أتهم باحثون مختصون، مواقع التواصل الاجتماعي التي غزاها السعوديون بكثرة خلال الأعوام القليلة الماضية، بالتأثير في أفكار الشباب وتشجيعهم على الانضمام إلى الجماعات الإرهابية. وأكدت تقارير إعلامية تواجد سعوديين كشرعيين
يكاد لا يمر يوم في 2014، إلا ويسمع فيه السعوديون اسم أحد مواطنيهم يُقتل في عملية انتحارية نفذها تنظيم إرهابي في أحد «مناطق الصراع»، من العراق إلى سورية الى اليمن.
أصبح الشاب السعودي مطلوباً للاستقطاب والتجنيد من قبل الجماعات الإرهابية، ربما لإضفاء الشرعية على الأعمال الإجرامية، بتنصيب عدد منهم في مناصب قيادية وشرعية، إضافة إلى تحفيزهم للقيام بالعمليات الإرهابية.
ويرجع سبب اختيار السعوديين الى وجود خلفية دينية عن فضل الموت في الجهاد. كما أن بعضهم يرى أن تنفيذ عملية انتحارية هو «طريق مختصر» للتخلص من مشكلات نفسية واجتماعية بغطاء ديني يضمن لصاحبه الجنة.
وأتهم باحثون مختصون، مواقع التواصل الاجتماعي التي غزاها السعوديون بكثرة خلال الأعوام القليلة الماضية، بالتأثير في أفكار الشباب وتشجيعهم على الانضمام إلى الجماعات الإرهابية. وأكدت تقارير إعلامية تواجد سعوديين كشرعيين ومقاتلين قياديين مع تنظيم «داعش»، وفي صفوف «جبـهة النصرة»، وتنظيم أنصار الشريعة في اليمن.
وعلمت «الحياة» أن عناصر سعودية أخرى، تقاتل في صفوف «أنصار الشريعة» في ليبيا.
وتصدّر السعوديون قوائم التنظيمات الإرهابية ضمن منفذي العمليات، أو ممثلي التنظيم في المقاطع المصورة، أو التحدث باسمها، ما يوحي بأن تجنيد هذه التنظيمات للشباب السعوديين هو أول أولوياتها. وعلى رغم عدم وجود أعداد دقيقة للمقاتلين السعوديين، إلا أن تلك القوائم تشير إلى وجود أعداد كبيرة منهم.إلا أن مختصين أكدوا أن هذه التنظيمات الإرهابية تحاول الزج بأسماء سعودية في كل عملية إرهابية، من اجل الكسب الإعلامي، وإضافة طابع الشرعية، حتى لو كانت أدوار هؤلاء السعوديين ثانوية.
ويمثل تجنيد السعوديين «تهديداً كبيراً» للمملكة، وفق ما أكد المتحدث باسم وزارة الداخلية السعودية اللواء منصور التركي، الذي أشار إلى أن هناك «تهديدات أمنية تواجه المملكة»، موضحاً أنها تتمثل في شكل رئيس في «محاولات الجماعات الإرهابية تجنيد الشباب السعودي للذهاب إلى مناطق الاقتتال، أو تهديد أمن البلاد من الداخل». وأضاف: «الإمكانات التي توفرها الدولة للجهاز الأمني واللحمة الوطنية تتصدى بقوة للمحاولات الإرهابية التي تضر بالمملكة».
ويشكل السعوديون 60 في المئة من الانتحاريين في 2014، وفق تقارير التنظيمات. ففي مطلع العام فجر 16 سعودياً أنفسهم لمصلحة «جبهة النصرة» و»داعش»، فيما نفذ سعوديون 12 من اصل 21 عملية نفذها التنظيم الأخير بين أيلول (سبتمبر)، ومطلع تشرين الأول (أكتوبر).
وعلى رغم تواجد السعوديين كعناصر مقاتلة في التنظيمات الإرهابية، إلا أنهم غالباً ما يكونون وقوداً للنيران المشتعلة، ووفق موقع «حملة السكينة» (موقع رسمي تابع لوزارة الشؤون الإسلامية في السعودية)، فإن «السعوديون غير مؤثرين في تنظيم «داعش» الإرهابي، لا في الداخل ولا في الخارج. وغالباً ما يكونون حطب النيران المشتعلة».
كما أن قيادات «داعش» المركزية لديها موقف من بعض الجنسيات، ومنها السعودية، فعدم الثقة يحمل معه التعيينات والتكليفات. لذلك تكثر عملية اختبار السعوديين وبعض الجنسيات الأخرى، وامتحانهم بتنفيذ عمليات انتحارية، فإن لم يوافقوا تتم تصفيتهم باعتبارهم «منافقين واستخبارات».
وفي داخل المملكة واستمراراً لموجة الأعمال الإرهابية التي بدأت منذ عام 2003، شهد عام 2014، وتحديداً تموز (يوليو)، قتل خمسة إرهابيين. وأصيب آخر في محافظة شرورة (جنوب البلاد)، اثنان منهم فجّرا نفسيهما، وجميعهم من المطلوبين للجهات الأمنية في السعودية وكانوا متواجدين خارجها. فيما استشهد أربعة من رجال الأمن، كما أعلنت وزارة الداخلية. واستشهد رجل الأمن الرابع خلال حصار مقر المباحث العامة. وكان هدف الإرهابيين من الهجوم تحرير سجناء محسوبين على التنظيم، من المقر، وبينهم سيدات من «القاعدة».
