هذه الظاهرة من خصوصيات المشهد الأميركي، "لأن الثقافة الاميركية تمجد الذاتية الفردية، وانجيل الرخاء يدعو الناس الى التركيز على انفسهم... ولسوء الحظ، صدّرت الولايات المتحدة هذا الصنف من المسيحية الى دول العالم
حذار، ايها المؤمنون! وسّعوا عيونكم، وفتّحوا آذانكم بحثاً عن تلك العلامات: "ملابس مبهرجة براقة، سيارات فاخرة، مقار مترفة، طائرات او زوارق ضمن الممتلكات الشخصية". ومن النصائح ايضا، "استمعوا من وقت لآخر الى العظة، للتحقق مما اذا كانت تؤيد ما يُسمّى "إنجيل الرخاء".
في ملاحقة القساوسة "المحتالين" وفضحهم، تعلّم اولي انتوني وبيت ايفنز "الصبر والانتظار لما يخطط له الله". الاميركيان في معركة جديّة ضد "الاحتيال الديني"، وصولا الى ابراز البراهين امام القضاء. "خداع"، متلفز وغير متلفز، "ارباحه" بملايين الدولارات، ضحاياه بالآلاف... "واللبنانيون ليسوا محصّنين ضده".
رجلا "ترينيتي فاوندايشن" (Trinity Foundation) ■ القويان مشهود لهما، ولهما السمعة والمكانة في الدوائر الاميركية. أنتوني هو الرئيس مدير التحقيقات، وايفنز رئيس المحققين، ولا يثنيهما تهديد ولا وعيد. "طوال اعوام تحقيقنا، كان لنا الدور الرئيس في ارسال قس واحد، هو الواعظ الانجيلي التلفزيوني دابليو.ف.غرانت (W.V.Grant)، الى السجن، بتهمة التهرب من دفع الضرائب. كذلك كنا القوة وراء فضح عدد من الوعاظ واعمالهم السيئة عبر التلفزيون الوطني"، يفيد إيفنز "النهار".
أحد اشهر تحقيقاتهما الاخيرة تناول 6 وعاظ تلفزيونيين، "ودفع بلجنة المال في مجلس الشيوخ الأميركي الى التهديد بإصدار مذكرات استدعاء تجبرهم على المثول أمامها". والستة المعنيون هم بيني هين، الذي "يزعم الشفاء بالايمان"، كينيث كوبلند، كريفلو دولار، بولا وايت وزوجها راندي، "الاسقف" ايدي لونغ، وجويس ماير. ويفيد ايفنز "ان اللجنة تخلت في نهاية المطاف عن تحقيقاتها، مع نتائج قليلة او لا نتائج اطلاقاً".
اللا شيء، او الشيء اليسير، من ابرز التحديات التي واجهها المحققان خلال 34 عاماً من النضال. "تحقيقاتنا في الاحتيال الديني طوال اعوام لم تكن موفقة على صعيد وقف إساءة استخدام المنظمات الدينية غير النفعية أموال المتبرعين أو إبطائها. وغالباً ما نشعر بالاحباط تجاه النتائج التي نراها"، يقول ايفنز. غير انهما يتلقيان "ردود فعل ايجابية وتشجيعاً"، ليواصلا التحقيقات، ويتصل بهما "ضحايا هذا الاحتيال وضحايا محتملون واسرهم وأصدقاؤهم بانتظام، طالبين المساعدة في فضح هذا الاحتيال".
من تحقق مؤسسة "ترينيتي فاوندايشن" معهم هم عموماً قساوسة، "عقيدتهم" معروفة بـ"انجيل الرخاء". ما يقولونه للمؤمنين هو "ان الله سيبارككم بالصحة اذا اعطيتموه بسخاء". انه المال اذاً. وأحد التحديات هو "عدم قدرتنا على ملاحقتهم بسهولة، خصوصا ان الكنائس والمساجد والمعابد اليهودية في الولايات المتحدة ليست ملزمة تقديم تقارير عامة او خاصة عن طريقة انفاق اموال المتبرعين".
تجاه هذا الواقع، يتوجب على محققي المؤسسة ان يبحثوا في "قاعدة البيانات المتعلقة بالممتلكات والطائرات والاعمال الجرمية في كل ارجاء البلاد، لإيجاد معظم المعلومات التي نحتاج اليها". ويتطلب منهم الامر حتى ان يفتشوا احياناً في "قمامة هؤلاء الاشخاص لايجاد دلائل تورطهم". تحدٍ آخر: الوصول الى ضحايا الاحتيال الديني. و"الامر صعب، نظرا الى قلة الموارد التي لدينا"، يفيد ايفنز. ولا تخلو التحقيقات من اخطار، اذ تعرّض الفريق مراراً "لمطاردات بالسيارة، ومرة واحدة على الاقل من اشخاص عرفنا انهم مسلّحون. ويبقى الخطر الاكبر تهديدنا بالملاحقة القانونية. وقد رُفعت ضدنا مراراً دعاوى في المحاكم المدنية. كذلك تلقينا عروضاً بالرشوة".
واذا كان أنتوني وإيفنز والرفاق مصممين على المضي في المعركة، فإن القساوسة المشتبه في احتيالهم لا يثنيهم شيء، على ما يبدو. ففي الواقع، الأمر يتعلق بأرباح طائلة جداً. ووفقاً لما تنقله المؤسسة عن مطبوعة "International Bulletin of Missionary Research" الاكاديمية، حقق القادة الدينيون المسيحيون وحدهم نحو 34 مليار دولار من هذا الاحتيال المالي العام 2011، في مقابل 31 ملياراً صرفه المسيحيون على مجموع البعثات".
وفي تقدير آخر لـ "Center for the Study of Global Christianity"، "يرتكب" القادة الدينيون المسيحيون ما قيمته 90 مليون دولار يومياً من الجريمة المالية، وينمو الاحتيال بنسبة 5,97% سنوياً. واذا كانت تلك البحوث صحيحة، فإن الاحتيال المالي الديني بين المسيحيين سيتضاعف خلال 14 سنة، ليصل الى 60 ملياراً سنوياً بحلول 2025".
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه