اعتبرت العيسى السماح للنساء بقيادة المركبات «أمراً في غاية الأهمية. لكن يحتاج إلى ضوابط وأنظمة صارمة جداً، إذ سيساهم في تشجيع الموظفات على العمل بأريحية في القطاعات الخاصة. كذلك في زيادة احتقان الشوارع والطرق بالسيارات
تعيش خديجة عبدالله حالة من الرعب يومياً، وهي تودع خمساً من بناتها يتوجهن إلى مقرات أعمالهن. ولا يهدئ بالها إلا بعد أن تطمئن على وصولهن جميعاً بخير، بيد أن حال القلق تعود مجدداً أثناء خروجهن من الدوام.
وتتقاطع أسر سعودية، مع الحالة النفسية التي تمرّ بها خديجة (77 سنة)، نتيجة «تسليم بناتنا إلى سائقين أجانب، أو حتى شباب سعوديين، توجّه للعمل إلى قطاع النقل والمواصلات منذ فترة. إلا أن الحوادث اليومية التي تشهدها الطرق في المملكة، وعدم وجود قانون لإيقاف القيادة المتهورة تدفعنا إلى هذا القلق اليومي»، بحسب حبيب العمار.
وتواجه الآلاف من السعوديات الموظفات في القطاعات الحكومية والأهلية عقبات تعترض طريقهن أثناء ذهابهم إلى مقر أعمالهن كل صباح، بداية بإنتظار السائق، الذي عادة ما يكون أجنبياً، استقدمته الأسرة، أو حافلة نقل، مروراً بحالات التأخير في الذهاب والعودة التي ترتبط عادة بوسائل النقل، وإنتهاء بالأخطار التي تحيط بالطرق والشوارع عموماً.
وتنفّست السعوديات الصعداء نسبياً مع توجه وزارة النقل لإقرار نظام يلزم المنشآت الأهلية بتوفير وسائل نقل لموظفاتها السعوديات، بأي طريقة كانت، وذلك بهدف «الحدّ من غيابهن وتأخرهن بسبب مشكلات المواصلات». فيما أقرت وزارة التربية والتعليم خفض عدد أيام العمل اليومي للمعلمات العاملات في الهجر إلى ثلاثة أيام في الأسبوع. على أمل «الحدّ من الحوادث المروية القاتلة التي راح ضحيتها سابقاً عشرات من المعلمات».
فاطمة العيسى، تعمل في القطاع الصحي الأهلي منذ أكثر من ثمانية أعوام «وطوال هذه السنوات لا يزال هاجس النقل هو المسيطر على الكثير من هموم الموظفات، خصوصاً العاملات في القطاع الصحي بسبب تغيّر أوقات الدوام في شكل مستمر»، موضحة أن هذه المشكلة «تتفرع منها مشكلات أخرى، بداية من كثرة المصاريف التي ننفقها والتي تصل أحياناً إلى 1500 ريال شهرياً، مروراً بمشكلات الحافلات واختلافها مع دوريات المرور، التي تعرّضنا إلى التوقف في الشوارع، وانتهاء بأخطار الطريق وتأخرنا في الوصول إلى منازلنا بسبب زحام الحافلات بالموظفات».
ولفتت العيسى إلى أن الموظفة السعودية «واجهت ظروفاً عصيبة جداً في مسألة العمل وأزمة المواصلات، خصوصاً أن كثيرات بدأن حياتهن الوظيفية برواتب ضئيلة، «فمثلاً كنت أعمل في البداية في مراكز لطب الأسنان في مدينة الخبر براتب 1800 ريال. فيما كنت أعطي السائق 1200 ريال. ويتبقى لي 600 ريال فقط». وأوضحت أن هذا الأمر سبب «اعتراض أسرتي، وطالبوني بالتوقف عن العمل، لحين الحصول على وظيفة أفضل. إلا أنني فضّلت الإستمرار، لإكتساب الخبرة. واعتبرت تلك الفترة من فترات التدريب، وما يتبقى من الراتب هو مكافأة فقط».
كما اعتبرت العيسى السماح للنساء بقيادة المركبات «أمراً في غاية الأهمية. لكن يحتاج إلى ضوابط وأنظمة صارمة جداً، إذ سيساهم في تشجيع الموظفات على العمل بأريحية في القطاعات الخاصة. كذلك في زيادة احتقان الشوارع والطرق بالسيارات. والحل الأمثل في اعتقادي هو إلزام الشركات والمنشآت الأهلية بتوفير حافلات لموظفاتها، أو إنتظار مشروع النقل العام، الذي سيساهم في توفير وسائل آمنة ومريحة من دون تأخير».
فيما قال محمد الدعبل، وهو صاحب مؤسسة متخصصة في نقل الموظفات، أن «مشكلة المواصلات في المملكة تتحملها جهات حكومية وأهلية عدة»، موضحاً أن «الشباب السعودي يعمل في هذا القطاع منذ أعوام طويلة، وساهم في تشجيع السعوديات على اقتحام القطاع الخاص، بعد أن وفّر لهن سبل النقل الآمن والمريح، فضلاً عن الثقة كون السائقين من أبناء المنطقة».
ولفت الدعبل إلى أن «الصعوبات التي تواجهنا حالياً تكمن في دوريات المرور، واعتراضها المتكرر على الحافلات، مطالبة بحيازة رخص التشغيل. بينما الجهات المسؤولة وفي مقدّمها وزارة النقل وضعت شروطاً تعجيزية للحصول على هذه الرخصة، فأصحاب الحافلات بين نارين: المخالفات التي تلاحقنا يومياً من الدوريات المرورية، والعقبات التي تواجهنا مع وزارة النقل للحصول على رخص النقل المدرسي أو غيرها».
وكشفت دراسة أعدها «مركز السيدة خديجة بنت خويلد» في جدة، عن عدم وجود سائق خاص لسعوديات كثيرات، «ما يساهم في شكل مباشر وغير مباشر، في التأثير على إنخراطهن في العمل أو الإستمرار فيه، ومن ثم يقلل من حجم إنتاجيتهن المتوقعة»، موضحة أن أبرز طرق المواصلات التي تستخدمها السعوديات للوصول إلى مقر أعمالهن، تتمثل في «الإستعانة بالسائق الخاص بنسبة 48 في المئة، بينما تستعين 26 في المئة منهن بأفراد الأسرة لإيصالهن، فيما يلجأ 12 في المئة منهن إلى سيارات الأجرة المعروفة، وتتفق 9 في المئة منهن مع ملاك سيارات خاصة بالساعة، ويحصل 4 في المئة منهن فقط على حافلات خاصة من جهة العمل. فيما دخل واحد في المئة فقط، منهن تحت إطار طرق أخرى للنقل».
وطبقاً للدراسة، فإن تأثير المواصلات على أفراد المجتمع من النساء أكثر منه بالنسبة للرجال. إذ تواجه 46 في المئة منهن مشكلات خلال التنقلات اليومية، بينما لا يواجهها إلا 27 في المئة من الرجال. ولا تواجه نحو 54 في المئة من الإناث أي مشكلة مواصلات، بينما تزداد هذه النسبة لدى الذكور إلى 73 في المئة.
وتكمن أبرز هذه المشكلات في عدم توفير جهة العمل وسائل نقل للعمال، وقصور رب الأسرة في تنفيذ مهمة التوصيل، إضافة إلى عدم القدرة على استخدام المواصلات الخاصة لأسباب مادية أو غير ذلك، وارتفاع كلفة المواصلات التي عادة ما تشمل سيارة الأجرة، وكذلك إرتفاع كلفة إستقدام السائق الخاص أو الإستخدام المتعدد من أفراد الأسرة في حال وجود سائق واحد فقط.