24-11-2024 07:17 PM بتوقيت القدس المحتلة

تمويل المحكمة الدولية.. ‘حماقة’ قد تطيل اللعب بمصير لبنان ومستقبله

تمويل المحكمة الدولية.. ‘حماقة’ قد تطيل اللعب بمصير لبنان ومستقبله

قد تكون المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري والمسماة "المحكمة الخاصة بلبنان" من أكثر الجهات القضائية عبر التاريخ التي أثير حولها هذا الكم من التشكيك والإتهامات.

قد تكون المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري والمسماة "المحكمة الخاصة بلبنان" من أكثر الجهات القضائية عبر التاريخ التي أثير حولها هذا الكم من التشكيك والتساؤلات وحتى الإتهامات التي بان الكثير من ثبوتها خصوصا فيما يتعلق بشرعية وجود المحكمة مرورا بعدم قانونية الكثير من أعمالها وليس آخرها تجزئة القرار الإتهامي الذي صدر عنها ولم يتضمن أية أدلة واضحة صلبة يقوم عليها الاتهام الجنائي.


وقد تكون هذه المحكمة أول جهة قضائية تثير هذا الانقسام في تأييدها أو رفضها إنطلاقا من آراء سياسية أو حتى من أهواء أو تعليمات مما يضرب صدقية المحكمة بدل أن يدعّمها، فعندما تكون محكمة كل ما فيها يرفض أو يقبل إنطلاقا من السياسة، فأي عدالة ستنشدها هذه المحكمة سوى عدالة مسيسة لا ترقى لتحقيق عدالة حقيقة، بل قد توصل الى ضياع الرسالة التي وجدت - كما هو مفترض - من أجلها المحكمة ألا وهي حقيقة من اغتال الرئيس رفيق الحريري.


تمويل المحكمة الدولية مسألة "قديمة جديدة" مطروحة اليوم للنقاش بجدية


وبما أن كل ما يتعلق بالمحكمة يصبح موضع جدال ونقاش وخلاف بين اللبنانيين، تطرح في هذه الأيام مسألة "تمويل" المحكمة الدولية من قبل الدولة اللبنانية، وهي في الحقيقة مسألة قديمة جديدة لأنها طالما طرحت من قبل على سياق البحث والنقاش، ولكنها لم تكن تطرح بالجدية التي تلقاها اليوم وذلك لأن منذ وجود المحكمة وحتى ما قبل الحكومة الحالية كانت كل الحكومات التي وجدت في لبنان يرأسها إما "ولي الدم" سعد الدين رفيق الحريري أو حتى أحد رجالات الحريري الإبن والأب فؤاد السنيورة، حيث كانت مسألة التمويل تمرّ مرور الكرام خصوصا أن الأكثرية الحاكمة كانت لدى فريق "14 آذار".

 


جنبلاط وميقاتي أبقيا موضوع "التمويل" محل نظر في النقاش الحكومي


ولكن اليوم بما أن الاكثرية إنقلبت أقلية والأكثرية الحاكمة - بغالبية أطيافها - هي كما هو معروف لديها الكثير من الملاحظات على المحكمة في وجودها وعملها وخلفيات العاملين فيها من قضاة ومحققين وإرتباطات هؤلاء، يبدو أن التمويل أصبح محل نظر وأصبح التزام لبنان بالتمويل يُبحث بشكل جدي قبل الحديث عن نسفه من أساسه، وما يجعله محل نظر ولم يرقَ بعد الى مرحلة نسفه نسفا هم رجلان: وليد جنبلاط ونجيب ميقاتي.


فالنائب جنبلاط وإن كان قد أعاد تموضعه السياسي الى جانب المقاومة وفريق "8 آذار" إلا أنه لا يزال يحاول الحفاظ على توازن ما في العلاقة مع الفريق الآخر وخصوصا فريق "آل الحريري"، ولا يزال جنبلاط يبقي على أكثر من "شعرة معاوية" مع هذا الفريق حيث أنه يحفظ لنفسه "خطا للرجعة" فيما لو أراد إستخدامه في يوم من الأيام باتجاه قصر قريطم او بيت الوسط أو أيا من البيوت الآذارية الآخرى لا فرق.


أما الرئيس ميقاتي فهو يحاول تثبيت تموضعه في الوسطية التي إلتزمها منذ ما قبل وصوله إلى رئاسة الحكومة الحالية بما تفرضه عليه من عدم الميل كل الميل إلى مطالب أي من الفريقين "الأكثرية الحالية أو 14 آذار"، بالاضافة إلى أن الرجل يحاول إعادة ترتيب "البيت السياسي السني" بحيث يبتعد عن كل ما يثير حساسية هذا الشارع سواء على صعيد المحكمة الدولية أو على صعيد المساس برجال الحريري في المواقع الإدارية المختلفة (حتى من إرتكب مخالفات قانونية) تحت عنوان إبتعاده عن تهم الكيدية السياسية التي ستساق ضده فيما لو مسّ بأي من هؤلاء الموظفين.


لماذا يجب أن يموّل لبنان محكمة تثير الخلافات بين اللبنانيين


وأيا يكن من يخالف تمويل المحكمة أو من يؤيدها، وأيا كانت حسابات النائب وليد جنبلاط أو الرئيس نجيب ميقاتي، يطرح التساؤل حول الأسباب الموجبة التي تلزم لبنان بتمويل المحكمة الدولية المقررة ليس باتفاقية دولية بين لبنان والامم المتحدة بل بقرار صادر عن مجلس الامن تحت الفصل السابع، فهل لبنان ملزم بتمويل محكمة تثير الخلافات بين أبنائه فقط لأن هناك من أقرها في مجلس الأمن ولم يوافق عليها مجلس النواب اللبناني؟ بالاضافة إلى أن لبنان لم يجر رقابة ولم يضع هو موازنة هذه المحكمة إنما تمَّ إسقاطها على ماليته وهو ملزم بالدفع؟ ولماذا لا يدفع مجلس الامن نفقات ما قرره؟ وهل كل ما يقرره مجلس الامن على لبنان أن يلتزم به مع كل مصاريفه؟ مثلا اليونيفيل وجدت بقرار من مجلس الأمن ولبنان لا يتحمل نفقاتها فلماذا يجب عليه تحمل نفقات المحكمة رغم أن كليهما أسقطا عليه بقرارين صادرين عن مجلس الامن؟ فلماذا لا يجوز في المحكمة ما يجوز في غيرها؟


جوني: القرار 1757 أعطى للبنان إمكانية الاعتذار عن تمويل المحكمة


حول كل هذه التساؤلات توجهنا بالسؤال الى الخبير في القانون الدولي الدكتور حسن جوني الذي قال إن "مشروع إتفاقية المحكمة التي كان من المفترض أن تعقد بين لبنان والامم المتحدة كان يلزم لبنان بأن يموّل المحكمة الدولية بنسبة 49 % من مصاريفها"، واشار الى ان "القرار 1757 الذي صدر تحت الفصل السابع عن مجلس الأمن الدولي أخذ مشروع الاتفاقية وأقرها وألزم لبنان بدفع 49 % من مصاريف المحكمة"، وأضاف  أن "القرار 1757 أعطى لبنان إمكانية عدم تمويل المحكمة من خلال تقديم إعتذاره إلى الامم المتحدة إذا ما تعذر عليه التمويل لأي سبب من الأسباب"، وأكد أن "لبنان غير مضطر أن يقدم التبرير(بحسب الـ1757) حول أسباب عدم تمويله المحكمة وبعد ذلك هناك سبيل بديل لتمويل المحكمة من خلال قيام الأمين العام للامم المتحدة بتأمين التمويل من خلال مصادر الامم المتحدة المختلفة أو من خلال دول آخرى".


وفيما أوضح جوني في حديث لموقع قناة "المنار" الالكتروني أنه "يمكن للبنان أن يقدم الاسباب لعدم تمويله المحكمة كأسباب مالية أو حتى سياسية وغيرها"، رأى أن "بعض اللبنانيين يهوّلون على أبناء بلدهم ويكذبون عليهم من خلال القول إن لبنان سيواجه المجتمع الدولي فيما لو أنه لم يمول المحكمة"، مذكرا ان "لبنان قد لا يمول المحكمة وهنا التمويل يؤمنه الامين العام للامم المتحدة"، سائلا "كيف سيواجه لبنان المجتمع الدولي والقرار 1757 أعطاه السبيل لعدم تمويل المحكمة إذا ما أراد ذلك"، مضيفا أن "لا مبرر للقول إن على لبنان الالتزام بالقرارات الدولية باعتبار أن لبنان هو الآن في رئاسة مجلس الامن لان لبنان بقي له في هذه الرئاسة 10 أيام فقط ولا إحراج للبنان إذا ما رفض التمويل".
 

جوني: تمويل المحكمة موضوع سياسي بامتياز والمشكلة ليست في التمويل بل بمسار عمل المحكمة


وإذ شدد جوني على أن "عدم وجود أي نتائج لعدم تمويل لبنان للمحكمة كما يحاول البعض الاشاعة كوقوع لبنان تحت عقوبات معينة"، لفت الى ان "المحكمة الدولية لن تتوقف أصلا إذا لم يدفع لبنان حصته من التمويل المتمثلة بــ49 % من المصاريف"، وأكد أن "المشكلة ليست في التمويل بل في مسار المحكمة والمخالفات القانونية التي ترتكبها والخلفيات التي تتحرك من خلالها"، معتبرا أن "الهدف الذي يسعى إليه من يقف خلف المحكمة هو إيقاع الفتنة بين اللبنانيين من خلال هذه المحكمة وما تسعى  الى إصداره من قرارات"، وختم أن "موضوع تمويل المحكمة الدولية هو موضوع سياسي بامتياز وأهل السياسة هم من سيحسم هذه المسألة، أما من الناحية القانونية فالموضوع واضح بأن لبنان يستطيع عدم تمويلها".

 


 
نصر الله: تمويل المحكمة كمين ستدفع المقاومة ثمنه قبل غيرها


من جهته حذّر مدير "المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية" في لبنان رفيق نصرالله من "إرتكاب حماقة تمويل المحكمة الدولية"، ونبه إلى أنّ "خطوة من هذا النوع ستكون بمثابة كمين ستدفع المقاومة ثمنه قبل غيرها"، ورفض الحديث عن "إحتمال حدوث موافقة غير مباشرة على تمويل المحكمة في مجلس الوزراء"، ورأى أنه "إذا تمّت الموافقة سواء كان ذلك مباشرةً أو غير مباشرة نكون بصدد إرتكاب حماقة كبيرة".


وفيما شدد نصر الله في حديث لموقع قناة "المنار" الالكتروني على "ضرورة عدم الوقوع بفخ من هذا النوع والذهاب بعيداً في المواجهة"، أشار إلى أنّ "حكومة الرئيس نجيب ميقاتي جاءت في الأصل لتصويب مسار المحكمة الدولية ولفتح ملف شهود وبدلاً من تحقيق ذلك بات علينا أن نستمع لنصائح رئيس الحكومة لحزب الله بتعيين محامين ليدافعوا عنه أمام المحكمة الدولية".


لا شك أن من لديه سلطة القرار بالموافقة على تمويل المحكمة من عدمه ومن سيساهم بهذا القرار عليه مسؤولية تاريخية أخلاقية ووطنية اتجاه لبنان، لأنه بعد مرور عدة سنوات تكشفت بشكل كبير طريقة عمل المحكمة الدولية المخالفة للقانون وكيفية تسييس الكثير من محطاتها للوصول الى غايات قد لا تكون من ضمنها معرفة الحقيقة، بالإضافة إلى فضح إرتباطات وفساد الكثير من العاملين فيها من قضاة ومحققين، فمن يريد الموافقة على التمويل عليه معرفة أنه قد يترك لبنان في نَفَقْ المحكمة مع ما قد يؤثر هذا القرار على مستقبل لبنان وإستقراره وسلامة العيش المشترك بين بنيه مع ما يحمله هذا القرار من تبعات إستمرار اللعب بمصير لبنان وتضييع دم الرئيس رفيق الحريري وحقيقة من قتله.