يتحوّل مخيم عين الحلوة تدريجياً إلى نقطة أساسية لإعادة تجميع مجمل قوى الإرهاب التي كانت منتشرة في الشمال اللبناني ومنطقة عرسال، في حركة نزوح مريب له أهداف سياسية خطيرة كما يبدو
د. وفيق ابراهيم
يتحوّل مخيم عين الحلوة تدريجياً إلى نقطة أساسية لإعادة تجميع مجمل قوى الإرهاب التي كانت منتشرة في الشمال اللبناني ومنطقة عرسال، في حركة نزوح مريب له أهداف سياسية خطيرة كما يبدو.
للنزوح أسبابه ولإعادة التجميع مبرّراتها. فعلى المستوى السياسي، سحب «حزب المستقبل» المقرّب من السعودية غطاءه عن معظم الحركات الإرهابية في الشمال، نتيجة لبدء حواره مع «حزب الله»، ما استتبع انكشاف هذه الحركات في الشمال اللبناني، حصراً، أمام قوى الأمن الداخلي وأفواج الجيش اللبناني التي تمكنت من فكفكة معظم خلاياها النائمة والمستيقظة في طرابلس وعكار والضنية. أما في عرسال، فقد نجح الجيش و«حزب الله» في لجم اندفاعة «داعش» و«النصرة» نحو تأسيس «إمارة إسلاماوية» كان يمكن لها أن تمتد من سواحل المتوسط عند مدينة طرابلس حتى حدود جرود عرسال مع سورية.
لذلك تراجعت أهمية عرسال عند إرهابيي «داعش» و«النصرة» من دور العصب المركزي للإمارة المنشودة، إلى مجرد أداة للتوتير ضدّ الجيش و«حزب الله» ومخزن للتموين الغذائي لعناصرهما القابعين في الجرود.
كان أمام الإرهابيين ثلاثة احتمالات: إما التسلل إلى سورية، أوالفرار بحراً، أو إيجاد موقع جديد لتحركاتهم في لبنان، وبعد أن تبين لهم أنّ التسلّل صعب جداً، وكذلك الفرار بحراً لأن لا مكان لهم في الخارج بعد تعثر وضع «الإسلامويين» في ليبيا، فضلوا الانتقال إلى موقع جديد في لبنان، مختارين مخيم عين الحلوة لأسباب متعددة:
أولاً: وجود عدد كبير من الفلسطينيين المتشدّدين داخله.
ثانياً: محاذاته لمدينة صيدا ذات الغالبية «السنية».
ثالثاً: موقعه بجوار إقليم الخروب «السني».
رابعاً: قطع الطريق الساحلية على «حزب الله» بين بيروت والجنوب.
خامساً: إمكانية جمع نحو 300 ألف «سني» لبناني وفلسطيني وسوري، في إطار إمارة جديدة تمتد من حدود صيدا مع الغازية وحتى حدود بلدة الناعمة مع الجوار المذهبي المتعدّد لها. شاطئ طويل من الممكن استخدامه للتوغل في الإرهاب .
نلاحظ إذاً أنّ المشروع الإرهابي يكتسب خطورة أكبر، على المستوى الداخلي اللبناني، بعد انتقاله للعمل في مخيم عين الحلوة تحت أنظار عشرات التنظيمات الفلسطينية والمجموعات الإرهابية، ويمكن من خلاله التجديد للفتنة السنية الشيعية لأنّ أبواب المخيم تطلّ على جنوب لبنان. وربما تجد التنظيمات الإرهابية تحالفات لها في أوساط إقطاعية من مذاهب أخرى، تفترضُ أنّ اصطفافاتها الإقليمية والدولية، تقيها شرّ الإرهاب وتجعله حليفاً لها. وهذا يعني تدمير لبنان نهائياً وإقحامه في لعبة المشيخات والدويلات.
كل هذه المعطيات فرضت على «داعش» و«النصرة» و«القاعدة» ومجموعات أخرى الانتقال إلى مخيم عين الحلوة بعد مفاوضات مع قوى أساسية حليفة لها في المخيم ومدينة صيدا. فأصبح المخيم، الذي لا تزيد مساحته عن بضعة كيلومترات مربعة، يضمّ القوى التالية: «حركة فتح» و«جماعة دحلان»، «حماس»، «الجهاد»، «الديمقراطية»، «الشعبية»، «القيادة العامة»، «فتح الإسلام» «عصبة الأنصار»، «غلاة الإخوان»، «إرهابيو الشمال»، «داعش»، «النصرة»، «القاعدة»، وتشكيلات «إسلاماوية» مختلفة وعصابات إجرامية وجماعة أحمد الأسير وفضل شاكر ومئات الإرهابيين السوريين ونازحون سوريون حوّلهم الفقر إلى أدوات تعمل في خدمة الإرهاب.
ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ مئات الإرهابيين مطلوبون بجرائم قتل قضاة وعسكريين لبنانيين واعتداءات على حواجز للجيش وجرائم سرقة وسطو، وهناك «علماء إسلامويون» يفتون للإرهابيين بقتل كلّ من يقف في وجههم.
تنقسم هذه التنظيمات المذكورة إلى ثلاثة أقسام: ذوو الاهتمامات الفلسطينية كـ»فتح» و«الديمقراطية» و«الشعبية» وبعض أجنحة «حماس»، ومؤيدو النظام السوري منهم «القيادة العامة» و«الفجر»، وبعض التشكيلات الفلسطينية المرتبطة بـ«حزب الله».
أما ما تبقى من تشكيلات فهي تدور في فلك الإرهاب مثل: «القاعدة و«داعش» و«النصرة».
يؤسِّس هذا الوضع لصراعات بين:
ـ ذوي الاهتمامات الفلسطينية وتنظيمات فلسطينية وسوريين داعمين للإرهاب.
ـ الإرهابيين السوريين والفلسطينيين مع الجيش اللبناني والقوى الأمنية.
ـ صراعات مذهبية مع جنوب لبنان.
وتفترض هذه الاحتمالات أنّ مركزية «حركة فتح» قد تضعضعت، ما يستتبع تعزيز دور الحركات السلفية في ظلّ عدم وضوح موقف «حزب المستقبل» الموجود في مدينة صيدا. فهل رفع «المستقبل» غطاءه عن الإرهابيين في الشمال، حصراً، ويريد استثمارهم في الجنوب، أم أنه أصبح مناوئاً لهم في كلّ مكان؟
الملاحظ أنّ السعودية تشنّ حرباً إعلامية قوية على «داعش» و«النصرة»، ما يوحي بأنّ «المستقبل» في الجبهة نفسها، وهذا ما يعزِّز الآمال بفرض مكافحة الإرهاب في مخيم عين الحلوة ومدينة صيدا.
لذلك فإنّ اكتفاء المسؤولين في «فتح» بترداد مقولة أنهم لا يعرفون شيئاً عن الإرهابيين ولم يشاهدوهم، أصبحت بالية وممجوجة، فالخطر يحدق بالجميع، وإلا فإنّ البديل «دحلان» الذي يتهيأ للسيطرة على «فتح» بمساعدة اللينو، ولا مكان لـ«حماس الأخوان» إلى جانب «داعش» و«النصرة»، لذلك يجب، في الحدّ الأدنى، منع تحويل المخيم إلى رأس حربة لصراعات مذهبية لن تكون، بكلّ تأكيد، في مصلحة القضية الفلسطينية.
إنّ خطراً كبيراً يطرق باب «عين الحلوة»، فهل تنبه «الإخوة» إلى هذا الخطر؟ المركب واحد فادعموه قبل أن يغرق.
http://www.al-binaa.com/?article=26293
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه