إذا كانت العوائق السياسية تحول دون التواجد في عشرات القنوات العربية، فإن قناة "المنار" اللبنانية، افتتحت عهد الدراما الإجتماعية الإيرانية في لبنان بعرض أعمال اجتماعية، أبرزها ما يُعرض الآن، وهو مسلسل "ستايش"
الأعمال الدرامية الإيرانية المتوافرة للبث في قنوات عربية، تتخطى الطلب بعشرات الأضعاف. لا يزال السوق المحلي، اللبناني والعربي، متحفظاً عن الإنفتاح على الإنتاج التلفزيوني الإيراني الضخم، ولم يستطع، حتى الآن، إستيعابه. ويراهن الإيرانيون على تطورين يدخلهم في منافسة مع الأعمال الدرامية التركية التي تصدّرت السوق في السنوات الماضية: الإنفتاح السياسي على العالم العربي، وتقديم ما يتناسب مع هذه القنوات.
وبدأ الإيرانيون بالفعل أخيراً، في إنتاج ما يمكن عرضه على القنوات العربية، بلا اي محاذير. فلم تعد الأعمال الدينية والتاريخية في الدراما الإيرانية، التي عرضت في قنوات لبنانية ومصرية وعراقية، السمة الوحيدة لانتاجات مؤسسات الانتاج التلفزيونية. دخلت تلك المؤسسات السوق، بأعمال تشبه بيئة العالم العربي، بمشاكلها الإجتماعية، وعِقَدها الدرامية التي باتت سمة مشتركة بين شعوب منطقة آسيا.
وإذا كانت العوائق السياسية تحول دون التواجد في عشرات القنوات العربية، فإن قناة "المنار" اللبنانية، افتتحت عهد الدراما الإجتماعية الإيرانية في لبنان. وبعد عرض مسلسلات "أهل الكهف" و"مريم المقدسة" و"يوسف" الدينية، والتي بثت في أكثر من قناة عربية، بدأت "المنار" بعرض أعمال اجتماعية، أبرزها ما يُعرض الآن، وهو مسلسل "ستايش" الذي سيُختتم بعد 44 حلقة، الأسبوع المقبل.
تتشابه قصة "ستايش" مع قصص نساء كثيرات في العالم العربي. الحب، والزواج، والجشع، والتسلط، وذكورية بعض أركان المجتمع، والضغينة والحقد، إضافة الى الصراع على المال والأذية. هي نفسها القضايا محل البحث في الدراما العربية. الفارق بين الأعمال الإيرانية والعربية، هي انعدام مظاهر البهرجة، والثراء الفاحش، وهو ما يُعرّف المشاهد البعيد الى سمات أخرى من طبائع المجتمع الإيراني، أو بالأحرى ما يودّ صنّاع الدراما إظهاره.
ومن الناحية البصرية، الفارق الوحيد بين الأعمال الإيرانية ومثيلاتها السورية والتركية والمصرية واللبنانية، هي الطابع المحافظ. لن تجد كأساً في مشاهد المسلسلات الإيرانية، كما لن تجد ممثلة غير محجبة. وخلافاً لذلك، يتشارك الجميع في المشكلة، والحل، بما يقتضيه النص.
وتبدو قناة "المنار" مكتفية بالنتيجة التي حققها المسلسل. يقول معاون مدير عام القناة محمد دهيني لـ"المدن" إن أصداء العمل "تخطّت توقعاتنا"، مشيراً الى انتشاره "على نطاق واسع في أوساط جمهور المحطة في لبنان والعالم العربي". ويعد بأن تبدأ المحطة بعرض الجزء الثاني من العمل، "بعد الإنتهاء من دبلجته"، فيما تصور شركة الإنتاج "الجزء الثالث منه الآن في إيران".
لا مؤشرات على أن إنتاج العمل ضخم. مشاهده، التي صورت في مدينة رامسر في شمال ايران، تحت اشراف المخرج سعيد سلطاني، أقل بكثير من المعتاد الذي ظهر في مسلسلات دينية. كذلك الدبلجة الى اللغة العربية. يلفت دهيني الى أن قناة "آي فيلم" الإيرانية التي عرضت العمل قبل المنار، وتتعاون مع المحطة في أحيان كثيرة، هي من دبلج المسلسل.
وبرز الصوت باللهجة اللبنانية، الشبيهة الى حد كبير بمؤدين لا يتقنون اللهجة البيضاء. هم أقرب الى اللهجة التي يتحدثها أهل المدن في جنوب لبنان. ولا يعلق دهيني على هذه الزاوية، مكتفياً بالقول إن "الميزانية التي رُصدت لمسلسلات سابقة، مثل يوسف أو مريم المقدسة، كانت أكبر بكثير، عدا عن أنها دُبلجت الى العربية الفصحى".
والواضح أن الإنتاج الإيراني بدأ ينفتح على سوق الدراما العربية التي شهدت ازدهاراً كبيراً خلال السنوات الماضية، تمثل بتخصص 320 قناة عربية بعرض الدراما. ففي ايران اليوم، عشرات المسلسلات الإجتماعية والدينية "متفاوتة الميزانية". لكن السوق العربية، لا تزال مقتصرة على قناة "المنار" في لبنان، وقنوات أخرى في العراق وغيرها. ويقول دهيني إن القناة اللبنانية ستنتقي "ما يناسب جمهورنا" بهدف عرضه، لافتاً الى أن الإنتاج الإيراني "متنوّع من حيث الحبكة الدرامية، بميزانيات مختلفة"، متوقفاً عند "التطور في هذه الصناعة على الصعيد البصري".
إنفتاح الغرب على ايران، سياسياً، إنطلاقاً من التفاوض على الملف النووي، سينعكس انفتاحاً على الصناعات الإيرانية، ويفتح امامها أبواب السوق العربية، كما يرى مراقبون.. وستكون الدراما إحدى اشكال تلك الصناعات الخارجة من الحظر الإقتصادي الدولي على طهران. وحدها التسويات السياسية العالمية ستعرّف العالم العربي على مشاكل الإيرانيين، طالما أن الدراما صدى للواقع.. لكن.. هل إلى أي مدى سيلتزم هذا "الواقع" بـ"الرواية الرسمية"؟