ما إن وقعت العمليات الإرهابية الأخيرة في باريس حتى تداعى اليمين الإسرائيلي للاحتفال. وخلف الاحتفال نوع من الشماتة المستترة تجاه فرنسا، التي صارت في العقود الأخيرة تتعامل بنوع من التجاهل لإسرائيل
بين الشماتة المستترة بفرنسا.. وتعزيز الهجرة إلى فلسطين
حلمي موسى
ما إن وقعت العمليات الإرهابية الأخيرة في باريس حتى تداعى اليمين الإسرائيلي للاحتفال.
وخلف الاحتفال نوع من الشماتة المستترة تجاه فرنسا، التي صارت في العقود الأخيرة تتعامل بنوع من التجاهل لإسرائيل. وبدا واضحاً أن إسرائيل يمكنها الرقص في حفلتين في آن: للكسب الرخيص، انطلاقاً من أن استهداف فرنسا، واليهود فيها، يظهر أن إسرائيل هي الملاذ من جهة وأنها على حق في تشددها من جهة أخرى، وللظهور بمظهر من يقف في الخندق ذاته في مواجهة الإرهاب الإسلامي.
وليس صدفة أن يتبارى المسؤولون الإسرائيليون في الذهاب إلى باريس للمشاركة في عرض التضامن الدولي مع فرنسا، فالمسألة في نظر هؤلاء هي تأكيد الانتماء إلى ما يسمونه الحضارة «اليهودية المسيحية» في مقابل التطرف والتخلف الإسلامي.
وهكذا كان وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، الذي كثيراً ما أدان الحضارة الغربية، ووزير الاقتصاد نفتالي بينت الذي لا يكف عن إطلاق المواقف العنصرية، أول من أعلن الذهاب إلى باريس. وبعدهما جاء رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي لا يخفي البتة اشمئزازه من المواقف الفرنسية، وآخرها الموقف من مشروع القرار الفلسطيني لجدولة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة.
وكان نتنياهو قد ركب الموجة ووجه الدعوة ليهود فرنسا للهجرة إلى إسرائيل. وقال «دولة إسرائيل ليست فقط المكان الذي تصلون إليه، بل إن دولة إسرائيل هي أيضاً وطنكم». وعمد نتنياهو إلى تأكيد الإفادة مما يجري، معلناً أن «منظمات الإرهاب للإسلام المتطرف تحمل أسماء مختلفة ومتنوعة، لكن جميعها تحركها الكراهية الدموية ذاتها والتزمت ذاته. إذا تجاهلنا حقيقة أن الحديث يدور عن إسلام متطرف، عن إبادة الثقافة الغربية كلها والشعب اليهودي بعمومه، فإن ما نراه في باريس هو مجرد البداية».
أما ليبرمان فقال إن «الهجمة الإرهابية هي محاولة أخرى من قوى الظلام من الإسلام المتطرف لفرض الرعب والإرهاب على الغرب، وعلى الأسرة الدولية كلها أن تقف كالسور المنيع، وبالشكل الأكثر تصميماً في مواجهة هذا الإرهاب».
من جانبه، ركز بينت على أن «دولة إسرائيل كلها تقف إلى جانب الطائفة اليهودية في فرنسا، ومستعدة للمساعدة بكل وسيلة ممكنة».
وقالت النائبة تسيبي ليفني إن «إسرائيل ستحمي مواطنيها وأبناء شعبها في كل مكان يحاول فيه الإرهاب المس بهم، وستضربه بقبضة من حديد».
وتحدث الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين أمس مع زعماء يهود فرنسا. وقال «أشد على أيديكم ليس كرئيس دولة إسرائيل فقط بل كرئيس الشعب اليهودي كله. كلنا هنا في إسرائيل مذهولون ومتألمون معكم، نشارككم حزن العائلات التي تضررت كلها، في حزن الطائفة اليهودية وفي حزن الشعب الفرنسي».
وليس مستبعداً أن تكون التصريحات الإسرائيلية قد أثارت غيظ الكثير من الفرنسيين، بمن فيهم اليهود اليساريون الذين يرون جهداً مغرضاً هدفه تهجير اليهود.
وقال يهود يساريون، لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، «نحن فرنسيون ولا شأن لإسرائيل بنا».
لكن التحذير الأهم جاء من الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ورئيس الحكومة مانويل فالس.
وتحادث هولاند مع قادة الطائفة اليهودية وأعرب عن رغبته بزيارة الكنيس الكبير في باريس لتقديم التعازي، وأكد تعزيز الحراسات على المنشآت والمدارس اليهودية. أما رئيس الحكومة فكان أعلن أنه «إذا ترك 100 ألف يهودي البلاد، فإن فرنسا لن تبقى فرنسا... هذا سيكون فشلا للجمهورية الفرنسية».
وتتوقع مصادر إسرائيلية أن يزداد عدد «المهاجرين» اليهود من فرنسا إلى إسرائيل هذا العام، ليبلغ حوالي عشرة آلاف شخص.
ومعروف أن إسرائيل ركزت في السنوات الأخيرة على الحث على «هجرة» اليهود من فرنسا، بدعوى تزايد مظاهر العنصرية فيها. لكن هذا الحث كان له هدف آخر، وهو إظهار أن السياسة الفرنسية منافقة، وأنها صارت تمالئ العرب والمسلمين على حساب إسرائيل واليهود.
كما لم يكن صدفة أن يتم الإعلان عن وصول طواقم من جهازي «الموساد» و»الشاباك» الإسرائيليين للمشاركة في التحقيقات الجارية، خصوصا في استهداف مركز تجاري يهودي. وأشارت الصحف الإسرائيلية إلى أن المؤسسة الأمنية لا تنظر إلى ما يجري في فرنسا عن بعد، وإنما أرسلت طواقم لتعزيز حراسة المؤسسات الإسرائيلية، وأيضاً للمساعدة في تقديم المشورة لنظرائهم الفرنسيين على خلفية التجربة الطويلة. ومعروف أن التعاون الأمني الدولي في مكافحة الإرهاب، وخصوصاً بين فرنسا وإسرائيل، قديم وعميق جداً، وهناك تأكيدات بأن العلاقات الأمنية بين الدولتين أعمق وأدفأ بكثير من العلاقات السياسية.
ويرى معلقون أمنيون أنه ستكون لأحداث باريس آثار على المدى البعيد على الأمن الإسرائيلي. فمن ناحية يتوقع أن تزيد هذه العمليات التعاون الأمني ضد التنظيمات الإسلامية، فضلا عن زيادة التفهم الغربي للتدابير الإسرائيلية، ومن ناحية أخرى فإن الكفاح الدولي ضد الإرهاب مقلق جداً لإسرائيل، لأنه يصرف الأنظار عما هو أهم، مثل المشروع النووي الإيراني. وعندما يظهر الإرهاب الإسلامي كخطر كبير يهدد سلامة أوروبا والعالم تتضاءل قيمة الأخطار الأخرى، وبينها الخطر الإيراني.
http://assafir.com/Article/1/395180
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه