في فرنسا ليس ما قبل 7 كانون الثاني مثل ما بعده
نضال حمادة
في فرنسا ليس ما قبل 7 كانون الثاني مثل ما بعده ، جميع الوقائع تشير الى هذا على صعيد السياسة الخارجية في فرنسا، كما على صعيد سياسة باريس الداخلية في التعاطي مع المسلمين في فرنسا ، وفي إدارة هذا التعاطي من قبل السلطات الفرنسية المتعاقبة.
بين باريس والجماعات السلفية التكفيرية المحاربة علاقة قديمة بقدم ظهور هذه الجماعات في ثمانينات القرن الماضي مع الغزو السوفياتي لأفغانستان. في تلك الفترة وحتى مشارف التسعينات كانت باريس نقطة مهمة في اوروبا لتجنيد المقاتلين للذهاب الى بلاد الافغان وفي تلك الفترة تحديدا كثرت المصليات والجمعيات السلفية التكفيرية في انحاء المدن والمناطق الفرنسية، وشكلت بعض الجمعيات في بعض احياء ودوائر العاصمة الفرنسية باريس وفي ضواحيها فضلا عن مدينة مرسيليا وليون مراكز ناشطة للدعوة السلفية على الطريقة الوهابية جمعت آلاف الشبان والمصلين ، وكانت هذه الجمعيات وما زالت تعيش وفرة مالية كبيرة مكنتها من اختراق المجتمع الاسلامي الفرنسي الفقير عموما وعبر هذا المال الوفير تمت عملية استمالة الكثير من الشبان العاطلين عن العمل في الضواحي الفقيرة للمدن الفرنسية ، وشكل هؤلاء الجسم الاساس للمقاتلين الذاهبين الى افغانستان ومن ثم الى العراق والان الى سوريا.
تعاملت فرنسا الحكومية مع المسلمين كملف انتخابي داخلي وورقة ضغط خارجية على بعض الدول العربية ، فالسلطات الفرنسية التي تعيش صراعا خفيا وحساسية كبيرة مع الجزائر ساهمت في دخول التيارات الوهابية التكفيرية الى الساحة الاسلامية الفرنسية في حرب ضد الاسلام الجزائري والمغاربي القريب من التصوف، وفي هذه حرب الانتقامية ظنت السلطات الفرنسية المتعاقبة انها ستخرج ورقة الاسلام في فرنسا من يد الجزائر كون غالبية المسلمين في فرنسا من أصل جزائري.
كان الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي اول من تعامل مع المسلمين في فرنسا كورقة انتخابية عندما كان وزيرا للداخلية في صراعه مع الرئيس السابق جاك شيراك وقد أنشأ ساركوزي في العام 2003 المجلس التمثيلي لمسلمي فرنسا الذي اعتمد كثيرا على المال القطري حينها مع مراعاة التقسيمات القطرية ضمن المجلس ما سهل اللعب على الوتر القطري بين الجزائريين والمغربيين، ادى الى تعطيل المجلس التمثيلي الذي انهكته الخلافات القطرية بين الجزائر والمغرب في نفس الوقت كان نفوذ جماعة الاخوان المسلمين التنظيم العالمي يقوى في فرنسا عبر اتحاد المنظمات الاسلامية التي دأبت على عقد مؤتمر سنوي في مدينة المعارض في ضاحية لوبورجيه الباريسية يحضره كل عام حوالي ثلاثة ملايين مسلم فرنسي. وقد تطور عمل الاتحاد مع تطور العلاقة القطري الفرنسية وحضر في مؤتمراته السنوية شخصيات كبيرة مثل الشيخ يوسف القرضاوي او الشيخ راشد الغنوشي وبعض المشايخ السعوديين والكويتيين.
في نفس الفترة شكلت باريس نقطة محورية لتواجد كبار الشخصيات التكفيرية المحاربة عبر تكرار زيارات القطري عبد الرحمن النعمي والشيخ الكويتي النائب وليد الطباطبائي (مالكي قناة وصال) والكثير من وجوه السلفية التكفيرية المحاربة في العالم وتطور هذه الحضور بعد القرار 1559 حول لبنان وسعي الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك لاسقاط النظام في دمشق ، وحضرت جماعة الاخوان المسلمين في سوريا بقوة في فرنسا، فضلا عن حضور كافة فصائل المعارض السورية يومها ممثلة "بربيع دمشق" ومن ثم "اعلان دمشق".
اتى التطور الكبير والقوي المباشر بعد العام 2011 بعد احداث الربيع العربي وبدء الحرب في سوريا وعلى سوريا والتي تدخلت فيها باريس بشكل مباشر وشكلت فيها راس حربة لاسقاط نظام الرئيس بشار الاسد، وهنا تم استدعاء كل الجسم السلفي التكفيري الذي عمل عليه خلال الاعوام السابقة وكانت عمليات ارسال المقاتلين الى سوريا من فرنسا وعبرها تتم تحت اعين الاجهزة الفرنسية وبعلمها من العام 2012 الى الوقت الحالي، غير ان ظهور التكفير بصيغته الاجرامية مثل جبهة النصرة في سوريا وداعش في العراق غير نظريات الاجهزة الامنية الفرنسية التي بدأت تتحدث عن خطورة السياسة الفرنسية المتبعة في سوريا على الامن الداخلي الفرنسي بفعل بدء عودة العشرات من الذي يقاتلون في سوريا الى فرنسا. وكنا في موقف الجمعة في اكثر من مناسبة تحدثنا عن تقارير الاجهزة الفرنسية في هذا الصدد .
لم تفاجئ عملية شارلي ايبدو المتابعين للعلاقة الفرنسية مع السلفية المحاربة بل المفاجىء كان استمرار سياسة باريس التصعيدية ضد سوريا لحد الان، غير ان عملية 7 كانون ثاني الحالي اتت مثل سلم يتيح للساسة الفرنسيين في قصر الإيليزيه وفي الخارجية الفرنسية النزول عن شجرة الحرب على سوريا التي صعدوا اليها واصبح عليهم النزول عنها حفاظا على الامن الفرنسي الداخلي ، وهذا ما سوف يحصل في الاسابيع المقبلة بطريقة تدريجية سوف تبدأ بتفعيل التواصل الامني بين باريس ودمشق الذي لم ينقطع خلال السنوات الماضية غير ان المرحلة المقبلة سوف تشكل نقطة عودة فعلية لتواصل هذه الاجهزة وليس بالضرورة بشروط باريس هذه المرة.
خلية أزمة: فور حصول العملية عادت الحياة الى خلية الازمة التي تضم إضافة الى قصر الإيليزيه وزارة الدفاع ووزارة الداخلية والاجهزة الامنية الاربعة في فرنسا ، وقد اعلن المسؤول السابق لجهاز المخابرات الداخلية الفرنسي برنارد سكارسيني الذي يعتبر من القيادات الامنية التي تطالب بعودة العلاقات الامنية مع سوريا في تصريح له ان ليس لدينا تواصل مع الاجهزة الامنية في تونس وليبيا ومصر وايضا في سوريا وبالتالي تراجعت قدرتنا على المراقبة.
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه