كيف يرى الرئيس بشار الأسد المشهد الدولي والإقليمي بعد مرحلة ظهور «داعش»؛ وكيف يقرأ جبهة الدول المعادية، ومنها الولايات المتحدة، بالذات، ودول الخليج وتركيا
ناهض حتر
كيف يرى الرئيس بشار الأسد المشهد الدولي والإقليمي بعد مرحلة ظهور «داعش»؛ وكيف يقرأ جبهة الدول المعادية، ومنها الولايات المتحدة، بالذات، ودول الخليج وتركيا، والملف الكردي، وخطة المندوب الأممي، ستيفان دي ميستورا لتجميد القتال في حلب؟ وما هو تقويمه لحليفيه الروسي والإيراني، وللدور المصري؟
أدلى الرئيس السوري بشار الأسد، في خطابات ومقابلات عديدة، بإجابات وإشارات؛ إنما حديثه المفتوح، في لقاء مع كوادر حزب البعث، مختلف، لا من حيث المواقف، لكن من حيث الصراحة والمباشرة والتفاصيل. في ما يلي عرض للقاء حزبي بين الأمين القطري لحزب البعث، «الرفيق بشار الأسد»، وكوادر الحزب في محافظة طرطوس، في 20 تشرين الثاني 2014؛ نشر الإعلام الرسمي، في حينه، نتفاً منتقاة منه، وحصلت «الأخبار»، أخيراً، على محضر اللقاء، وتوقفت عند أبرز مفاصله:
مرحلة « داعش»
يقرر الرئيس أن «ما يميّز هذه المرحلة، أنها مشوّشة»، لكنها «تتضح»، شيئاً فشيئاً، و«خصوصاً لدى الغرب»؛ وصلنا، يقول الرئيس، إلى «مرحلة مفصلية، لا خيار وسطاً فيها؛ فإما المضي باتجاه الهاوية بالنسبة للمنطقة كلها، وسيدفع الغرب ثمنها، وإما المضيّ باتجاه الحل».
المرحلة الحالية فيها تناقضات شغّالة ليس لها، حتى الآن، مُستَقرّ؛ جبهة الأعداء مفككة؛ (1) «فالأميركي، اليوم، هو ضد التركي: أنقرة تريد منطقة عازلة، وواشنطن ترفض ذلك»؛ جرّت تركيا أردوغان، الغرب، إلى الثقة بالإخوان المسلمين، ثم تبين أنه «لا فرق بين الإخوان والتطرف والقاعدة؛ فجميع هؤلاء يحملون مضموناً واحداً، بأشكال مختلفة»؛ (2) واحتد التناقض التركي الكردي، (3) والكردي الكردي؛ فـ«البي كي كي» ضد مسعود البرزاني، يعني أن هناك تناقضاً بين أكراد سوريا وأكراد العراق، وبين الأكراد والعرب، (4) وداعش متناقضة مع الجميع»، (5) والدول الداعمة للإرهاب متخاصمة في ما بينها؛ لكنها «متفقة على إلحاق الضرر بسوريا، إسقاط الدولة، وإسقاط سوريا».
في الإيجابي أن الاصطفاف الدولي المعادي لسوريا «مرتبك، بكل معنى الكلمة، وفاقد للرؤية، ولا يملك تصوراً للذي يحصل؛ لكن في السلبي، «أننا لا نعرف متى يمكن أن يتخذوا قراراً خاطئاً». لكن، حتى هذه اللحظة، فإن الاتجاه العام «إيجابي»؛ فأوروبا «غير موجودة، والإدارة الأميركية منقسمة على نفسها؛ الخارجية في اتجاه، والجيش في اتجاه آخر، والبيت الأبيض في اتجاه ثالث»؛ بالمحصلة يتحكم بالنقاش الأميركي الشعور بالوقوع في «الخديعة» من قبل حلفائهم: «يتحدثون علناً بأنهم خُدعوا من قبل قطر، ثم تركيا، ثم السعودية»؛ أولاً، صوّروا للأميركيين، أن قضية سوريا بسيطة؛ مجرد الضغط «لإطاحة» النظام، لصالح نظام «ديموقراطي» عميل للغرب؛ ثانياً، حين أدركوا استحالة اسقاط الدولة السورية، طرحوا الإبقاء عليها مع «تغيير الرئيس»؛ هنا «جاءت الانتخابات الرئاسية لتشكل صدمة شديدة لهم، وإنْ كانوا لا يعترفون بها في العلن، فإنهم يعترفون بها سراً».
لسان حال «التشوّش الأميركي»، كما يقول الرئيس، ينطق بالآتي: «ما هي ماهية سوريا؟ لم نستطع فهمها! ولم نستطع فهم الإرهاب! راهنّا على الإخوان المسلمين وقدرتهم على جمع الشارع الإسلامي في مقابل العلمانية، ثم اكتشفنا أننا نتعامل مع متطرفين...». ويعلق الرئيس: «هنا، قرروا العودة إلى العلمانية؛ ولكن أيّ علمانية؟».
سؤال الرئيس، هنا، يتعلق بالتفريق بين علمانية الدولة القومية، القائمة على حرية العقيدة والمساواة في إطار وحدة المجتمع وهويته القومية، وبين «علمانية» ما يسمى «المعتدلين» الطائفيين الموالين للغرب وإسرائيل.
الاتصالات بدأت فعلاًً
هنا، يعلن الرئيس أن الأميركيين والغربيين وحلفاءهم، في «حالة ضياع كامل»، أخذتهم نحو الاستدارة، «لكنه تحوّل بطيء جداً»، كونهم صعدوا أشجاراً عالية «وذهبوا بعيداً في إقناع الرأي العام الغربي بأن سوريا دولة شيطانية؛» فالتراجع، إذاً، يحتاج إلى وقت. ومع ذلك البطء في التحول الغربي، فقد «بدأ الغربيون بالتواصل معنا واللقاءات لا تنقطع؛ وهي تتم بإشراف من أعلى المستويات؛ رؤساء ورؤساء وزارات ومدراء مخابرات...» وفي هذه اللقاءات، يظهر لنا أنهم «منقسمون حول ما يجري في سوريا. والتيارات التي تريد الانفتاح علينا هي التي تتواصل معنا بمعرفة المستويات السياسية الأعلى».
الاستدارة الأميركية البطيئة
بعد خسارة الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة، لم يعد لدى الرئيس باراك أوباما ما يخسره في سياساته الداخلية؛ بدأت إدارته بالاستدارة؛ لم تتراجع لفظياً عن مطلب تغيير الرئيس في دمشق، لكنها تتساءل «إذا ذهب الرئيس (الأسد)، فمَن سيأتي؟ داعش؟ ليس لدينار خيار»!
ـ أوباما يستدير ويناور: قرر، في تصريحات علنية، أن المعارضة المعتدلة في سوريا هي «معارضة وهمية»، ثم قال لناقديه: إذا كنتم تريدون الـ500 مليون دولار، خذوها؛ ولكن، لمَن سنعطيها؟
ـ نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، فجّرها بدوره، وأعلن أن أصدقاءنا في تركيا ودول الخليج هم الذين موّلوا الإرهاب في سوريا؛ الاعتذارات اللاحقة بروتوكولية، ولا قيمة سياسية لها.
ـ الجيش الأميركي يقرر أن الجيش السوري هو الوحيد الذي يحارب الإرهاب، بصورة جدية؛ لكن، مع عدم الوصول الى الاستنتاج المنطقي، بل إلى عكسه: «لن نتعامل، بالطبع، مع الجيش السوري».
يؤكد الرئيس الأسد أننا أمام تحوّل في الغرب إزاء الموقف من الصراع في سوريا، «إنما لا يعني ذلك أن الأمور سلسة أو ذاهبة بالاتجاه السهل؛ فواشنطن، مهما تحولت، يبقى هدفها، في النهاية، أن تسيطر علينا، وتفرض ما تريد؛ بمعنى أنهم لا يريدون اليوم داعش، ويريدون ضربها، لتحل محلها ما يسمونها (القوى المعتدلة)؛ فمن أين يأتون بها؟ مَن يحارب على الأرض قوى متطرفة تحت تسميات مختلفة؛ الفارق بينها بسيط، ربما يتعلق بالرواتب التي تدفعها التنظيمات»!
في النهاية، سوف يصطدمون بالحقيقة: «هناك فراغ لا يمكن أن يملأه أحد سوى الجيش العربي السوري».
الورقة الكردية
وسط الفشل الأميركي في سوريا، أمسك الأميركيون «بالورقة الكردية؛ سيدعمون المخططات الفدرالية واللامركزية في سوريا؛ هذه ستكون القضية المستقبلية المعدة للضغط على سوريا. واقعياً، هذه الورقة ليست صالحة للاستخدام الفعلي على الأرض، ولن تنجح لأنها غير منطقية؛ فالأكراد، في أكبر منطقة يتجمعون بها، وهي الحسكة؛ لا يشكلون سوى 36 بالمئة من السكان».
يؤكد الرئيس، بالطبع، على الحقوق الثقافية؛ «نحن قمنا، في بداية الأزمة، بمنح مئة ألف كردي الجنسية، وسمحنا بتدريس اللغة الكردية. وهذا منطقي. لكنهم يريدون النص الدستوري على القومية الكردية؛ قلنا لهم هذا يلزمنا بذكر كل الأعراق والطوائف الموجودة في سوريا، وهذا يسهم في تفتيت البلد».
قطر وتركيا
من الملاحظ أن الرئيس الأسد لم يتطرق إلى الأنظمة الخليجية؛ من الواضح أن موجة المصالحات بدأت، يستبعد ذكر دول الخليج، ما عدا قطر؛ يركز على قطر بوصفها «بنكاً للإرهابيين»، أما المشروع الخطير فعلاً، فهو مشروع تركيا أردوغان؛ هذا إخونجي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى؛ «يريد تنظيف المنطقة من الكفّار، ووضع الإخوان المسلمين في قيادتها، يحكمون المنطقة، ويحولونها إلى دولة إسلامية، على طريقة الخلافة العثمانية».
تركيا تسعى إلى منطقة عازلة في شمال سوريا، «وبالنسبة إليها حلب هي الأساس؛ فإذا نجحنا في (استكمال تحرير) حلب، سقطت الخطة الأردوغانية. وإن شاء الله الأمور في حلب تتقدم إلى الأمام».
دي ميستورا... وخطة حلب
«قلنا للمبعوث الأممي الجديد، تريدون أن نذهب إلى جنيف 3 و4؟ سوف نذهب! لكن إذا كنتم تريدون نتائج؛ فالنتائج داخل سوريا؛ أجدى لدينا أن نتفاوض مع مسلح محلي يرفع السلاح في وجهنا، من التفاوض مع عميل» للقوى المعادية لسوريا. يقول الرئيس: «نحن بدأنا بالمصالحات؛ وضع دمشق جيد نسبياً، وفي حمص تم انجاز الجزء الأساسي من المصالحة؛ وفي حلب، بدأنا مفاوضات لكي يتم اخراج المسلحين على طريقة حمص». وهكذا، فخطة دي ميستورا لتجميد القتال في حلب تتناسب تماماً مع ما نقوم به. وكل ما عدا ذلك لا أساس له، لا إدارة محلية، ولا عملية سياسية»! بالطبع، لكي تنجح خطة دي ميستورا، ينبغي، أولاً، اجبار تركيا على «وقف دعم المسلحين».
وتناول الرئيس، الحراك الروسي من دون تفصيل، لكنه ألح على «واجب الجميع، الآن، هو التركيز على المصالحات المحلية في سوريا؛ فهي الأساس».
روسيا
الرئيس واثق: «الروس معنا بشكل ثابت، ولا يتغيّر؛ والموقف الروسي صلب، ويتجسد بالدعم السياسي في مجلس الأمن، وعلى الساحة الدولية، وبالدعم العسكري لقواتنا المسلحة، لكنه لا يصل إلى مستوى أن يتدخل الروس عسكرياً؛ ففي النهاية، نحن مَن يجب أن ندافع عن أنفسنا».
إيران
«... بشأن العلاقة مع إيران، يجب أن نعلم أنها معنا في التوجه الاستراتيجي العام؛ لكن يجب أن نفهم، أيضاً، أن سبب نجاح إيران على المستوى الدولي هو في الطريقة البراغماتية التي يمارسونها؛ عملياً هم صامدون في الملف السوري، ويجب أن نعلم أن العلاقة بين سوريا وإيران هي علاقة استراتيجية».
مصر
تحاول مصر أن تلعب دور الوساطة في سوريا؛ «يستلزم ذلك علاقات جيدة بالطرفين». المهم أن الضربة التي وجهها المصريون إلى الإخوان المسلمين، ساهمت، بشكل سريع في انحدارهم، وانحدار الإسلام السياسي. «يمكن وصف الدور المصري بالإيجابي. علاقاتنا مع الأجهزة الأمنية المصرية ـ حتى في أيام (الرئيس السابق محمد) مرسي ـ كانت جيدة، والآن تطورت، أولاً بفعل مجيء الرئيس عبد الفتاح السيسي، وثانياً بفعل الضربات التي تلقاها الإخوان المسلمون في مصر. وهذا ما جعل التقارب كبيراً».
الرئيس... والبعث
رغم مضي حوالى أربع سنوات على الأزمة، وتصاعد الحركة السياسية، وفي مناطق خرجت عن سيطرة الدولة؛ لم يظهر بديل حقيقي من حزب البعث.
ـ «القوميون السوريون لهم وجود»، ولكن البعث أقدر على تغطية مساحة العلاقة بين الإسلامي والعروبي.
ـ «سقوط الإسلام السياسي سيدفع نحو الأحزاب العلمانية، بشكل طبيعي؛ كذلك ارتفاع مستوى التسيّس، وتزايد قوى الاعتدال في المجتمع السوري؛ كل ذلك يعطي الحزب فرصة لتفعيل دوره، لكن ينبغي تغيير الآليات الحزبية؛ نحتاج إلى أسلوب جديد ولغة جديدة».
ـ «نحن لم ننجح في الماضي؛ نفّرنا الناس، نفّرنا البعثيين قبل غيرهم؛ أنا، شخصياً، لم أكن أحضر الاجتماعات الحزبية في الجامعة، لأنها كانت غير مقنعة وغير منتجة».
ـ «نظروا إلينا كحزب سلطة؛ والحزبي انتهازي يريد الحصول على وظيفة وسيارة الخ (...) يجب أن ننتهي من الانتهازيين؛ الأزمة ساعدتنا في هذه المهمة؛ ما سموه انشقاقات كانت عملية تنظيف جيدة جداً! إذا طهرنا الحزب من الانتهازيين، حتى لو أصبح لدينا، بدلاً من 3 ملايين عضو، 100 ألف عضو؛ فالحزب سيقوى؛ نريد رفاقاً عقائديين مقتنعين».
ـ «هناك تيارات سياسية صاعدة؛ منها تيارات موالية للدولة؛ لا بد أن نتواصل معها».
ـ «نحن حزب كبير، فيه تيارات وأفكار ورؤى؛ وبالتالي، يجب أن يكون هناك، دائماً، حوار حتى نصل إلى نتيجة؛ أعني حواراً حقيقياً على كل مستوى».
ـ « نريد تحريك القواعد، إطلاق مبادراتها، وإنشاء آلية للتواصل بين المستويات الحزبية كافة».
ـ بالنظر إلى التزامنا بقانون الأحزاب، و«ضرورة نقل تنظيماتنا ومقارّنا إلى خارج المؤسسات والقطاع العام، ينبغي إيلاء الجانب التنظيمي الأهمية التي يستحقها؛ لن يكون لنا، بعد، تنظيمات في الجامعات والمعامل والمؤسسات، ولا بد أن ننقل نشاطنا إلى الأحياء، وعملنا في الأحياء كان غائباً، ووجودنا فيها أهم من المؤسسات حيث كنا موجودين فيها كموظفين».
ـ «وأمامنا الآن مهمة تطوير الموارد المالية الخاصة بالحزب؛ تفعيل المبادرات الاجتماعية، والقيام بدور الرقابة على الأداء، ومحاربة الفساد».
http://www.al-akhbar.com/node/223057
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه