انتشر مقاله في كل المواقع الالكترونية لمختلف الجهات الإعلامية على تباين وجهات نظرها سواء كانت تبرّر الهجوم على الصحيفة الفرنسية أو تدينه. ومما قاله توجّه ضربة للحرية عندما تستفز المسلمين، وهي في حقيقة الأمر غبية تماما"..
انتشر مقاله في كل المواقع الالكترونية لمختلف الجهات الإعلامية على تباين وجهات نظرها سواء كانت تبرّر الهجوم على الصحيفة الفرنسية أو تدينه. وبدورنا ننشر أهم ما جاء فيه للإضاءة على تاريخ هذه الصحيفة العنصرية ليس ضد الدين الإسلامي فحسب بل ضد جميع الأديان والقيم الإنسانية.
يوم الخميس الماضي سبح الكاتب البريطاني توني باربر عكس التيار الجارف الحالي في أوروبا بعد عملية الهجوم على مقر صحيفة "شارلي إيبدو" لما احتواه مقاله الذي نشرته صحيفة فايننشال تايمز من أفكار تصوّب مسار الحقيقة حيال تاريخ هذه الصحيفة، رغم أن التايمز البريطانية سحبت ثلاث فقرات من المقال.
فقد وصف باربر الصحف التي تنشر الصور المسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) مثل شارلي إيبدو وصحيفة إيلاند بوستن الدانماركية بأنها "غبية". وكتب "حسبنا القول إن بعضا من المنطق السليم سيكون مجديا لصحف مثل شارلي إيبدو وإيلاند بوستن الدانماركية التي ينم محتواها عن توجيه ضربة للحرية عندما تستفز المسلمين، لكنها في حقيقة الأمر غبية تماما"..
ويرى الكاتب أن للصحيفة الفرنسية سجلا حافلا بالسخرية وإغضاب المسلمين واستثارتهم، "فقبل عامين نشرت كتابا من 65 صفحة يحوي رسوما كاريكاتيرية ساخرة عن حياة النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم).ومضى باربر إلى القول إنه يتفهم "المشاعر الجياشة" التي طغت على الناس في فرنسا، مشيرا إلى أن هجوم الأربعاء ستكون له تداعياته على الحياة السياسية وسيصب على وجه الخصوص في مصلحة مارين لو بان وحزبها اليميني المتطرف الجبهة الوطنية.
ولقد رأت صحف ومواقع إلكترونية عديدة في هذا المقال مادة خصبة للتداول فنشرت مقتطفات منه وعلّق عليه بعضها. وها هي صحيفة "هافينغتون بوست" الأميركية -وهي موقع إلكتروني لتجميع الأخبار- كتبت أن مقال باربر استقطب ما يزيد على 500 تعليق في صحيفة فايننشال تايمز، أغلبها ناقدة.
ومن جانبها قالت صحيفة نيوز باستر -وهي الإصدار الإلكتروني لمركز البحوث الإعلامية الأميركي إم آر سي- إنها ليست المرة الأولى التي تنتقد فيها وسيلة إعلامية ليبرالية (في إشارة إلى فايننشال تايمز) شارلي إيبدو لاستثارتها المسلمين. واستطردت قائلة إنه بعد حادث انفجار قنبلة العام 2011 الذي أوقع أضرارا في مقر شارلي إيبدو الرئيسي، شن الكاتب بروس كراملي في مقال بمجلة تايم الأميركية هجوما لاذعا على الصحيفة الفرنسية واصفا إياها بأنها مطبوعة "صبيانية" نظرًا "لمسلكها الغريب الكاره للإسلام".
تاريخ صاخب من "الإهانات" :
لطالما اشتهرت «شارلي إيبدو» بمضمونها وخطابها الاستفزازي، حتى أشعلت جدلاً كبيراً في صفوف الرأي العام الفرنسي خيّم عليه سؤال أساسي: هل إنّ طريقة التعبير الاستفزازية والاستعراضية هذه تخدم أم تسيء لحرية التعبير والديمقراطية؟ الصحيفة المعروفة التي أعادت تراث الكاريكاتور الساخر المعروف منذ الثورة الفرنسية، هي منبر يساري اشتهرت بطابعها الساخر والمناوش دوماً لكل الأديان، حتى وصفت بأنّها أكثر استفزازاً من نظيرتها «لو كانار أنشينيه» التي اختصت في كشف ونشر العديد من التقارير السرية.
تأسست «شارلي إيبدو» في العام 1969 بإدارة فرنسوا كافانا حتى إقفالها العام 1981. بعدها، استأنفت الصدور العام 1992 بإدارة فيليب فال حتى 2009، قبل أن يتولى «شارب» دفة القيادة منذ عام 2012. تعرضت الصحيفة لضغوط كثيرة. في العام 2006، أعادت نشر الرسوم الدنماركية التي أشعلت العالم الإسلامي. كذلك نشرت في آذار (مارس) 2006 «مانيفستو الـ12» الذي كان أشبه بنداء دعت فيه إلى «محاربة الإسلاموية بوصفها توتاليتارية دينية تهدد الديمقراطية بعد الفاشية والنازية والستالينية».
نداء رفضته «الرابطة الفرنسية للدفاع عن حقوق الإنسان والمواطن» لأنّه «يؤبلس الإسلام». وفي تشرين الثاني (نوفمبر) العام 2011، أصدرت الصحيفة عدداً خاصاً تحت عنوان «شريعة إيبدو»، أعلنت فيه النبي محمد «رئيس تحريرها الشرفي»، ناشرة رسمة ساخرة مع تعليق: «100 جلدة إن لم تموتوا من الضحك». أثارت الرسمة والعدد موجة من الاحتجاجات أدّت إلى إحراق مكاتبها وتعرض موقعها على الإنترنت للقرصنة. يومها، علّق «شارب» على الحادث: «أردنا التعليق على إعلان الشريعة في ليبيا وانتصار حركة «النهضة» في تونس» مضيفاً: «نتساءل ما الذي علينا فعله كي لا نغضب أحداً».
وفي 19 أيلول (سبتمبر) 2012، قررت «شارلي إيبدو» نشر رسوم كاريكاتورية للنبي (ص) بعد مرور أسبوع على اندلاع موجة احتجاجات ضد الفيلم الأميركي المسيء «براءة المسلمين».
مقابل هذا المسار الصاخب الذي اتبعته الصحيفة، تعرضت أيضاً للملاحقة القضائية في العام 2012 بعدما رفعت جمعيات مناهضة للعنصرية دعوى عليها بتهمة الحث على الكراهية وتعزيز الإسلاموفوبيا في فرنسا. إلا أن قرار المحكمة برّأها، وكان مبرره حينها أنّ الجريدة تنتقد جماعات معينة، لا المسلمين بشكل مطلق.
الجريدة استمرت في مواقفها الساخرة من الأديان، ورأت أن سخريتها من المسلمين تدخل في إطار حرية التعبير، بما أنها تخصص لكل جماعة وفرد جزءاً من سخريتها. لكنها حرية كلفتها غالياً جداً. وفي أول تعليق له على الاعتداء، صرّح مدير تحرير «شارلي إيبدو» جيرار بيار، الموجود حالياً في لندن، لصحيفة «لو موند»: «أنا منهار ومغتاظ في الوقت عينه. أجد بديهياً ومهماً أن تتضامن كل الوسائل الإعلامية الفرنسية معنا هذه المرة، وأن لا يخرج أحدهم ليتّهمنا بأننا زمرة علمانيين متعصّبين أو استفزازيين».
في الختام، لا بد أن نسجل أننا لا نبرّر للجماعات المسلحة الإرهابية فعلها المشين، كما لا يمكننا السكوت إزاء ما تمارسه هذه الصحيفة ومثيلاتها من عدائية وعنصرية مقصودة ضد الدين الإسلامي، فكلاهما ينطلقان من معايير بعيدة عن القيم الإنسانية في التعامل الحضاري مع القضايا الإشكالية.
(مواقع انترنت + جريدة الأخبار)