أورد محضر وقائع اجتماع مجلس الاحتياط الفيديرالي في كانون الأول (ديسمبر) أن بعض الحاضرين يعتقدون أن «انخفاض أسعار النفط قد يعزز الإنفاق المحلي إلى حد بعيد».
يعكس مزيج من النمو القوي في الولايات المتحدة والأداء الخامل لاقتصادات منطقة اليورو وتباطؤ النمو في الصين، الفجوةَ في أداء اقتصادات العالم، والتي يُرجّح أن تتسع مع تهاوي أسعار النفط، فظاهرياً يوفر انخفاض فاتورة الطاقة سيولة أكبر للمستهلكين والشركات للإنفاق وتعزيز النمو الاقتصادي على الأقل في الدول التي تستورد الخام. والأرجح أن يقود انخفاض أسعار النفط نحو 60 في المئة إلى نحو 50 دولاراً إلى تعزيز النمو في دول تشهد نمواً قوياً بالفعل بينما تتفاقم معاناة من تخلفوا عن الركب.
وأبدى مسؤولون في المصارف المركزية في الولايات المتحدة وأوروبا آراء متباينة في شأن عائد هبوط أسعار النفط في الأسابيع الأخيرة. وقال رئيس «بنك سان فرانسيسكو» للاحتياط جون وليامز: «هذه ميزة كبيرة للمستهلكين والشركات» لافتاً إلى أن الضعف في اقتصادات أخرى حول العالم لن ينال منها.
ويشارك آخرون وليامز الرأي، فقد أورد محضر وقائع اجتماع مجلس الاحتياط الفيديرالي في كانون الأول (ديسمبر) أن بعض الحاضرين يعتقدون أن «انخفاض أسعار النفط قد يعزز الإنفاق المحلي إلى حد بعيد».
في المقابل، صرح كبير الاقتصاديين في «المركزي» الأوروبي بيتر برات، في آخر أيام العام الماضي وقبل أيام من تحول معدلات التضخم في منطقة اليورو سلباً للمرة الأولى منذ العام 2009، بأن «في ظل أسعار النفط الأخيرة سينخفض معدل التضخم أكثر، بل سيقل كثيراً عن التوقعات حتى الآن،» مشيراً إلى أن «المركزي الأوروبي لم يكن يهتم لمثل هذه الصدمات الخارجية في السابق، ولكن لم يعد في وسعه أن يفعل ذلك الآن، في ظل بيئة (...) تكون فيها توقعات التضخم منخفضة جداً لا يمكن ببساطة أن نغض الطرف».
وثمة يقين في الأسواق بأن البنك المركزي الأوروبي سيطلق برنامج شراء سندات حكومية على غرار الخطوة التي اتخذها مجلس الاحتياط الفيديرالي. ولكن احتمال تقليص حجمه لتهدئة مخاوف ألمانيا يضعف كثيراً الثقة في أنه سيحدث تأثيراً.
ويتفق معظم الاقتصاديين على أن الاقتصاد الأميركي سيستفيد من انخفاض أسعار النفط، ما يعزز التوقعات برفع أسعار الفائدة العام الحالي، ولكن البعض يتوقع مشاكل فعلية في أماكن أخرى. وقال كبير الاقتصاديين في «نورذرن ترست»، كارل تانينباوم: «تسير الأمور على ما يرام في حفنة من الدول، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا. لكن التأثير يُظهر سريعاً في ما وراء ذلك، نادراً ما يحدث مثل هذا التغيير الكبير في السعر في سوق بهذا القدر من الأهمية من دون أن يسبب شيئاً من عدم الاستقرار في جزء ما من الاقتصاد أو العالم».
وترجع مشاكل روسيا جزئياً إلى العقوبات التي يفرضها الغرب بسبب أوكرانيا، ولكن النفط يلعب على الأرجح دوراً أكبر في دفعها للانزلاق في حالة كساد حاد. ويحتاج الكرملين إلى سعر برميل نفط عند 100 دولار تقريباً كي تنضبط الموازنة. وهبوط السعر إلى النصف يعني بالضرورة رفع الضرائب وخفض الإنفاق بشكل حاد أو استنزاف الاحتياطات النقدية بدرجة تثير القلق.
وكانت النروج أكثر حذراً، ولم تستخدم سنتاً واحداً من إيرادات النفط في الموازنة بل تنفق من عائد ثروتها التي تقدر بمئات البلايين التي ادخرتها من قبل. لكن انخفاض العائدات يثير احتمال تراجع الاستثمارات النفطية وتقليص عائدات الدولة في المستقبل. وقال محافظ البنك المركزي، أويشتاين أولسن، في تصريح إلى وكالة «رويترز» «سيقل معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في النروج عما اعتدنا عليه إلى حد كبير، أضحت ربحية حقل النفط أقل كثيراً.
وفي اليابان، يضخ المصرف المركزي الأموال سعياً إلى رفع الأسعار وتبدو الأمور مختلطة، فانخفاض الأسعار قد يدعم اقتصاد دولة تستورد كميات كبيرة من الوقود ولكن قد لا يكون كافياً لتشجيع المواطنين اليابانيين والشركات على الإنفاق بعد أن دأبوا على ادخار الأموال على مدى موجة الانكماش المستمرة منذ نحو عقدين. كما أن انخفاض سعر النفط يُعقّد الأمور بالنسبة لـ «بنك اليابان» المركزي الذي حاول رفع معدل التضخم من أقل من واحد في المئة إلى اثنين في المئة، ولكنه يرى أن إيجابيات الهبوط تفوق سلبياته.
وقال محافظ «المركزي» هاروهيكو كورودا أمام كبار رجال الأعمال الشهر الماضي: «سيؤثر هبوط أسعار النفط في الأسعار الكليّة على المدى القصير، لكن من منظور طويل الأمد سيساهم في تضييق فجوة الإنتاج في اليابان ويقود إلى صعود الأسعار.
والمصاعب التي تواجه روسيا تبرز تباين حظوظ دول مجموعة «بريكس»، ففي الصين -ثاني أكبر اقتصاد في العالم- يتباطأ النمو، وخفضت السلطات أسعار الفائدة بالفعل للمرة الأولى خلال سنتين. وأظهرت بيانات أن التضخم بقي قرب أقل مستوى في خمس سنوات عند 1.5 في المئة، ما يعكس ضعفاً اقتصادياً قد يقود إلى مزيدٍ من الحوافز. وقال الاقتصادي في «سيتي» بهونغ كونغ، مينغ كاو شن: «ثمة خطر حقيقي لحدوث انكماش هذه السنة».
وتعاني البرازيل من معدلات تضخم مرتفعة وأسعار فائدة تعجيزية في حين تسع الهند إلى رفع معدل النمو الذي يتجاوز خمسة في المئة. وسمح هبوط أسعار النفط لرئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، بإنهاء القيود على أسعار الديزل في تشرين الأول (أكتوبر)، وقاد ذلك إلى انخفاض حاد في أسعار بيع الوقود سواء المستخدمة في الجرارات الزراعية في الريف أو في سيارات الدفع الرباعي في المدن، ما يرفع دخل الفرد القابل للإنفاق. لكن حتى الآن، فإن انخفاض أسعار النفط ينم عن تباطؤ النمو العالمي، ما يبعث بإشارة تحذير لاقتصاد يعتمد على التصدير.