وفي تشرين الثاني (نوفمبر)، قامت خلية إرهابية مرتبطة بتنظيم «داعش» بعمل إرهابي في حسينية قرية الدالوة في محافظة الأحساء (شرق)، إذ تلقى قائد الخلية الأوامر من الخارج، وحدد له الهدف والمستهدفين ووقت التنفيذ على أن يكون في الأحساء، وقام المجرم باختيار ثلاثة من أتباعه هو رابعهم، إذ تمت مبايعتهم له ومن ثم قاموا باستطلاع الموقع المستهدف وتنفيذ جريمتهم التي بدأت بالاستيلاء على سيارة مواطن وقتله واستخدام سيارته في تنفيذ الاعتداء الإرهابي الذي أسفر عن مقتل ثمانية من المواطنين الأبرياء، وإصابة 13 آخرين.
وفي الشهر ذاته، تبنى تنظيم «داعش» الإرهابي حادثة إطلاق نار استهدفت مقيماً من الجنسية الدنماركية في العاصمة السعودية الرياض. كما بثّ التنظيم مقطع فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، يظهر فيه محاولة قتل المقيم عبر إطلاق النار عليه أثناء قيادة سيارته بالقرب من طريق محافظة الخرج جنوب العاصمة. وأعلنت وزارة الداخلية أن «قوات الأمن تمكنت من إلقاء القبض على من نفذوا الاعتداء بإطلاق النار على المقيم الدنماركي الجنسية، بعد خروجه بسيارته من مقر عمله على طريق الخرج بمدينة الرياض»، مؤكدة أن «التحقيقات الأولية أظهرت أن الجناة أقدموا على ارتكاب جريمتهم تأييداً لتنظيم «داعش» الإرهابي، وتدربوا على ذلك قبل تنفيذ الجريمة بأسبوعين».
بذلت جهود كبيرة، قادتها وزارة الداخلية لمواجهة الفكر الإرهابي تمثلت في التصدّي للمخططات وضبط الخلايا ومطاردتها وتوجيه ضربات استباقية لها، إضافة إلى تعزيز المسار القانوني، عبر محاكمة المتهمين، كما على الصعيد الفكري والثقافي من خلال تنفيذ سلسلة نشاطات لمواجهة الفكر المتطرف والتكفيري.
وأشار الباحث المختص في الجماعات المتطرفة والإرهاب الدكتور منصور الشمري إلى صعوبة معرفة أعداد المشاركين السعوديين في مناطق الصراع العربية، مثل سورية والعراق حالياً، أو أوضاعهم الاجتماعية بدقة عالية حتى عام 2014.
وقال لـ «الحياة»: «إن هذه مسائل لا تكون بين يدي الباحث، إلا أنه من خلال التتبع للتقارير الإعلامية فإن عدد المشاركين السعوديين يصل إلى نحو 1500 سعودي، غالبيتهم بين 18 و 35 سنة».
وأضاف: «هؤلاء يتقاتلون في ما بينهم، فبعضهم ينتمي إلى «داعش» وآخرون إلى «جبهة النصرة». وهناك من ينتمي إلى جماعات ومليشيات أخرى، وتبقى المسألة أكثر تعقيداً مع بقاء «داعش» تحديداً لفترة أطول من الزمن». ويعمل «داعش» على توظيف التقنية الإعلامية للوصول إلى المجتمع السعودي، من خلال «تويتر»، مثلاً عبر الدخول والمشاركة في الوسوم المتعددة والمختلفة (Hashtags)، وبطرح قضية اجتماعية ما، فتصل المشاركات التحريضية بهذا الوسم إلى أعداد مليونية، وتدار بأسماء سعودية، لكن مع تتبع الجهات المهتمة بالتطرف والإرهاب تكون مصدر غالبية هذه المشاركات من خارج السعودية».
وذكر الباحث أن «داعش» يبثّ الكثير من المقاطع عبر «يوتيوب»، التي تصوّر بعض الشباب السعودي المنضم إليها، كبثّ صورة لشاب يقوم بتقطيع جواز سفره، أو الدخول إلى مواقع قتالية، وتسجيل أصوات بلهجات سعودية، وعند تحليل مضمون هذه التسجيلات نجد أن الرسالة التي تريد داعش إيصالها هي: أن «داعش» يقوم على السعوديين، لكن في الواقع لا يوضعون في مواقع قيادية، كما في الحالة الأفغانية مثلاً».
وأوضح أن السعودية «تشهد تفاعلاً كبيراً عبر شبكات وسائل التواصل الاجتماعي، فالتقارير الإعلامية تشير إلى أن عدد مستخدمي هذه الشبكات في السعودية وصل إلى نحو 10 ملايين مستخدم. بينما حقّق «يوتيوب» 190 مليون مشاهدة يومياً من أصل 240 مليون مشاهدة في الشرق الأوسط، وهذا التفاعل أصبح له ضريبة، فكثير من الذين ذهبوا إلى مناطق القتال في سورية والعراق كانوا متأثرين بشخصيات افتراضية على شبكات التواصل الاجتماعي، قامت بتسهيل مهمة خروجهم ووصولهم إلى «داعش» وبعض الجماعات المسلحة الأخرى. ومن ثم القيام بعمليات قتالية أو عمليات كتفجير النفس».
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه