حولت العديد من المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي إلى «بسطة إلكترونية» يعرض فيها التجار البضائع كافة ابتداء من الغالي والنفيس وانتهاء بأبسط الاحتياجات وأرخصها.
لم يعد التسوق من الأسواق التقليدية الأسلوب الوحيد للبيع والشراء في دمشق. فبسبب الظروف الأمنية التي تمر بها البلاد وكثرة الحواجز في العاصمة، دخل أسلوب التسوق الإلكتروني لينافس الأسواق الشامية العريقة. ولم تؤثر حالة الحرب التي تعيشها المدن السورية على النواحي السياسية والاجتماعية فحسب، بل أصبحت تتدخل أيضاً في أدق التفاصيل الحياتية للسوريين، وتفرض أنماطاً جديدة للحياة للتأقلم مع هذه الظروف.
وبرغم المتعة الكبيرة التي يحققها أسلوب التسوق التقليدي، وبخاصة في دمشق التي لطالما وصفها الرحالون بـ «مدينة الدكاكين»، إلا أن الظروف الأمنية التي تعيشها البلاد أدت إلى عزوف الكثيرين عن النزول للتسوق المباشر، والاكتفاء بالتسوق الالكتروني. وهكذا تحولت العديد من المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي إلى «بسطة إلكترونية» يعرض فيها التجار البضائع كافة ابتداء من الغالي والنفيس وانتهاء بأبسط الاحتياجات وأرخصها. وأصبح رياض (45 عاماً)، الذي يعمل في مجال بيع الألبسة النسائية واحداً من هؤلاء الذين تحولوا إلى «السوق الإلكترونية» في عرض بضائعهم.
أما عن أسبابه في ذلك فيقول: «لقد خسرتُ منزلي ومحلي التجاري في الاشتباكات الدائرة في منطقة داريا، والتي مازالت مستمرة حتى الآن. ولم أجد سوى هذا الحل الذي يعتبر مجانياً».ويتحدث رياض عن تجربته في السوق الإلكترونية قائلاً: «في البداية وجدت صعوبة كبيرة في عرض البضاعة ووصولها إلى أكبر عدد ممكن من الزبائن إلا أن صفحات التواصل الاجتماعي التي انتشرت بكثرة وأصبحت رائجة بين النساء خاصة، حلت المشكلة وأصبح لديّ زبائني الذين ينتظرون عرض البضاعة الجديدة».
وتعدّ ظاهرة التسوق الإلكتروني محط جدل لدى شريحة كبيرة من أفراد المجتمع السوري، وخصوصاً الدمشقي، شأنها في ذلك شأن الكثير من الظواهر الجديدة التي طرأت عليه بسبب الحرب الدائرة على الأرض السورية.
وتتحدّث هنادي (23 عاماً) عن إيجابيات هذه الظاهرة قائلة: «لقد حل التسوق الإلكتروني الكثير من المشاكل التي تواجه النساء في دمشق. فأنا واحدة من النساء اللواتي عزفن عن النزول للأسواق بسبب الاضطرابات الأمنية التي تعيشها البلاد والخوف من قذائف الهاون الطائشة والمترامية».
وتضيف هنادي سبباً آخر لتفضيلها التسوق الإلكترونية على الذهاب للأسواق الدمشقية وهو «الازدحام الكبير الذي تسببه الحواجز الأمنية التي قطعت أوصال المدينة وصعوبة الحصول على المواصلات... أما الآن فقد أصبح بإمكاني وأنا في بيتي رؤية البضائع والتعرّف على كل جديد في عالم الموضة».
أما نبال (30 عاماً) والتي تصف نفسها بمهووسة التسوق الالكتروني فترى أن «عالم التسوق عبر الإنترنت أتاح منافسة كبيرة بين التجار وبأسعار تعتبر أرخص من السوق التقليدي، كما أنه يمكن أن يبيع الفرد بعض الحاجيات المستعملة واستفادة ذوي الدخل المحدود والمهجرين من مناطق الاشتباكات من ذلك دون الحاجة إلى نزول كل من البائع والشاري إلى أسواق البالة وما قد تشكله من إحراج إلى حد ما».
في المقابل يجد الكثيرون أن ظاهرة التسوّق لها العديد من السلبيات التي تجعلها غير مقبولة لديهم، حيث أتاحت مجالاً واسعاً لعمليات النصب والاحتيال وخاصة في ظل عدم وجود قانون رسمي يحمي كلاً من البائع والشاري.
ويتحدث رياض (25 عاماً) عن تجربته في التسوق «لقد صدمت بالكثير من عمليات النصب التي تتخلل هذا الأسلوب، فأحياناً يتم عرض بضاعة مختلفة أو تحتوي على بعض العيوب من دون ذكر ذلك في الإعلان، كما أنه قد يتم بيع البضائع بسعر أغلى بكثير مما توجد عليه في الأسواق التقليدية».
تحديات كثيرة يواجهها هذا الأسلوب الوليد في سوريا أهمها ضعف شبكة الإنترنت عموماً، وانقطاع الكهرباء في معظم المناطق، والأهم من كل ذلك أن هذه الخدمة غير موجودة نهائياً في بعض المناطق. أضف إلى ذلك أن أسلوب إتمام عملية البيع من ناحية توصيل البضائع والدفع مازال يعتمد على الطرق التقليدية المباشرة، الأمر الذي تم تجاوزه في الكثير من البلدان الأخرى التي تعتمد هذا الأسلوب.
والمقصود هنا استخدام البطاقات الائتمانية والإرسال عن طريق البريد، الأمر الذي لا يمكن تحققه في الظروف الأمنية الحالية في سوريا، بالإضافة إلى أن استخدام البطاقات الائتمانية لا يزال حكراً على الطبقة الغنية.
جريدة السفير نقلا عن «دويتشه فيلله»