الكثير من مستخدمي شباك التواصل الاجتماعي اتهموا الأكاديمية بالعنصرية، واصفين ترشيحاتها العام بجوائز الأوسكار البيضاء، وذلك لغياب الملونين والسود في الترشيحات للجوائز المهمة
منذ إعلان ترشيحات جوائز الاوسكار الـ 87 يوم الخميس الماضي، اشتعلت نيران الانتقاد ضد أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة، التي تمنح هذه الجوائز، متهمته إياها بالتمييز العنصري والجنسي، لتجاهلها فنانين سود ونساء يستحقون التكريم، وخاصة بطل ومخرجة فيلم «سلمى» وهما الممثل البريطاني دافيد اويلو والمخرجة ايفا دوفيرني بالتوالي.
وعبّر المخرج الاسود الشهير، سباك لي، عن غضبه قائلا «ليذهبوا الى الجحيم». ويذكر أن الأكاديمية تجاهلت فيلمه «إفعل الشيء الصحيح» عام 1989 رغم إجماع النقاد على أنه كان واحدا من 10 أفضل أفلام الثمانينيات.
«سلمى»، الذي تدور احداثه في الستينيات، هو أول فيلم يسرد قصة نضال الزعيم الامريكي الأسود، مارتين لوثر كينغ، من أجل نيل حق الانتخاب للسود الأمريكيين. ويعتبر كينغ، الحائز على جائزة نوبل للسلام، من أهم الشخصيات التي كافحت في سبيل الحرية وحقوق الإنسان مما أثار استغراب الكثيرين من تجاهل الأكاديمية لفيلم يسلط الضوء على حياته وإنجازاته.
منذ عرضه الأول في مهرجان «معهد الافلام الامريكي» في لوس أنجليس في شهر اكتوبر/ تشرين الأول العام الماضي، استحوذ «سلمى» على إعجاب كل من شاهده وبات ثاني أكثر الأفلام إشادة من النقاد بعد فيلم «الصبا»، الذي حاز على 8 ترشيحات أوسكار، حسب «ميتاكريتيك». كما أنه تصدر التكهنات في البروز في جوائز الاوسكار وخاصة لبطله الممثل اويولو، الذي قام باداء رائع في تجسيده لشخصية كينغ، لا يقل براعة من أداء الممثل البريطاني دانيل دي لويس، الذي حصد جائزة الاوسكار عن دور لينكولن قبل عامين. وكان متوقعا ايضا أن تُرشح دوفيرني لجائزة أفضل مخرج لتكون أول مخرجة سوداء تحقق ذلك.
تجاهُل فيلم «سلمى» لم يقتصر على أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة وإنما عم النقابات المهنية في هوليوود كلها، اذ لم يحصل اويولو على ترشيح من نقابة الممثلين ولم يظهر إسم دوفيرني في قائمة مرشحي نقابة المخرجين ولم يُرشح الفيلم لجائزة نقابة المنتجين.
الجدير بالذكر أن في العام الماضي تصدر فيلم المخرج الاسود ستيف ماكوين «12 سنة عبدا» ترشيحات كل هذه النقابات والاوسكار قبل أن يحصد لاحقا جوائزها كلها، رغم أن بعض الخبراء في هوليوود يعتقدون أن «سلمى» هو أفضل من «12 سنة عبدا».
لا بد لنا أن لا ننسى أن تحقيق الجوائز في هوليوود لا يكمن في جودة الفيلم الفنية وحسب وإنما في كفاءته ودهاء حملة الترويج له. أنا اذكر أن كثيرا من زملائي في جمعية الصحافيين الأجانب في هوليوود لم يرغبوا «12 سنة عبدا» ولكنهم رشّحوه لجوائز الـ»غلودن غلوب» ومنحوه الجائزة لأفضل فيلم، وذلك لتفادي إتهامهم بالعنصرية من قبل وكلائه.
أما حملة ترويج «سلمى» فقد اتسمت بالكسل والفوضوية، اذ رغم عرض الفيلم أمام أعضاء الأكاديمية إلا أنه لم يعرض أمام النقابات المهنية ولم ترسل أسطواناته لاعضائها. وهذا كان خطأ فادحا، لأن ترشيحات النقابات عادة تمهد لترشيحات الأوسكار.
من المثير للاهتمام أن «سلمى»، الذي يسبر مرحلة محورية في تاريخ الولايات المتحدة، تم تكريمه على يد جمعية الصحافيين الأجانب، الذين منحوه عدة ترشيحات مثل أفضل فيلم درامي، وأفضل ممثل لاويولو وأفضل مخرجة لدوفيرني وجائزة «غلودن غلوب» لافضل أغنية لجون ليجيند.
