هل يحق للمحكمة ان تقرر ان الجريمة الحاضرة امامها (اغتيال الرئيس رفيق الحريري) هي جريمة إرهابية طبقا للوصف القانوني المنصوص عليه في المادة 314 عقوبات؟
عندما رفع الكثير من اهل السياسة والقانون والاعلام في لبنان الصوت عاليا اعتراضا على طريقة تهريب نظام المحكمة الدولية من مجلس الوزراء في عهد الرئيس فؤاد السنيورة وكيفية نشوئها وما تضمنه ذلك من مخالفات دستورية وقانونية، اعتبر وقتها فريق "14 آذار" ان المعترضين يسعون لمنع قيام المحكمة الدولية وصولا لمنع الحقيقة والعدالة وغيرها من الشعارات التي سيقت يومها في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري بغية تحقيق غايات سياسية جمة لسنا في اطار معالجتها هنا.
ولكن مع مرور الوقت وبعد نشوء المحكمة وقبل البدء بالمحاكمات وحتى قبل صدور اي قرار اتهامي عنها ظهرت بشكل جلي الثغرات المخالفة للمبادئ القانونية خصوصا تلك المتعلقة بقواعد الاجراءات والاثبات التي اعطت المحكمة لقضاتها صلاحية تعديلها بمحض ارادتهم دون اي ضابط او معيار وبذلك تكون المحكمة اعطت لنفسها صلاحية السلطتين التشريعية والقضائية في آن متجاوزة بذلك كل الاصول والاعراف والمبادئ القانونية.
غرفة الاستئناف في المحكمة تستكمل مسلسل التجاوزات وتحل محل المشرع اللبناني
وفي استكمال لمسار "التجاوز القانوني" عقدت غرفة الاستئناف في المحكمة الدولية قبل ايام جلسة للبت في عدة نقاط طرحها قاضي الاجراءات التمهيدية فيها دانيال فرانسين تعليقا على مسودة القرار الاتهامي الذي سلمه اياه مدعي عام المحكمة القاضي دانيال بلمار.
والجدير ذكره ان غرفة الاستئناف خلال هذه الجلسة اعطت لنفسها من جديد الحلول محل المشرع اللبناني في تفسير القوانين، وذلك بعد ان التزمت بتطبيق قانون العقوبات اللبناني.
واعطت "غرفة الاستئناف" لجريمة اغتيال الحريري الوصف الجرمي للجريمة الارهابية المنصوص عليها بالمادة 314 عقوبات لبنان، كما اعلنت انها تلتزم التفسير الذي تعتمده المحاكم اللبنانية للقانون المذكور "إلا إذا" كان هذا التفسير غير او مقبول او معقول او مخالف للمبادئ القانونية، وهنا لا بدّ من طرح سؤال: هل يحق للمحكمة الدولية بنفسها تفسير القانون اللبناني وهل يحق لها الحلول مكان المشرع اللبناني في ذلك؟
كما ان المحكمة اعتبرت ان ذكر "وسائل ارتكاب الجريمة" المنصوص في المادة 314 من قانون العقوبات اللبناني واردة على سبيل المثال لا الحصر بينما المحاكم في اجتهاد لها (في قضية اغتيال الشيخ نزار الحلبي) تعتبرها واردة على سبيل الحصر لا المثال وهنا تكون المحكمة الدولية خالفة في تفسيرها هذا رأي المحاكم اللبنانية.
جوني: تفسير المحكمة للقانون اللبناني فيه تطاول عليه
ولتوضيح الوضع القانوني لقرار المحكمة في تفسير القانون اللبناني توجهنا بالسؤال الى الدكتور في القانون الدولي حسن جوني الذي اعتبر ان "الخطأ القانوني الاساسي في نظام المحكمة الدولية انه اعطى الحق لقضاة هذه المحكمة بوضع اصول الاجراءات"، مشيرا الى ان "هذا الخطأ ترتكز عليه كل الاخطاء الآخرى والمخالفات التي ترتكب من قبل المحكمة".
واعتبر جوني انه "من المتصور قبول ان يفسر القاضي الدولي نظام المحكمة الدولية وانما من غير المقبول ان يتطاول قضاة هذه المحكمة على القانون اللبناني كما قررت غرفة الاستنئاف"، مؤكدا ان "هناك خللا كبيرا في نظام المحكمة يتمثل في نقل هذا النظام من الاتفاقية مع الامم المتحدة الى نظام اصدره مجلس الامن فأصبح نظاما هجينا يخلط بين القوانين الداخلية والقوانين الدولية".
والسؤال المطروح هنا هل تفسير المحكمة للقانون اللبناني سيؤدي الى التوسع في التفسير بما يؤدي الى ادخال ما لا يحتويه القانون وذلك بمشيئة القضاة؟ والسؤال من الذي يضمن وكيف نضمن عدم حدوث ذلك؟ خصوصا ان قضاة المحكمة الدولية لديهم صلاحيات بتعديل قواعد الاجراءات والاثبات امامها، فما بين هذه الصلاحيات الواسعة والصلاحيات الواسعة بتفسير القوانين من الضامن ان لا نرى قواعد جديدة تحت مسميات التفسير لقواعد غير واضحة لقضاة المحكمة.
جوني: استشارة فقهاء اجانب فيه تطاول على القضاء والقانون في لبنان
من جهة ثانية وعلى سبيل الاضاءة فقط لا النقد نسأل لماذا غرفة الاستئناف في المحكمة استشارت فقهاء القانون الاجانب؟ وهل من حقها ذلك وبصورة علنية ولماذا سألت من سألت من الفقهاء الاجانب؟ وبكل الاحوال لماذا لم تستشر فقهاء قانون من لبنان لعلمهم اكثر بالقانون اللبناني؟
وحول هذه النقطة سأل جوني "لماذا استشارت غرفة الاستئناف بالمحكمة الدولية فقهاء اجانب ولماذا لم يطلبوا من القضاء اللبناني عبر وزارة العدل تفسير القانون اللبناني"، معتبرا ان "استشارة فقهاء اجانب فيه تطاول على القضاء والقانون في لبنان".
وطبقا للمبادئ القانونية العامة تعتبر جريمة كل تصرف ارادي ينطبق عليه الوصف الجرمي لجريمة منصوص عليها في قانون العقوبات، كما ان لكل جريمة ركنان احدهما مادي والآخر معنوي.
والركن المادي هو النشاط الظاهري الذي يظهر الجريمة الى العلن والذي يتألف من الفعل الجرمي والنتيجة الجرمية والعلاقة السببية بين الفعل والنتيجة، اما الركن المعنوي فهو علم بعناصر الجريمة وارادة ونية بارتكابها.
هل جريمة اغتيال الحريري جريمة ارهابية؟
والإشكالية المطروحة هنا هي: هل يحق للمحكمة ان تقرر ان الجريمة الحاضرة امامها (اغتيال الرئيس رفيق الحريري) هي جريمة إرهابية طبقا للوصف القانوني المنصوص عليه في المادة 314 عقوبات؟ ففي الجريمة الحاضرة (اغتيال الحريري) لدينا ركن مادي للجريمة (وهو الفعل الذي ارتكبت به الجريمة) باعتبار المواد المتفجرة والدمار والحريق الذي احدثه هذا الانفجار، اما الركن المعنوي (وهو نية ارتكاب الجريمة) وهو بالنسبة للجريمة الارهابية طبقا للمادة 314 هو "نية نشر الذعر" فليس بالامكان حسم هذا الامر طالما أننا لا نعرف نية مرتكب الجريمة.
والسؤال المهم لماذا حسمت المحكمة منذ الآن ان الجريمة هي "جريمة ارهابية" بينما لم تتأكد ولم تعرف ان نية نشر الذعر موجودة لدى مرتكبيها، لان ذلك يتطلب وجود من هو مشترك بارتكاب الجريمة، او بالحد الادنى من هو متهم بذلك حتى نقف على نيته حين ارتكابها. فإن كانت نيته وغايته نشر الذعر فعندها نقول ان الركن المعنوي للجريمة الارهابية قد تحقق، وإن لم يتوفر فيجب البحث عن التوصيف القانوني الصحيح لجريمة اغتيال الرئيس الحريري.
