يراقب قائد عسكري حي الوعر في حمص بمنظاره من نقطة عسكرية مرتفعة في محيط الحي (برج الغاردينيا). يرصد تحركاً مشبوهاً فيعطي أمراً بإطلاق النار عليه منعاً لأي تقدم
«السفير» في «عاصمة الثورة» (3)
علاء حلبي
يراقب قائد عسكري حي الوعر في حمص بمنظاره من نقطة عسكرية مرتفعة في محيط الحي (برج الغاردينيا). يرصد تحركاً مشبوهاً فيعطي أمراً بإطلاق النار عليه منعاً لأي تقدم.
هذا الحي، بحسب ما يقول القائد العسكري لـ«السفير»، هو «المعقل الأخير للمسلحين»، مضيفاً «نحن نحاصره من جميع الجهات، ونقوم برصد أي تحرك لهم».
ويضم حي الوعر، الذي يقع في خاصرة حمص الغربية نحو 300 ألف نسمة، بحسب إحصاءات المعارضة، ويعتبر آخر معاقل المسلحين في المدينة، التي كانت تسمى «عاصمة الثورة».
ولا يستطيع المسلحون تنفيذ أية هجمات من داخل الحي، فالحصار الذي يفرضه الجيش السوري وقوات «الدفاع الوطني» يعتبر مطبقاً بشكل كامل.
ويتمركز الجيش في محيط الحي، الذي تأخرت الأحداث فيه مقارنة ببقية أحياء حمص التي كانت مشتعلة. ويضم مدينة معارض، وكتل سكنية حديثة. ويعتبر برج الغاردينيا (مبنى شاهق الارتفاع قيد البناء)، ومبنى المستشفى الوطني الجديد، الذي لم يفتتح بسبب الأحداث في سوريا، أهم نقطتين لرصد الحي، ومنع أي اختراق أمني ينطلق منه نحو مدينة حمص التي باتت بشكل كامل في قبضة الجيش السوري.
ويقول القيادي العسكري «وجود هذا الحشد البشري يمنعنا من دخوله بالقوة»، مضيفا «هناك عوامل أخرى أيضا تمنعنا من ذلك. لقد تعلمنا من خلال تجربتنا في حمص أن الحصار مجد، ولا يكلفنا عناصر بشرية، كما يقلل من عدد الضحايا»، في إشارة إلى السيناريو الذي تم في حمص القديمة، حيث أجبر المسلحون في نهاية المطاف على ترك المنطقة والخروج منها بوساطة أممية، ليعود الحي إلى سيطرة الحكومة من دون معارك كبيرة.
وإضافة إلى وجود المدنيين، فثمة، بحسب القيادي، عوامل أخرى تحول دون اقتحام الحي عسكرياً في الوقت الحالي «منها مثلاً مرور خطوط الكهرباء التي تغذي حمص عبر الريف الشمالي، ما يعني أن المسلحين سيقطعون التيار عن كامل المدينة في حال بدء المعارك، إضافة إلى استهداف أحياء حمص بالقذائف، ما يعرض حياة المدنيين للخطر».
ويتم من برج الغاردينيا رصد تفاصيل حي الوعر بشكل كامل، ويوضح الفرق بين الحي ومحيطه. ففي حين تبدو الحياة متوقفة في الحي، يظهر في حي الغوطة، على الجهة المقابلة، الازدحام في الطرقات. ويقول القيادي «هذا هو الفرق».
وبالتزامن مع الحصار المطبق الذي يفرضه الجيش السوري والفصائل التي تؤازره، تتسرب بين حين وآخر تفاصيل مفاوضات تجري بين الحكومة من جهة، والفصائل المسلحة من جهة أخرى للاتفاق على خروج المسلحين وفك الحصار، إلا أن هذه المفاوضات لم تخرج حتى الآن بنتيجة واضحة، رغم سماح الحكومة، أكثر من مرة، بإدخال المساعدات الغذائية إلى الحي كبادرة حسن نية، وهو أمر زاد من حنق الشارع الحمصي ضدها، ليصل في بعض المراحل إلى حد اتهام محافظ حمص بكسر الحصار، وتأجيل الاتفاق بسبب وصول هذه المساعدات في النهاية إلى أيدي المسلحين.
