على نقطة الحدود السورية ـــ اللبنانية يبدو المشهد غريباً بعد القرار الأخير بتطبيق معايير جديدة لدخول السوريين إلى البلد الجار، وهو مشهد لم يألفه أبناء الشام
طارق العبد
على نقطة الحدود السورية ـــ اللبنانية يبدو المشهد غريباً بعد القرار الأخير بتطبيق معايير جديدة لدخول السوريين إلى البلد الجار، وهو مشهد لم يألفه أبناء الشام، حتى في أشد مراحل التوتر السياسي بين البلدين، فيما تتعالى الأصوات لتغيير الوضع الجديد الذي لم يتكيف معه كثيرون .
في محطة السومرية، عند مدخل دمشق الغربي، تبدأ الرحلة إلى لبنان. ومع دخول أي شخص إلى البوابة الكبيرة، سيبدأ عشرات السائقين بتقديم عروضهم للنقل، سواء إلى شتورا أو بيروت أو طرابلس وصيدا، مع سعر متقارب بين الجميع. يقبل الراكب فتسجل هويته ثم ينتظر باقي رفاق الرحلة لتنطلق السيارة.
مهلاً، ما كتب أعلاه كان قبل تطبيق الإجراءات الجديدة على الحدود، أما المشهد اليوم فيبدو مختلفاً: لا حركة كبيرة في المحطة، والسائقون يحذرون الراكب من احتمال عودته من نقطة المصنع، وربما من جديدة يابوس، بل إن بعضهم بات يتفقد شخصياً أوراق الراكب المطلوبة للرحلة العتيدة.
ويقول السائق محمد إن «الحركة كانت جيدة في الأشهر الماضية، لكن مع قرار اللبنانيين بالتشدد مع دخول السوريين تراجع الإقبال على السفر كثيراً». ويوضح «كنت اذهب ثلاثة أو أربعة أيام في الأسبوع، أما الآن فلا أحد يذهب. ربما هم قلقون من الأوراق الجديدة، وينتظرون توضيحات أو تعليمات جديدة».
جديدة يابوس: أين المسافرون؟
تتحرك السيارة في النهاية عابرة الطريق، وسلسلة من الحواجز وصولاً إلى جديدة يابوس، حيث النقطة السورية من المعبر الحدودي مع لبنان.
في البلدة الباردة وعند المنفذ الحدودي لا ازدحام للسيارات على عكس الأيام الماضية. بضعة ركاب ينتظرون داخل مقر الجوازات لإنهاء إجراءات الدخول. انه مشهد غير مألوف بالنسبة لكل من اعتاد المرور في هذه النقطة.
أما على الجهة المقابلة، فثمة ازدحام شديد على نقطة العودة مرده رفض الأمن العام دخول بعض السوريين وإجبارهم على العودة. ويقول أمجد (27 سنة ـــ طبيب) «اضطررت في الأشهر الماضية للتنقل بين دمشق وبيروت لأسباب مهنية. لم تكن البلدة بهذا السكون الذي تعيشه هذه الأيام».
وأضاف «أذكر في آخر زيارة في تشرين الثاني أن عدد السيارات والحافلات كان يمتد لمسافات لدرجة أن الانتظار لختم القسيمة كان يستغرق أكثر من ساعتين في أفضل الأحوال». ويتابع ابن مدينة حمص ضاحكاً «لم يتطلب ختم القسيمة أكثر من خمس دقائق».
ويعتبر عبد الله (44 سنة ـــ مدرس) أن التشدد اللبناني في استقبال السوريين قد دفع بالكثيرين إلى عدم التوجه إلى البلد الجار. ويقول «كانت المشكلة لدى السوريين في جديدة يابوس، فالكثير من الشباب قد اضطر للعودة لإحضار موافقة سفر من شعبة التجنيد، وخاصة أولئك الذين هم في سن الاحتياط، لكن الأمر تحسن بسرعة، وربما ستتحسن الأوضاع بعد أن يستطيع المواطنون تأمين الأوراق المطلوبة».
ويرد عبد الله، على سؤال عما اذا كان يتوقع إلغاء النظام الجديد على الحدود، «لا أظن. لو لم اكن مضطراً لموعد في السفارة لما جئت، وأتوقع مسبقاً أن يمنعوني من الدخول. قرأت الكثير من الشهادات على فايسبوك، ولكن قررت المغامرة لأن الموعد مهم».
وحده علي (22 سنة ـــ عامل) يبدو قلقاً من رفض الأمن العام اللبناني السماح له بالدخول، فلا أوراق خاصة يحملها، حيث انه عائد لممارسة عمله في ورشة بناء قرب بيروت بعد زيارة قصيرة لوالدته في دمشق. ويكتفي الشاب الرقاوي ببضع جمل قائلاً «كنت أتنقل بين سوريا ولبنان كثيراً، لكنها المرة الأولى منذ ثلاثة أشهر ربما يطردونني، فانا لا أملك أي أوراق سوى هويتي، لكن يجب أن أعود إلى العمل».
في نقطة المصنع: عودوا أدراجكم
مع ختم الضابط السوري لقسائم المغادرة وجوازات السفر تتحرك السيارة إلى نقطة المصنع. تدريجياً ستغيب المعالم السورية وإشارات الخلوي، وتظهر إعلانات لبنانية على اللوحات الطرقية.
لن يطول الهدوء كثيراً، فثمة رتل طويل من الشاحنات على مدخل البوابة الحدودية. هناك ثمة تغريبة جديدة كتبت على السوريين، حيث تقف صفوف طويلة من البشر بانتظار الدخول، بحرارة تقترب من الصفر.
أين كان هؤلاء؟ سيتبين لاحقاً أن البعض مضى على وقوفه ساعات، والبعض الآخر تحرك مع ساعات الفجر الأولى. الكل هنا بمزاجية الأمن العام، يعلق رجل خمسيني بسرعة، قبل أن يضيف أن هذه الصفوف كانت أطول بمسافات كبيرة قبل أيام. حينها لم تكن هناك قرارات بتطبيق معايير جديدة للدخول.
عند البوابة الحديدية ثمة شابان خارجان، وعلى الوجوه علامات الاستياء الحاد. يقول أحدهما «مزقوا تذاكر السفر وطلبوا منا إحضار غيرها».
وتقول رندة (21 سنة ـــ طالبة) «حصلت على قبول جامعي بمنحة في فرنسا، ولدي تأشيرة الخروج على جواز سفري وحجز الطائرة، ومع ذلك ختموا على قسيمة المغادرة بالمنع من دون إعطاء أي سبب».
تحاول الشابة الحلبية الاتصال بأقرباء لها في بيروت عسى يستطيعون المساعدة، بينما نجح طارق (30 سنة ـــ محامي) بختم جواز سفره، لكنه غير راض. ويقول ابن دير الزور «فكرة أني من محافظة بعيدة، ومن منطقة يحتلها داعش، جعل العنصر اللبناني يوجه لي آلاف الأسئلة. أبرزت له ورقة تثبت موعداً مع سفارة ولم يعترف بها. بقي يماطل لساعات قبل أن يختم لي».
تتحرك السيارة أخيرا إلى بيروت، فيما إذاعة سورية تكاد تغيب إشارتها تصدح بأغنية فيروز: أحب دمشق هواها الأرق أحب جوار بلادي.
تراجع أعداد الداخلين
بحسب أرقام وزارة الداخلية اللبنانية، فإن عدد السوريين القادمين إلى لبنان يومياً قد تراجع من ثمانية آلاف إلى ثلاثة آلاف شخص.
وتشترط تعليمات الأمن العام إبراز حجز فندقي ومبلغ الف دولار، أو إحضار ما يفيد بحجز طيران، أو موعد مع سفارة أجنبية أو قبول في الجامعات.
كما تشترط على من لا تتوافر فيهم هذه الشروط أن يتكفل شخص لبناني بقبولهم.
وبالرغم من أن العديد من السوريين كان يحضر معه أوراقاً إضافية، تشمل ما ذكر أعلاه وحتى قبل صدور القرار الجديد، إلا أن الكثير منهم كان يعود أدراجه بسبب رفض السماح له بالدخول، وهو ما واجهته حتى بعض الشخصيات، مثل الممثلة السورية امل عرفة وكذلك نادين تحسين بك وكاريس بشار.
ويعلق السوريون أن المسالة، حتى بعد صدور القرار الأخير، رهن مزاجية الأمن العام.
http://assafir.com/Article/1/395423
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه