25-11-2024 12:38 AM بتوقيت القدس المحتلة

ريف حمص.. حيث الجغرافيا ترسم خطوط الحرب

ريف حمص.. حيث الجغرافيا ترسم خطوط الحرب

على عكس هدوء مدينة حمص، والذي تخرقه أصوات المعارك المتقطعة الآتية من محيط حي الوعر في ساعات الليل، يعيش أبناء مناطق واسعة في ريف حمص على وقع معارك يوميّة

"السفير" في "عاصمة الثورة" (2)

 

علاء حلبي

 

على عكس هدوء مدينة حمص، والذي تخرقه أصوات المعارك المتقطعة الآتية من محيط حي الوعر في ساعات الليل، يعيش أبناء مناطق واسعة في ريف حمص على وقع معارك يوميّة، اختارها القدر، ورسمت خطوطها الجغرافيا، لتتحول أراض زراعية ومنازل بسيطة إلى ساحات للقتال.

«الحرب في حمص لم تنته بعد، فبالرغم من سيطرة الجيش على كامل أحياء المدينة (باستثناء الوعر) ما زالت مناطق واسعة من الريف خارج السيطرة»، يقول مصدر عسكري شارحاً على خريطة محافظة حمص خطوط التماس بين مناطق سيطرة الجيش السوري والفصائل المسلحة، مضيفاً ان «الريف الشمالي لحمص، والريف الشمالي الشرقي الممتد نحو ريف حماه ما زال خارج سيطرة الجيش تقريباً، باستثناء طوق يحيط بالمدينة، ومناطق اخرى تؤمن مدينة حمص».

ويوضح المصدر العسكري لـ «السفير» أن القتال في الريف صعب للغاية بسبب «وجود طرق إمداد دائمة للمسلحين عبر تركيا».

ويقول «قبل السيطرة على القصير والحدود مع لبنان كان الوضع أكثر سوءًا، أما الأوضاع الآن فتبدو هادئة إلى حد ما. حدود السيطرة واضحة. ثبتنا مواقعنا بقوة لمنع أي تقدم لهم، بانتظار عملية عسكرية واسعة تصل إلى الحدود مع تركيا».

ويسيطر المسلحون على منطقة الدار الكبيرة، الأقرب إلى حمص، والتي اختار قسم من مسلحي حمص القديمة التوجه إليها، كما أنهم يسيطرون على تيرمعلة والغنطو وتلبيسة في شمال المدينة، ويتمدد وجودهم نحو الرستن، لتمتد مناطق نفوذهم نحو ريف حماه، حيث توجد الجبهات الأكثر اشتعالاً (مناطق تمدد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» - «داعش» و «جبهة النصرة»).

ويشدد المصدر العسكري على أن «أبناء الريف يدافعون عن أرضهم في وجه المسلحين»، موضحاً أن قرى كثيرة تعرض سكانها للتهجير على يد المسلحين، وابرزها كيسين، العامرية، الدوير (ذات غالبية مسيحية)، الحصن، الزارة، الغنطو، أم شرشوح، ام جامع، الأمر الذي دفع بأبناء هذه القرى إلى تشكيل لجان شعبية للدفاع عن أراضيهم، وتم لاحقاً ضمها تحت جناح قوات «الدفاع الوطني»، والتي تم إعلان تشكيلها بشكل رسمي مطلع العام 2013، كقوات مؤازرة للجيش السوري.

ومن أشهر القرى التي يقاتل أبناؤها، وتعتبر على خط النار: كفرنان، جبورين، (شمال حمص) والمشرفة (شمال شرق المدينة) التي تعتبر خط الدفاع الأول عن حمص في وجه المسلحين القادمين من ريف حماه.

ويبدأ الطريق إلى المشرفة، التي تبعد نحو 18 كيلومتراً عن حمص، من شارع الستين.

تمر السيارة عبر حي عشيرة. «هنا وقعت عشرات حالات الخطف»، يقول مرافق عسكري. يخفف السائق السرعة ليفسح المجال لمرور دبابة كانت تعبر طريق المعبد نحو حمص، و»يبدو أنها آتية من إحدى جبهات القتال»، بحسب ما يقول السائق، قبل أن يسرع مجدداً، ليمر بعدها عبر حاجز شهير يدعى «حاجز الجابرية»، الذي يقع على مفترق للطرق تقف عنده بضع سيارات تابعة للصليب الأحمر الدولي.

ويعلق المرافق العسكري «هذه السيارات تستعد للدخول إلى مناطق سيطرة المسلحين في الريف الشمالي».

ما إن تصل السيارة إلى قرية المشرفة حتى يلوح من بعيد تل ترتفع عليه جدران أثرية، فيما يشرح المرافق «هذه قلعة المشرفة. هنا كان مقر مملكة قطنا الشهيرة، وهي تعود إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد».

تتوقف السيارة عند باب مقر قيادة العمليات العسكرية لينضم إليها مرافق من أبناء القرية، ثم تنطلق في أرجاء القرية التي تضم أكثر من 40 ألف نسمة.

«في هذه القرية السورية كل الطوائف والأطياف، حيث يقطنها المسلم والمسيحي منذ زمن بعيد، وتضم كنيستين وبضعة مساجد»، يشرح المرافق العسكري الجديد ويدعى حسين خراب، ويلقب بأبي حلا.

يسترسل أبو حلا خلال شرحه عن قريته فيما تمر السيارة ببضعة منازل ترفع صوراً لشبان قتلوا خلال المعارك. ويقول «أبناء القرية يدافعون عنها. جميعنا هنا نقف صفاً واحداً في وجه التكفيريين». نتوقف عند نقطة عسكرية على جبهة متقدمة، حيث يتمترس المدافعون عن القرية في منزل من طابقين، فيما طل صاحب المنزل ملقياً التحية قبل أن يغادر.

على سطح المنزل يشير أبو حلا، وهو مهندس ترك وظيفته والتحق بالقوات المدافعة عن القرية، إلى قوس يمتد من شمال شرقي القرية إلى الجنوب الغربي، موضحاً «جميع تلك المناطق يسيطر عليها المسلحون»، مضيفاً «يقاتل على هذه الجبهات المفتوحة فصائل مختلفة من جبهة النصرة إلى داعش إلى الجيش الحر، كما تتعرض القرية بشكل مستمر للقصف من قبل المسلحين. في آخر مرة سقطت القذيفة على مدرسة القرية ليرتقي أحد الطلاب شهيداً».

وتتوزع على محيط القرية، من شمالها الشرقي إلى جنوبها الغربي، أكثر من 20 نقطة دفاعية متقدمة، ويتم إخلاء بعض المواقع خلال النهار. ويوضح المرافق «لا حاجة لتواجدنا فيها أثناء النهار، إذ نتمكن من رصد تحركاتهم جيداً من مواقعنا هنا، إلا أنه ومع حلول الليل تصعب الرؤيا بسبب الضباب تارة والأشجار تارة أخرى فنضطر للتوزع على تلك النقاط».

تعرضت القرية منذ بداية الأحداث قبل حوالى الأربعة أعوام لعدد كبير من الهجمات، وشهدت «مجزرتين» راح ضحيتهما عائلتان كاملتان، وهو أمر دفع أبناء القرية الى تنظيم عملهم المسلح في الدفاع عنها، حيث تمكنوا حتى الآن من صد عشرات الهجمات العنيفة، ومنع وصول عدة سيارات مفخخة، بالإضافة إلى تنفيذ عدد من العمليات في محيطها، كان أبرزها السيطرة على بئر القرية الذي سيطر عليه مسلحون، ليكتشف السكان في وقت لاحق أنه تم تسميم البئر.

يدرك سكان القرية أن معركتهم هي «معركة وجود»، حيث يدافع كل مقاتل منهم عن بيته وأرضه. ويقول احد العناصر «هناك قرب تلك التلة تقع أرضي، لا أستطيع الوصول إليها في الوقت الحاضر، وهناك أرض أخي. صحيح أنني لا أستطيع الوصول إليها، إلا أنني لن أسمح لهم بالسيطرة عليها، ولو لدقيقة واحدة».

ويعمل معظم سكان القرية في الزراعة، وتنتشر في محيطها بساتين المشمش والزيتون والكرمة، كما يعمل عدد كبير من شبانها في مدينة حمص، كموظفين حكوميين أو في القطاع الخاص، حالهم كحال معظم سكان الريف الحمصي الفقير. وفي حين منعت الحرب الكثير من السكان من متابعة العمل في أراضيهم، إلا أنهم لم يتخلوا عن قريتهم.

يقول أبو حلا، بنبرة فخر، «على الرغم من أن معظم القرى المجاورة (عين حسين، ديرفول، الزعفرانة وصولا إلى السعن) بيد الفصائل المسلحة، إلا أنهم لم يتمكنوا من التقدم خطوة واحدة نحو القرية».

وعن سبب نجاحهم في صد الهجمات، يقول القائد الميداني «لأننا ببساطة ندافع عن أرضنا»، مضيفا «كما أن الكثير من سكان المناطق التي يسيطر المسلحون عليها يساعدوننا، حيث نرصد جميع تحركاتهم بشكل يومي، ونقوم باستهداف أي تحرك نحو القرية وإحباطه».

وعلى الرغم من وقوع المشرفة على خط تماس مباشر مع المسلحين، إلا أنها شكّلت وإلى فترة قريبة مركز استقبال للنازحين من القرى المجاورة، وحتى من بعض أحياء حمص التي شهدت معارك في أوقات سابقة. ويقول أبو حلا «لدينا في القرية عدة عائلات من محافظات أخرى كحلب وإدلب».

يدرك السكان جيداً الأهمية الإستراتيجية والجغرافية لقريتهم، التي تعتبر بوابة حمص الشمالية الشرقية، وتعني السيطرة عليها تأمين مدخل حمص من جهة، وطرق الإمداد نحو السلمية في ريف حماه ومنها إلى حلب من جهة أخرى. كما يعرفون جيداً أن حربهم قد تطول، إلا أنهم اعتادوا حياة الحرب. ويقول أبو حلا «فقدت القرية أكثر من 250 شاباً من أبنائها سقطوا خلال دفاعهم عن قريتهم وعائلاتهم». ويضيف «رغم ذلك مازلنا نؤمن أننا منتصرون، لا محال، فنحن أصحاب الحق وأصحاب الأرض».


http://assafir.com/Article/1/393003

 

موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه