استطاعت بالحسيات، ولغة العين، وإيماءات الجسد، أن توصل رسالة تلامس شغاف القلب وعمق النفس، حتى أنك لا تكاد تتمالك نفسك في بعض اللقطات، حتى تنفجر بالبكاء، لعمق الفكرة وقيميتها العالية.
تلاشت خلالها كل الحواجز التي حجبت الشعوب بحائط منيع خسرنا فيه من أعمارنا المعرفية الكثير. الفن إحساس وشعور ورسالة، من خلاله نكسر كل حواجز الصمت السياسي وجدر الصد أمام الحضارات والثقافات الغنية تاريخيا وقيميا، فمهما حاولنا من خلال الكلام والمحاضرات أن نرسخ قيمة، أو نفعل فكرة أو نطبق نظرية، فإن ذلك يحتاج وقتاً وقابليات، وكسر الحواجز المانعة من وصول الفكرة والحقيقة، خاصة تلك المذهبية والقومية.
إيمان شمس الدين
ففي مهرجان السينما الإيرانية، الذي أقيم الأسبوع الماضي، وعلى مدى أربعة أيام، حلقنا بعيدا، حيث جمال اللقطة وإبداع اللغة الجسدية، تلاشت خلالها كل الحواجز التي حجبت الشعوب بحائط منيع، خسرنا فيه من أعمارنا المعرفية الكثير.
فالأفلام المعروضة هي من ضمن مجموعة سينمائية حازت جوائز عديدة داخل إيران وخارجها، كانت تلك الأفلام تتميز بالكثير، أهمها القيم التي استطاعت أن ترويها بصمت، معتمدة غالباً على لغة الجسد والدلالة والرمز والمعنى، وهو أمر ليس صعبا على شعب يقتات في يومياته المعرفية على عرفان الإمام الخميني، وأشعار حافظ والشيرازي والفردوسي، وعشقيات جلال الدين الرومي، إضافة لرسالية الغاية وهدفية الأفكار وعمقها، وابتعادها عن الإسفاف، واحترامها لعقل المتلقي، وعالمية خطابها، لاعتمادها على القيمة والأخلاق الجامعة لكل الناس، خاصة في معالجاتها لبعض الإشكاليات الاجتماعية بلغة بسيطة وعميقة وسهلة. فاستطاعت بالحسيات، ولغة العين، وإيماءات الجسد، أن توصل رسالة تلامس شغاف القلب وعمق النفس، حتى أنك لا تكاد تتمالك نفسك في بعض اللقطات، حتى تنفجر بالبكاء، لعمق الفكرة وقيميتها العالية.
لقد وجدت السينما الإيرانية بأدائها المتطور لها موطئ قدم في السينما العالمية، وحققت جوائز، واخترقت دور السينما الأميركية، لتكون أفلامها الأكثر مشاهدة، لاعتمادها على القيمة والرسالة الهادفة التي تحاكي فطرة الإنسان، أكثر من اعتمادها على الأكشن وعالم الغراميات المادي، رغم محرماتها الكثيرة قانونياً في داخل إيران، وبساطة أدواتها، فإنها أصبحت عالمية، وحققت إنجازات لم تحققها إباحيات السينما الغربية والأميركية، ولا ضخامة تكنولوجياتها، خصوصاً أن جل إنجازاتها الكبرى هو في بناء هوية إنسانية جامعة وقيمية، وهذا هو باختصار السهل الممتنع.
ونأمل أن تكون هذه مبادرة تعاون فني مستقبلي بين البلدين يضيف لنا ونضيف له معرفة، ونفتح أمامنا آفاقا تمكننا من معالجة إشكالياتنا الاجتماعية بالصورة الرمزية ولغة الدلالة الاعلامية المؤثرة، وأن يتم الاعتراف رسمياً في الكويت بدراسة السينما والاخراج في إيران، كونها اليوم باتت عالمية بما يعكس أصالة المنهج وقيميته.