بعد قراءة المقال للصحفي "قيس قاسم" في جريدة الحياة في عددها اليوم، يحمل العنوان نفسه، يحيلينا إلى لغة مغايرة هي أقرب ما تكون إلى التطبيع عن بعد مع مجتمع العدو الإسرائيلي حين يختزل الصراع إلى أزمة تعايش بين اليهود والعرب..!
قد يوحي إليك العنوان بإيجابية كبيرة بالنسبة إلينا حيال الأزمة المتصاعدة في دولة الكيان الصهيوني بخصوص الهجرة المعاكسة، أي عودة الإسرائيليين الصهاينة إلى البلدان التي أتوا منها.
ولكن بعد قراءة المقال للصحفي "قيس قاسم" في جريدة الحياة في عددها الصادر اليوم، يحمل العنوان نفسه، يحيلينا إلى لغة مغايرة هي أقرب ما تكون إلى التطبيع عن بعد مع مجتمع العدو الإسرائيلي حين يختزل الصراع إلى أزمة تعايش بين اليهود والعرب في دولة "إسرائيل" والتي يصفها بأنها أصبحت طاردة لـ"بعض مواطنيها وموطناً جديداً لبعضهم الآخر فيما تُطرح الأسئلة الملحة نفسها على مراسلي التلفزيون السويدي حول إمكان تعايش اليهود والعرب في مكان واحد؟ وأي الطرق تريد اسرائيل المضي بها، بعدما تأكد لها أن كثيرين من مواطنيها لم يعودوا يشعرون بالراحة فيها فبدأوا بالهجرة منها وفي شكل خاص الى ألمانيا: أرض المحرقة التاريخية! في مفارقة استوجبت مراجعة ميدانية من فريق العمل الى المناطق الأكثر تشخيصاً لمقاربة الهجرة الجديدة والصراع الداخلي في اسرائيل نفسها".
فيصبح هنا اهتمام المقال بهذا الصراع الداخلي الذي يعيشه "مواطنو" دولة العدو وليس المستوطنين. وفي هذا اعتراف صريح بحق الوجود لدولة مثل الكيان الإسرائيلي وأن من يقطن أرض فلسطين المحتلة هم "مواطنون" لتصبح مثلها مثل أي دولة طبيعية في العالم. ويدهشك أنه يرجع السبب في ما أسماه تصاعد العنف بين طرفي المدينة "اليهودي والمسلم" بسبب الأحزاب الدينية المتطرفة ودعمها للسعي المستمر للسيطرة على أراضي الفلسطينيين "فتصعّد نزعة العداء لهم عند الطرف المقابل".
ويصوّر حقيقة الصراع بأنه سبب "العنف المنلفت صد الفلسطينيين" كأن هذه هي أصل المشكلة، وليس الاحتلال نفسه واضطهاده المستمر بكل أشكال القتل والتدمير والطرد الممنهج لأصحاب الأرض الأصليين. وهو هنا يفصل بين ما يراه المجتمع الإسرائيلي حقاً وبين ما تقوم به الأحزاب سواء الدينية أو السياسية بكل قمعها للفلسطينيين. ويصوّر هذا المجتمع أنه رافض للعنف ويخاف من تصاعد نزعة العداء من الفلسطينيين ضده..!.. هل هناك أغرب من هذا.. إذ إن كل استطلاعات الرأي في دولة الكيان الصيهوني تؤكد أن الشارع الإسرائيلي شديد الكراهية للفلسطينيين ويود خروجهم من الأرض اليوم قبل الغد.. فأي تعايش هذا الذي يدافع عنه كاتب المقال والذي يحرص عليه هذا المجتمع الهجين؟!...
ففي محاولة من كاتب المقال الذي يعلّق فيه على ما جاء في تقرير للتلفزيون السويدي حول الهجرة المعاكسة إلى إلمانيا نفسها، يقدّم أيضاً المسوغ نفسه لهرب الشبان المستوطنين إلى إلمانيا التي ترسّخ الثقافة الصهيونية دورها في ما تدعيه أنه أكبر عملية اضطهاد لليهود في أوروبا في العصر الحديث وتقصد بذلك أسطورة "الهولوكوست" المخترعة، ويبيّن التباين بين جيل اليوم وجيل الأباء حيال الهجرة إلى هذا البلد.
وهو يقول في ذلك : "يظهر، في مقابلة البرنامج لعدد من الشباب اليهود في ألمانيا، ميلهم للتعايش مع الواقع الأوروبي الجديد الذي يجدون فيه ما لا يجدونه في بلادهم حيث الكراهية طاغية والعنف سلوك يُغذى كل يوم، وهذا ما دفعهم لترك البلاد للعيش في مجتمعات مستقرة، رغم الحملات المتصاعدة ضدهم والتي جسدتها، كما قال دافني، صرخات أحد نواب الكنيست. «هل أنتم مجانين؟ تقيمون في البلد الذي سبب في ذبح أجدادكم وشتتهم في المنافي؟». يربط المهاجرون اليهود في برلين بين مفهوم «الضحية والجلاد» وكيف يلعب قادتهم عليه ويجدون أن طرفي المعادلة عملياً قد اجتمعا في الدولة نفسها؛ فتاريخياً هم الضحية ولكن الآن هم الجناة ولـــهذا فهم يرفضونها ويفضلون العيش كبشر أسوياء خارج تأثيراتها".
"قيس" في ختام تعلقياته ينقل للقارئ العربي، الذي يريد له أن تتموه الحقائق التاريخية أمامه، بأنه يفترض أن يطرح ما أسماه :" سؤالاً منطقياً: لماذا لا يفكر الساسة في اسرائيل في ايجاد حل داخل البلاد ينهي المشكلة برمتها بين اليهود والمسلمين؟ لتلمس حالات يمكن أخذها نموذجاً ايجابياً لفكرة تقارب الشعبين يذهب البرنامج لمقابلة الشابة نيتا دانيل لاعبة كرة السلة في نادي «لاعبو السلام» الذي يضم بين صفوفه فتيات مسلمات والتعايش بين أعضائه عادي كما يفترض أن يكون في كل مجتمع سوي. تتحدث الشابة اليهودية عن علاقتها بصديقتها الفلسطينية والتي تجد بينهما قواسم انسانية كثيرة وتحب زيارة منزلها لأن عائلتها طيبة وتقدم لها دوماً طعاماً طيباً".
أسباب التقارب التي يدعيها بين "اليهود والمسلمين" في فلسطين المحتلة / إسرائيل سطحية وساذجة إلى أبعد الحدود بل حتى أنها قد تستفزك، أن الطرفين، سواء الفلسطينيين أو المستوطنين، ما يقربهم فقط هي العلاقات "الطيبة" التي يقدمون فيها "الطعام الطيب"..!! إلا إن المفارقة المدهشة التي تقتل كل محاولات ذلك الشريط التلفزيوني السويدي ومقال "قيس قاسم" عندما ينتهي المقال والشريط بقول لتلك الشابة الفلسطينية المسلمة "ضحى عملة" أنها رغم ما تجده من "إيجابية في التقارب" مع صديقتها "الإسرائيلية" أن ما "يُخيفُها أن صديقتها ستلتحق لعامين بالخدمة العسكرية الإلزامية وقد تمر بتجارب تبعدها عنها لأن الجيش وحروبه وعسكرة المجتمع الإسرائيلي تبعد بين الطرفين وتزيد من كراهية بعضهم بعضاً"..! وهل المجتمع الإسرائيلي كله إلا هذا؟!..