أما مصوتو الاوسكار المحليون، فبدلا من تكريم «سلمى»، منحوا فيلم كلينت ايستوود المثير للجدل «قناص أمريكي»، الذي يسرد قصة عضو القوات الخاصة الامريكية الذي قتل 160 عراقيا خلال خدمته في حرب العراق، 6 ترشيحات من ضمنها أفضل فيلم وأفضل سيناريو وأفضل ممثل لبطله برادلي كوبر، وهي الترشيحة الثالثة له على التوالي في 3 السنوات الاخيرة. «قناص أمريكي» لم يشد به النقاد، ولكن خلافا لـ«سلمى»، الذي يكشف عن عيوب أمريكا ويفضح عنصريتها تجاه الأقلية السوداء، فهو مدجج بالوطنية الامريكية وبطولات وتضحيات جنود أمريكيين في حرب العراق، وهذا بلا شك أثّر على إختيارات أعضاء الأكاديمية، المكونين من 94 ٪ بيض، 76٪ منهم رجال ومعدل جيلهم 63 عاما.
الكثير من مستخدمي شباك التواصل الاجتماعي اتهموا الأكاديمية بالعنصرية، واصفين ترشيحاتها العام بجوائز الأوسكار البيضاء، وذلك لغياب الملونين والسود في الترشيحات للجوائز المهمة وهي التمثيل، الإخراج، كتابة السيناريو واللحن الموسيقي لأول مرة منذ سنة 1998. كما لم ترشح الأكاديمية أي امرأة بيضاء في فئة كتابة السيناريو او الإخراج، متجاهلة أنجلينا جولي وفيلمها «انبروكين» وكاتبة سيناريو فيلم «فتاة مختفية» غيليان فلين، التي توّجت مؤخرا بترشيحة «غلودن غلوب».
من المفارقات أن رئيسة الأكاديمية، شيريل بون اساكس، هي إمرأة سوداء. وفي ردها على الانتقادات قالت إن نتائج ترشيحات الأوسكار هذا العام الهمتها بتعجيل مبادرة الأكاديمية في السعي للتعددية. كما أشارت الى ترشيح «سلمى» في فئة أفضل فيلم وأفضل أغنية.
الحقيقة هي أن الأكاديمية تعكس الواقع الأمريكي والهوليوودي. فعلى سبيل المثال، حطّم فيلم «قناص أمريكي» رقما قياسيا في شباك التذاكر الأمريكي نهاية هذا الاسبوع بدخل يعادل 90 مليون دولار، بينما لم يحقق «سلمى» أكثر من 25 مليون دولار منذ انطلاقه قبل شهر.
واذا نظرنا الى أفلام هوليوود الـ 10 الاكثر دخلا العام الماضي نجد أن اثنين منها فقط وهما «ماليفيسينت» و»العاب الجوع: الطائر المقلد- جزء 1» كانا من بطولة امرأة. وكل تلك الأفلام أخرجها رجال بيض وغالبا كان ابطالها بيض وذكور. و6 فقط من 26 كاتب سيناريوهاتها كانوا نساء، وكلهن بيض.
لا بد أيضا أن نذكر أمرا هنا يخشى أحد أن يشير اليه في أمريكا وهو أن معظم هؤلاء البيض هم يهود والسبب لكثرتهم يعود لكونهم مؤسسي هوليوود وزعماء استوديوهاتها وبالتالي هم يفضلون سرد قصص تتعلق بأمورهم واستخدام مخرجين ومنتجين وممثلين يهود للقيام بمشاريعهم.
وقد كشفت لنا تسريبات الرسائل الإلكترونية، التي نتجت عن اختراق شبكة سوني الإلكترونية، مؤخرا عن استهتار رئيسة الشركة اليهودية، امي باسكال، وزميلها المنتج اليهودي، سكوت رودين، برئيس الولايات المتحدة باراك اوباما لكونه معجبا بافلام المخرجين السود. لم يكن هناك عواقب لتعليقاتهم العنصرية، اما من يجرؤ على المس باليهود فمصيره هالك. لا أنكر أن سم العنصرية ما زال يسري في شرايين المجتمع الامريكي، ولكن لا أظن أنه كانت هناك مؤامرة عنصرية ضد السود أو استخفاف متعمد بابداع النساء في ترشيحات الاوسكار هذا العام، فهذه ليست المرة الاولى التي تتجاهل فيها الأكاديمية فنانين وأفلاما كانوا يستحقون التكريم أكثر من غيرهم.
في العام الماضي حُرم الممثل المخضرم روبرت ريدفورد من ترشيحة في فئة أفضل ممثل، رغم أنه قام باداء دور فريد من نوعه في فيلم «الكل ضاع» بدون أن ينطق إلا كلمة واحدة. كما صدمت الأكاديمية الجميع بعدم ترشيح بن أفليك لأفضل مخرج عن فيلمه «ارغو» عام 2012، رغم أنه كان فاز بكل الجوائز الاخرى.
وفي العام 2009، منحت الأكاديمية جائزة الاوسكار للمخرجة كاثرين بيغولو عن فيلمها «ذي هيرت لوكر» بدلا من جيمس كاميرون مخرج الفيلم الرائد «افاتار»، وذلك من أجل ارضاء النساء وصنع حدثا تاريخيا وهو تتويج مخرجة بجائزة أوسكار لأول مرة.
جوائز الأوسكار العام الماضي كانت حدثا تاريخيا، وذلك لمنح جائزة أفضل فيلم لمخرج أسود وهو ماكوين لأول مرة. أما هذا العام فقد أضاعت الأكاديمية الفرصة لصنع تاريخ من خلال ترشيح مخرجة سوداء لأول مرة.