ثم هل لاعتبار جريمة اغتيال الحريري جريمة ارهابية أبعاد قانونية او أبعاداً آخرى ام انه مجرد خطأ وقعت فيه المحكمة بحسن نية؟
"التبعيض" فيما يتعلق بالمسؤولية الجرمية
ومن جملة ما قررته غرفة الاستئناف بالمحكمة الدولية انها ستطبق القانون اللبناني على المسؤولية الجرمية اذا ما تطابق مع احكام القانون الدولي في هذا المجال، واذا لم يتطابقا فإنها ستطبق قواعد القانون الدولي.
وهنا نطرح السؤال التالي هل للمحكمة ان "تُبَعِّضْ" بأن تختار مرة المسؤولية الجرمية بناء للقانون اللبناني ومرة آخرى بحسب القانون الدولي؟ وهي بذلك تكون قد خالفت ما سبق ان قررته باعتماد تطبيق القانون اللبناني. أضف إلى ذلك ان المحكمة لم توضح المعيار الذي على اساسه ستطبق اي من القانونين وهل لهذا الامر - اي تطبيق اي من القانونين - آثار على تشديد العقاب الذي سيقع ام انه سيوسع دائرة العقاب من حيث الاشخاص؟
وتعليقا على هذه المسألة رأى الكتور جوني ان "التداخل في القانون الواجب التطبيق حول المسؤولية الجرمية سببه ان نظام المحكمة هجين، حيث تم الخلط بشكل غريب بين القوانين الداخلية والقوانين الدولية"، ولفت الى انه "يمكن ازالة هذا الخلل الموجود في نظام المحكمة من خلال المادتين 18 و20 من النظام اللتان تسمحان للحكومة اللبنانية البحث مع المحكمة في كيفية تعديل بعض المواد".
وشهد شاهد من اهلها... القاضي كاسيزي يبين وظيفة المحكمة السياسية
وفي ختام كلمته التي القاها لاعلان قرار غرفة الاستئناف قال كاسيزي إن "وظيفة المحكمة لا تقتصر على محاكمة المسؤولين عن الاعتداءات الارهابية التي وقعت في لبنان في العامين 2004 و2005"، واضاف "بل تشمل ايضا ترسيخ مفهوم في الاذهان وهو ان مبدأ المساءلة عنصر اساسي في اي نظام ديمقراطي وانه واجب اخلاقيا حيث لا تسوى النزاعات السياسية من خلال سفك الدماء بل بالوسائل السلمية من خلال الحوار والنقاش والمفاوضات".
من كلام كاسيزي هذا نسأل هل يحق للقاضي في المحكمة ان يقرر ان سلطته تتجاوز محاكمة كل من شارك باغتيال الحريري؟ وهل للقاضي ان يقرر ان من وظائف المحكمة تكريس حل النزاعات السياسية بالحوار والمفاوضات؟ وما للقاضي والامور السياسية؟ هل سيقوم قضاة المحكمة الدولية، بالاضافة الى دورهم القضائي والحلول مكان المشرّع في التشريع والتفسير، بلعب دور اهل السياسة في لبنان.
"هذا كلام خطير يبرهن خطورة دور المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. المفترض بالمحكمة الدولية انها تطبق وتنفذ القانون ولا تصنعه، لكن كلام كاسيزي يؤكد ان لهذه المحكمة اهدافاً سياسية واضحة، ثم إننا قد نفهم ان مجلس الامن يتحدث بكلام سياسي ولكن لا نفهم ذلك من قاضي في المحكمة الدولية"، يقول الخبير حسن جوني.
هذا الكلام هو برسم من يتحدث دائما بأن هدف المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس الحريري العدالة والحقيقة. وعليه، هل يوجب هذا الهدف ان يكون للمحكمة وظيفة سياسية في شرح كيفية وطرق حل النزاعات كما اشار كاسيزي؟