ويبرر مصدر حكومي هذا الأمر بالقول إن «الحكومة لا تتعامل مع أي ملف بمنطق العصابة أو ردة الفعل. هناك آلاف العائلات بحاجة إلى طعام، وهم من مسؤولية الحكومة، لذلك يتم إدخال هذه المساعدات»، موضحا أن «تعامل الحكومة إنساني بالدرجة الأولى»، مضيفا أن «تصبر لوقت أطول ويحصل الاتفاق ويخرج المسلحون خير من سقوط الضحايا واتساع رقعة الدمار».
وبالرغم من التعامل «الإنساني»، الذي تدير عن طريقه الحكومة هذا الملف، إلا أنها وفي الوقت ذاته لا تسمح بأي تحرك للفصائل التي تتقاسم السيطرة على الحي، («كتائب الفاروق»، «كتيبة الأنصار»، «فيلق حمص»، «جبهة النصرة».. وغيرها) بخرق الحصار. ويوضح القيادي العسكري أن «التعامل الإنساني هو لهؤلاء المدنيين الموجودين في الداخل، ومن يرمي السلاح من المسلحين، أما من تبقى فهم قيد الرصد، سواء عبر استهداف مراكزهم بالطيران، أو عن طريق رصد تحركاتهم».
ويوضح الأب ميشال نعمان، أحد الوسطاء في قضية حي الوعر، في حديثه لـ «السفير»، أن «من يقوم بعرقلة سير المفاوضات هم بعض المسلحين، وذلك بسبب مصالح شخصية ومكتسبات مادية آنية»، في إشارة إلى الاتجار بالموارد الغذائية والطبية وغيرها، مضيفا «هؤلاء لا يريدون أن يضحوا بمكتسباتهم الضيقة».
وعن شكل المصالحة، في حال تمت من دون عمل عسكري، يقول نعمان «لا وعر مع وجود المسلحين، أي أن الوعر لن يكون بخير طالما هم فيه، ولن تقبل الدولة وجودهم فيه».
وفي سياق موازٍ، تسهل الحكومة السورية خروج المدنيين من الحي. ويقول القيادي إن «خروجهم يسرع من العملية. المسلحون يعرفون ذلك لذلك يعرقلون هذه العملية»، مضيفاً ان «عائلات كثيرة خرجت من الحي منذ بدء الحصار».
وفي حي الإنشاءات بحمص، تجلس أم تيم وأبناؤها الثلاثة بعد أن خرجت من حي الوعر بتسهيل من الجيش السوري. وتقول «لم أرغب بترك منزلي منذ بداية الأحداث، لأنه كل ما أملك»، مضيفة «قبل دخول النازحين من أحياء حمص المشتعلة إلى الحي كنا نعيش بهدوء تام، بعيداً عن المشاكل، إلا أنه وفي ما بعد بدأ المسلحون بالتغلغل بيننا، ليصبحوا في وقت لاحق سادة الموقف».
تشرح أم تيم تفاصيل الحياة التي كانت تعيشها في الحي. وتقول «المسلحون يتحكمون بالطعام، بالخضار والفاكهة التي تسمح الحكومة بإدخالها، يصادرونها ويبيعونها للمواطنين وفق مزاجهم». وتضيف «أي منزل في الوعر معرض للسرقة بحجة التفتيش والاشتباه بالتعامل مع الدولة. جارنا أخرجه المسلحون من منزله بحجة تفتيشه، وقاموا بسرقة مصاغ ذهبي وجهاز كومبيوتر محمول، لم تعد تطاق الحياة هناك، لذلك خرجنا».
تنتظر أم تيم وأبناؤها كل يوم أن تجري المصالحة لتعود إلى منزلها، الذي تصفه بكلماتها البسيطة «جنى عمرنا». تربّت على كتف ابنها الصغير بعطف، في وقت يحل فيه المساء على المدينة، لتعلو معه أصوات الاشتباكات القادمة من محيط الحي، الذي ينتظر مصالحة تمثل «السقوط الأخير» للمسلحين في «عاصمة الثورة».
http://assafir.com/Article/1/393248
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه