رداً على سؤال يرتبط بأهداف إيران من مناوراتها العسكرية غير المسبوقة من حيث الحجم، على مساحة تبلغ مليونين ومئتي ألف كيلومتر مربَّع، في المناطق التي تفصلها برِّياً ومائياً عن أفغانستان وباكستان وخليج عدن ومضيق هرمز.
أمين أبو راشد
رداً على سؤال يرتبط بأهداف إيران من مناوراتها العسكرية غير المسبوقة من حيث الحجم، على مساحة تبلغ مليونين ومئتي ألف كيلومتر مربَّع، في المناطق التي تفصلها برِّياً ومائياً عن أفغانستان وباكستان وخليج عدن ومضيق هرمز، أجاب عضو مجلس الشورى الإيراني عباس علي منصوري: إيران تقوم بهذه المناورات بعيداً قدر الإمكان عن جوارها الخليجي كي لا تستفزّ أحداً من جيرانها، وفي الوقت الذي تنفتح على الغرب في الملف النووي، فهي مُلزمة بإيصال رسائل أنها على جهوزية تامة للدفاع عن أراضيها في حال تعرَّضت لأي عدوان وواجبنا أن "لا ننام كي ينام شعبنا آمناً".
وردّاً على سؤال آخر، عن نوعية الأسلحة التي ظهرت في المناورات، بين أميركية من بقايا عهد الشاه، وروسية، ومحلِّية، أجاب منصوري: نحن اعتمدنا "الهندسة العكسية" للأسلحة الأميركية في صناعة أسلحتنا المحلِّية وأعطى مثالاً عن الإبداع المحلِّي الإيراني عبر تصنيع صاروخ "شلمتشة" الذي توصَّل إليه العلماء الإيرانيون كبديلٍ عن صاروخ "هاغ" الأميركي الصنع، كذلك تطويرهم لرادار "ثامن" واحد وإثنين، إضافة الى قدرات الرصد العالية التطوُّر لمواجهة التهديدات البحرية وتأمين الملاحة من الخليج الى المحيط الهندي،وعدَّد أمثلةً عن الصواريخ والمدمرات والغواصات والزوارق الفائقة السرعة والطائرات بدون طيَّار، بحيث بات بإمكان إيران الحديث بكل ثقة عن إكتفاء ذاتي في موضوع التسلُّح.
لا تقتصر "الهندسة العكسية" التي اعتمدتها إيران على بناء ترسانة أسلحتها باستفادتها من الأسلحة الأميركية المتبقية لديها و"معاكستها"، بل هي تمارس أيضاً الهندسة المعاكسة سياسياً منذ قيام الثورة الإسلامية عام 79، وقررت عكس الدول الخليجية، السير بالمواجهة لسياسات أميركا في المنطقة وذهبت بعيداً في رفض الإستكبار الظالم ودفعت الثمن عقداً من الحصار غير المسبوق على شعبها واقتصادها وفجَّرت طاقاتها الذاتية وانتصرت.
لم ترضَ إيران على نفسها أن تكون حارساً لمصالح أميركا في المنطقة كما ارتضت العروش الخليجية لنفسها ولشعوبها، ولم ترضَ بِوَأدِ القضية الفلسطينية والإعتداءات الصهيونية المتمادية على المقدَّسات، بل أعلنت منذ اليوم الأول لقيام الثورة أن إسرائيل كيانُ غريب ويجب إزالته وأن أميركا هي الشيطان الأكبر، وقدَّمت بسخاء المال والأسلحة والدعم السياسي والعنوي للقضية الفلسطينية في الوقت الذي كانت فيه جامعة الدول العربية كما النعام الغارقة رؤوسها في رمال الذلّ.
"الهندسة العكسية" الشاملة اعتمدتها إيران بذكاء، وفي الوقت الذي كان فيه الملف النووي الإيراني مصدر إزعاج لأميركا والغرب، ومصدر رُعبٍ مبرَّر لإسرائيل، وغير مبرَّر لدول الخليج التي ابتاعت بنحو 118 مليار دولار من الأسلحة لمواجهة "إيران النووية"، وفي الوقت الذي كانت فيه إيران تطوِّر تخصيب اليورانيوم بقدرات علماء الفيزياء النووية الإيرانيين، كانت تعمل أيضاً على بناء القدرات الإنتاجية المحلية في صناعة الأسلحة كردَّة فعلٍ على الحصار، ونجحت الى حدٍّ كبير، بدليل أن دول الخمسة زائد واحد تطرَّقت على هامش المفاوضات النووية الى مسألة الصواريخ الإيرانية المتطوِّرة، فجاء الردُّ سريعاً من مرشد الثورة أن القدرات الصاروخية الإيرانية خارج إطار أي بحث، وأن طموحات إيران النووية هي للإستخدام السلمي لأنها دينياً ترفض اقتناء أسلحة دمارٍ شامل تقضي على الأبرياء في أية حربٍ قد تُستدرج إليها.
كل هذه الإنجازات الإيرانية العملاقة ما كانت تحقَّقت، لولا صبر الشعب الإيراني على الضيم الظالم وحياة التقشُّف التي عاشها بإيمان دينيٍّ أولاً وقوميٍّ ثانياً، وسط "حرتقات" التحريض على النظام خلال ولاية الرئيس العنيد محمود أحمدي نجاد الذي عرف بإرشادات المرشد وولاء الحرس الثوري والدعم الشعبي كيف يعزِّز روح مواجهة الغرب على مستوى الدولة والشعب.
واليوم، وفيما إيران تجني ثمار عزَّتها وكرامتها، وتغدو الدولة الإقليمية التي تُحسَب لها كل الحسابات عن دورٍ كبير يحتاجه الغرب في مكافحة الإرهاب، ترفض أن تكون ضمن تحالفٍ غربي لمحاربة داعش، لأن أميركا لا تحارب هذه الجماعات الإرهابية بل تحارب بها، وتُمعِن في تمزيق الدول الإسلامية كما صرَّح ممثِّل الوليّ الفقيه وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني السيد علي شمخاني.
وإذا كانت بعض دول الخليج ، قد سارت مع التيَّار الأميركي والغربي في كافة التوجّهات التدميرية تحت مسمَّى الربيع العربي، وتدَّعي محاربة إرهابٍ من صنيعتها وتمويلها، فإن إيران تبدو مرتاحة لموقعها وأمنها وإقتصادها رغم مؤامرات التلاعب بأسعار النفط لترويضها، وليس الملف النووي الإيراني هو الكابوس الوحيد الذي يقضُّ مضجع أميركا ولا فقط حاجتها الى إيران في محاربة الإرهاب، بل هناك استحقاق الإنسحاب الأميركي من أفغانستان، وتبدو فيه إيران خشبة الخلاص لإنسحابٍ أميركيٍّ آمن، وستجد أميركا نفسها مستقبلاً في كافة الملفات الشرق - أوسطية بحاجة الى إيران خاصة في العراق أو سوريا لأن الفارس الفارسي بات وحده سيِّد الميدان...