّ من المذاهب الإسلامية.
أمام شجرة الميلاد والمغارة التي يُتقِن المسيحيون المشرقيون كيفية العمل عليها في منازلهم لتأتي شبيهة بمغارة بيت لحم، نجِدُ أن روحية الطفل يسوع موجودة في كل مغارة إلّا في بيت لحم حيث كانت ولادته، وبهجة العيد غائبة عن روح المسيحيين حيث صقيع الغياب أمضى من أي وقت مضى، بعد أن فرغت بيت لحم ويكاد يفرَغ الشرق من المسيحيين.
وأمام مغاور وتلال معلولا الآرامية السورية، وعلى رُكام الكنائس والحضارة المسيحية الأولى، لا بدَّ لمسيحيي الشرق من وقفة تأمُّل لما آلت إليه أحوالهم، وأن يشهدوا أمام الله بأنهم كانوا رُسُل سلام وسيكونون دوماً رُسُل السلام ولكن، آن لهم بحقِّ طفل المغارة عليهم، أن ينتفضوا دفاعاً عن وجودهم على الأرض التي مشاها السيد المسيح والرُسُل الأوائل وبُناة الحضارة المسيحية المشرقية، وأن يدركوا مسألة يرتبط بها مصيرهم بأن "الجار القريب خيرٌ لهم من أخٍ بعيد"، وأن الأخوَّة هي ليست فقط في وحدة الدِّين، بل كما قال الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: "من لم يكُن أخاً لك في الدين فهو أخٌ لك في الخلق".
وإذا كان بعض المسيحيين يعتقدون، بأن كل قِبب الكنائس والأديرة التي دمَّرها التكفيريون الإرهابيون في العراق وسوريا قد هزَّت الضمير السياسي الغربي قيد أُنمُلة فهُم مخطئون، وعليهم أن يتبصَّروا الى القادم من الأجيال ويبحثوا عن أخٍ لهم في الخلق، يتجاورون معه ويتحابون ويتضامنون للحفاظ على وجودهم المشرقي واستكمال رسالتهم، وأن بداية عودة المسيحيين الى الإيمان بواجب وجودهم المشرقي مع الأخ الآخر، تقتضي منهم مواجهة من يرفضهم وينبذهم ويكفِّرهم ويهدِّدهم وينكِّل بهم ويعتدي على مقدساتهم وأعراضهم وأرزاقهم دون أن يرتكبوا أي ذنب، وكَفَاهم إدارة الخدِّ الأيسر لمن يصفعهم على الأيمن، وكفاهم أن يكونوا وقوداً لمشاريع شراكة غربية علمانية مُلحِدة على شرقية تكفيرية إرهابية، وكفاهم أن يكونوا الضحايا..
ميلادٌ مجيد أيها المسيحيون على أرض السيِّد المسيح، وليكُن الإحتفال بميلاد الطفل يسوع بمغاور معلولا هذه السنة بدلاً من مغارة بيت لحم، لنستذكر من دمَّر معلولا المسيحية ومن هجَّر أهلها ومن دنَّس أرضها ومن استباح الأديرة والكنائس، ولنستذكر أيضاً أن من حرَّروا معلولا من دَنَس الشياطين هُم إخوة مسلمون!!
المسيح وُلِد في الشرق والمسيحية من الشرق انطلقت، ومع أبناء هذا الشرق على المسيحيين أن يتعايشوا ويعيشوا، وإذا كنا هذه السنة بالذات، سنحيي ميلاد السيد المسيح وكأن المسيحية بألف خير، فحريٌّ بنا ونحن نتبادل الهدايا التي سيحملها إلينا "سانتا كلوز"، أن نستذكر ونقِف بإجلال واحترام أمام من احتضنوا الحضارة المسيحية ومن دافعوا عن وجودها حتى الشهادة، وأن نقرأ آياتٍ من كتاب القِيَم السماوية الجامعة، وليعلم من لا علم لديه بعد ولا إدراك ولا رؤية، أن التاريخ المسيحي المشرقي، سيحفظ للكبار مواقفهم، وللشهداء عطر شهادتهم، وللشرفاء عبق بخُّورهم، وسيحفظ أيضاً للتكفيريين وضاعتهم، ولأهل الرياء دناءتهم، وللأذلاّء دُونيَّة وقفتهم، ولا عجب، فإن الإنجيل المقدِّس ورد فيه إسم السيد المسيح ملكاً للمجد، وورد فيه أيضاً إسم يهوذا مليكاً للذلّ والتآمر، وإذا كان بعض منتحلي صفة المسيحية لا يقرأون إنجيلهم ولا يعيشون السلام الداخلي مع أنفسهم ومع الأخ الآخر في الإنسانية والمواطنة، ولا يميِّزون بين صديقٍ وعدوّ، فإن قارئي القرآن الكريم من المؤمنين الأنقياء، درسوا سيرة مريم وعيسى بن مريم، وترجموا إيمانهم قولاً وفعلاً على تلال معلولا، وأدّوا الصلاة الجامعة حتى الشهادة لتبقى أجراس السلام تقرع على وقعِ الترانيم وتراتيل الميلاد، وتتعانق مع مآذن التكبير ليتمجَّد إسم الله...