بيتر هوروكس، الرئيس السابق لمجموعة «بي. بي. سي.» : «إذا ما استمررنا على هذا المنوال، فنحن سنخسر الحرب. راقبوا مثلاً كم ننفق على المعدات العسكرية مقارنةً بما نصرفه على الإعلام»
من المعلوم أنّ الحروب لا تُخاض بالأسلحة فحسب، فهناك معارك تدار على الشاشات، كما على الورق. إنّها الحرب الإعلامية التي لطالما دفعت الدول المليارات للفوز بها. تخوض اليوم القنوات الأوروبية (الخاصة، أو المدعومة حكومياً) حرباً شعواء على مثيلاتها المقبلة من الشرق، وبالتحديد من روسيا والصين.
عبد الرحمن جاسم / جريدة الأخبار
في هذا السياق، جاءت تصريحات بيتر هوروكس، الرئيس السابق لمجموعة «بي. بي. سي.» الإعلامية البريطانية الشهيرة لتصبّ زيتاً على نار مشتعلة بشدة.
قال الأخير إنّه «إذا ما استمررنا على هذا المنوال، فنحن سنخسر الحرب. راقبوا مثلاً كم ننفق على المعدات العسكرية مقارنةً بما نصرفه على الإعلام»، وفق ما ذكرت صحيفة الـ«غارديان» البريطانية أمس. ورغم محاولة الرجل طمأنة «جمهوره» إلى «أنّنا لم نخسر الحرب بعد»، وأنّ ما حصل هو مجرد «كبوة»، بدت الأمور شديدة الضبابية حين لفت إلى أنّه «صحيحٌ أنّنا نُغلب مادياً من قبل قنوات ممولة من روسيا والصين، لكنّنا قد نستعيد المبادرة عبر تقديم مواد تستحوذ على ثقة الناس».
بدوره، أكد عضو البرلمان البريطاني، جون ويتنغدايل، هذا الكلام قائلاً: «نعم، تتفوّق علينا القنوات الروسية والصينية في حرب المعلومات».
وتعاني bbc من تراجعٍ في تمويل «خدماتها الإعلامية الخارجية» (World Service)، ويبدو أنّها في صدد تفعيل نظام مختلف يجري التعامل بموجبه مع كل دولة أو قضية على حدة. لكن من الواضح أنَّ الموضوع يأخذ بعداً درامياً بالنسبة إلى الجو في الغرب. وما أسرّ به هوروكس كان غيض من فيض، فالجميع يعلم أنّ قناة «روسيا اليوم» تحقق انتصارات جديدة وتتطوّر، لا بفضل المال فحسب، بل أيضاً بفضل الامتيازات التي تحصل عليها بفعل دعم النظام الروسي لها.
بداية النذر كانت حين أشار رئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون والرئيس الأميركي باراك أوباما «بقلق» إلى ما تنشره القناة من صورة «مشوّهة» لما يحدث في شبه جزيرة القرم وفي أوكرانيا عموماً. حدث ذلك، بعدما نقل أكثر من ممثل دولة من بحر البلطيق تصاعد تأثير القناة المملوكة روسياً. ولتأكيد أهميته، نوقش الموضوع برمته في اجتماع الدول الكبرى العشرين (G20) الشهر الماضي في أوستراليا.
«روسيا اليوم» التي افتتحت أخيراً مقر قناتها الموجهة إلى الجمهور الناطق بالإنكليزية في ميلبانك، إحدى ضواحي لندن، أعلنت أنّها ستعقب هذا بإطلاق قنواتٍ خاصة ناطقة بالفرنسية والألمانية خلال العامين المقبلين لتضيفها إلى اللغات التي تبث بها: الإسبانية، والعربية، والروسية.وخلال العام الفائت، فتحت القناة باب التوظيف أمام الجميع، فاسحةً المجال أمام جيل جديد من الصحافيين الغربيين الراغبين في العمل في قناة ذات إمكانات غير محدودة.
الجدير بالذكر أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كان قد أعلن أنّه سيرفع ميزانية القناة أربعين في المئة أكثر من العام السابق، أي أنّها ستصبح أكثر من 343 مليون دولار أميركي. ويصل عدد مشاهدي «روسيا اليوم» إلى 700 مليون مشاهد، فيما لم يُحدد ــ بدقة ــ عدد متابعيها خصوصاً مع بثها بالإسبانية في أميركا الجنوبية. فيبدو أنّها ستقترب من جمهور علاقته سيئة بالقنوات الأوروبية ــ الأميركية عموماً بسبب الأحداث السياسية اليومية هناك.
الحرب الناعمة تأكل كل شيء
بدأ تعبير «الحرب الناعمة» يُستعمل كثيراً لتفسير ما يحدث إعلامياً على الأقل. في هذا السياق، يقول الرئيس السابق لشبكة قنوات التلفزة البريطانية المستقلة ITN، ستيوارت برفيس: «إنّها الحرب الناعمة التي ترث الحرب الباردة. الروس والصينيون يدعمون أنظمتهم بكل الوسائل، وبريطانيا لا تنفق ما يكفي، وهذا واضح». وهو نفسه ما أشار إليه الرئيس السابق لـBBC Global News، ريتشارد سامبروك، حين أكد أنّ «ميزانية الأخبار العالمية «لا تشكّل إلا عشر ميزانية القناة الصينية مثلاً».