جدَّته التي اعتادت تشييع الشهداء وتقبُّل التبريكات قالت: "هذا البيت قدَرُه الشهادة والشهادة هبة منحها الله للخاصة من الاولياء".
أمين ابوراشد
جدَّته التي اعتادت تشييع الشهداء وتقبُّل التبريكات قالت: "هذا البيت قدَرُه الشهادة والشهادة هبة منحها الله للخاصة من الاولياء". وجهاد، أعلن للعائلة فور استشهاد والده القائد الكبير عماد مغنية، أنه قرَّر ترك الجامعة التي كان على وشك التخرُّج منها في مجال الإدارة، والسير على درب الشهادة، بعد أن كان قد اعتلى منبر تشييع والده وسط الألوف المؤلَّفة، ووضع نفسه كإبن شهيد بتصرُّف المقاومة لإكمال المسيرة بصفته إبناً لأب الشهداء سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.
تلك النبرة المنبرية الواثقة لجهاد مغنية في إعلانه الولاء للقضية وللمقاومة وسيِّدها، تعكس قوَّة الإيمان، ومثله الكثير من المجاهدين الذين وضعوا علمهم وخبراتهم وشبابهم في خدمة وطن، ما يجعلنا نقف حائرين أمام بعضٍ من شبابٍ لبناني تائهٍ حائرٍ بلا ثقافة مواطنة ولا قضية.
أمام أضرحة جهاد مغنية ورفاقه الخمسة ومن سبقوهم على دروب الشهادة، نشمخ بهم كباراً ونتبرَّك بقدسية شهادتهم من جهة، ونتحسَّر من جهة أخرى على حفنة شبابٍ لبنانيين من جيل الشهيد جهاد، لم يعرفوا مدرسة المواطنة اللبنانية بعد، وتهافتوا منذ أيام خَلَت عبر المواقع الإلكترونية ومن خلال التجمُّعات تحت راية "أنا شارلي" تضامناً مع مجلة فرنسية تسمَّى "شارلي إيبدو"، ساقطة من قواميس القِيَم والأخلاق، وهتفوا مناصرين لها تحت ذريعة الحرِّية وتنديداً بالإرهاب، الذي ما رأيناهم يستنكرونه في حربه على لبنان!
نُخاطب روح جهاد مغنية الطاهرة ونقول: إذا كان بعض شبابنا لا يمتلكون في ضمائرهم وتربيتهم قضية لبنانية وطنية إنسانية تُشغلهم، فنحن معهم في إدانة الإرهاب المتنقِّل الزاهق للأرواح، والمقاومة الإسلامية واللبنانية كانت وستبقى رأس حربة في التصدِّي للإرهاب، لكن التضامن مع الحرية في فرنسا لا يعني أن نكون مع مجلَّة تتعرَّض للأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم، وإذا كان للغرب أن يكون علمانياً وأن يكون ملحداً فهذا شأنه، لكن لا العلمنة ولا الإلحاد يسمحان للغرب بحماية من يتطاولون على مقدَّسات الآخرين تحت ستار الحرية الوقحة التي لا حرمة فيها للذات الإلهية وقُدسية الأديان.
نحن لا نُطالب كل شباب لبنان أن يكونوا جهاد مغنية وفي صفوف المقاومة، لأن المقاومة دعوةٌ مُنزَلة على من يختار درب التضحية والبذل حتى الشهادة، لأنها حصراً لمن بايع نفسه مقاوماً وباع كل ما هو دنيويٌ لا قيمة له في ميزان القِيَم، لكن شبابنا مدعوون لوحدة مقاومة ثقافية تجمعهم من مختلف مشاربهم وأديانهم وإنتماءاتهم تحت راية وطنٍ سيِّدٍ عزيزٍ كريم رواه أمثال جهاد مغنية بطهر الشهادة.
بعض شباب لبنان بحاجة لفهم الحرية، والتمييز بينها وبين التفلُّت والإنحراف والكفر، وإدانة إرهابٍ شيطانيٍّ تكفيري من صُنع أميركا وإسرائيل والغرب، قبضاته السوداء تقرع أبواب صانعيه، لا تعني أن نُدافع عن منشورات ملحدة تمسُّ بالقيم التي باتت بلا قيمة، في مجتمعاتٍ لامست الإلحاد وتدعو زوراً الى حوار حضاراتٍ وأديان، وهي التي تبني حضارتها على جهلنا وتخلُّفنا وقناعتنا المغلوطة أن كل ما في الغرب بات مثالاً يُحتذى، فيما الغرب بلغ حدود المساس بقدسية أنبياء ومرسلين انطلقت رسالتهم من الشرق.
هي قراءة أكثر من متواضعة على ضريح جهاد مغنية، نستلهم من خلالها ثقافته ورؤيته وعزمه، وحسبُنا مع تلك الجماهير المؤمنة بالله والوطن التي تدفَّقت في تشييعه، أن ندعو شبابنا الى وقفة مع الذات في حضرة الشهادة، ونُدرك التمييز بين العدو والصديق، وننذر أنفسنا من أجل إعلاء كلمة الحق، ونؤدي قَسَم الولاء للوطن الواحد، ولمقاومة مؤمنة مسؤولة حكيمة سواء كنا من عديدها أو من مناصريها، لتبقى لنا الأرض ويبقى الوطن والرحمة لشهدائنا....