ارتفعت أصوات المنتقدين للغارة الجوية الإسرائيلية التي أودت بحياة شهداء «حزب الله» وإيران
حلمي موسى
ارتفعت أصوات المنتقدين للغارة الجوية الإسرائيلية التي أودت بحياة شهداء «حزب الله» وإيران في مزرعة الأمل قرب القنيطرة. وازدادت حدة الانتقادات على وجه الخصوص بعد ما بدا من ارتباك في الأداء الرسمي لحكومة نتنياهو من ناحية، وبعد تزايد الشبهات بأن دوافع انتخابية وليست عملياتية وقفت خلف القرار بشن الغارة. وعرض عدد من المعلقين الكثير من الأسئلة التي تبين أن الغارة عبّرت عن خلل كبير في آليات اتخاذ القرار.
وبحسب كبير المعلقين السياسيين في «يديعوت»، ناحوم بارنيع، فإنه عند «وضع الحدث في الجولان السوري يوم الأحد في اختبار النتيجة، لا مناص من الاعتراف بوقوع خلل. وللدقة وقع خللان. واعتذار متلعثم من مصدر اسرائيلي مغفل، امس، لم يغطِ على الخلل الاول، بل على العكس، قاد إلى تفاقمه». وأشار بارنيع إلى التعتيم الشديد حول الحادث، ما يجعل كل تحليل للنيات يعاني من ضعف. ومع ذلك يشدد على أن الغارة في الجولان تختلف عن عمليات إسرائيلية كثيرة سابقة بما تركته من آثار. وشدد على أن الإيرانيين سبق وحددوا السعر لمن يمس بعزيز عليهم وأنهم لا يتورعون عن استخدام سفاراتهم في الخارج من أجل الرد القوي. وكذلك حال «حزب الله» في نظره.
خلل عملياتي.. ومسؤولية القرار
وأشار إلى أن القافلة التي حملت رجال «حزب الله» وإيران، كانت تبعد عن الحدود نصف كيلومتر ولم يكن فيها ما يجعلهم «قنبلة موقوتة» وكانوا يتجولون ولا يستعدون لمعركة. وأوحى بارنيع أن الرجال الذين استُهدفوا ليسوا من النوع الذي لا يعوض، ولدى «حزب الله» وإيران رجال مثلهم وأكثر تجربة منهم. وخلص إلى أن هناك «خللاً عملياتياً» أو خللاً في عملية اتخاذ القرارات. وفي كل الأحوال يرى أن القيادة السياسية الموكلة إليها المصادقة على القرار هي المسؤولة.
وعرض المعلق العسكري لصحيفة «هآرتس»، عاموس هارئيل، مجموعة أسئلة على لجنة الخارجية والأمن في الكنيست المكلفة مراقبة عمل الجيش والحكومة على الصعيد الأمني. ولاحظ أنه فيما تحاول إسرائيل التنصل من العملية تحت ستار الغموض، كانت صحيفة «إسرائيل اليوم» المقربة من الحكومة تعلن على صفحتها الأولى أن «قواتنا هاجمت خلية مخربين كبار في الجولان». ومن بين أول الأسئلة التي عرضها هارئيل: هل مغنية كان الهدف لهذا الاغتيال أم أن منفذي العملية خططوا مسبقا للتعرض لحياة الجنرال الايراني الذي سافر معه في القافلة؟ هل الاستخبارات العسكرية عرفت أن الجنرال الإيراني كان هناك؟ وهل الربح المتوقع من اغتيال مغنية الشاب، يفوق الضرر المحتمل في حالة تدهور الوضع؟
وبعدما عرض هارئيل احتمالات تدهور المواجهة إلى حرب، تساءل عن مدى استعداد الجبهة الداخلية الاسرائيلية لمواجهة نشوب الحرب التي يهدد فيها «حزب الله» بإطلاق عشرات آلاف الصواريخ والقذائف على المراكز السكانية، وهل يتطلب الامر استعدادات مسبقة لاحتمالية كهذه، على الرغم من الإحساس بأن «حزب الله» يريد الامتناع عن الدخول في حرب شاملة؟ وما هي نوعية الخطط العملية للجيش ضد «حزب الله»؟
لماذا الضبابية؟
وخلص هارئيل إلى أن المداولات في سلسلة الاسئلة هي أمر لا بد منه في هذه المرحلة، بسبب أنه اذا تجسدت تهديدات إيران و «حزب الله»، فسينشأ هنا وضع أمني جديد قد يضع الحملة الانتخابية كلها في الهامش. وعلى هذه الخلفية، فإن الإصرار الإسرائيلي على التخفي ضمن حالة الغموض لن يوحي بأي شيء. واذا كانت هناك أبعاد ممكنة لهذه العملية المذكورة، واذا أقرت الامم المتحدة أيضا أن اسرائيل هي التي نفذت العملية، فماذا ينفعنا البقاء في حالة الضبابية.
وفي «معاريف الأسبوع» كتب بن كسبيت أن عملية كالغارة قرب القنيطرة، لا يمكن قراءة نتائجها إلا بمنظور الزمن حينما يتضح حجم الإنجاز وارتفاع الثمن. وفقط بعد ذلك يمكن معرفة إذا كان قرار تنفيذ الغارة صحيحاً ومتوازناً، أم كان مغامراً وعديم المسؤولية. وأشار إلى جملة ملاحظات تفضح الموقف الرسمي بعد الغارة. من الناحية الرسمية قيل «لا تعليق»، ولكن بعد ذلك ذهب وزير الدفاع موشي يعلون للاحتفال بالأمر في القناة الحريدية. صحيح أنه لم يقل إن إسرائيل فعلتها، لكنه حاول قول ذلك بطريقة غير مباشرة. وصبيحة اليوم التالي كان عنوان الصحيفة الناطقة بلسان نتنياهو، «إسرائيل اليوم»: «قواتنا» قتلت مخربين كباراً في سوريا. وأشار إلى أن من يعرف العلاقة بين ديوان رئاسة الحكومة ومجلس تحرير الصحيفة يعرف أن الخبر «أخذ المصادقة من المسؤولين عن أرواحنا وأمننا».
الفضيحة.. الأضحوكة
وفي نظر كسبيت الفضيحة بلغت الذروة حينما أبلغ مصدر مسؤول وكالة «رويترز» أن «اسرائيل لم تعرف عن وجود الجنرال الايراني الرفيع المستوى في القافلة التي تم تفجيرها، وإن هذا الجنرال لم يكن هدفا». ومن يعرف تسلسل الاحداث، يعرف أن «رويترز» لا تنشر نبأ كهذا على مسؤوليتها، حيث يدور الحديث هنا عن تسريب مشروع لمصدر رسمي في القدس. توقعي هو: ليس مصدرا عسكريا، ولكنه مصدر سياسي، الآن ستعرفون لماذا.
ويضيف كسبيت أن هذا التسريب لـ «رويترز» حطم كل الارقام القياسية للضحك. فقد أعلنت اسرائيل أنها لم تستهدف قتل الجنرال الايراني في ذلك التفجير الذي لم تنفذه. هناك في القدس من خشي من تهديدات الانتقام الايرانية وسارع الى الهمس بأننا لم نقصد ذلك، لأنه بالطريقة التي استخدمها بعدم الوضوح جعل من نفسه أضحوكة. عموما بعد ذلك عمدت الأوساط العليا إلى التراجع عن هذا التسريب بعدما صار غير متوفر من يتحمل مسؤولية الإعلان الاعتذاري. وهكذا بدأت التمتمة والتلعثم، وهذا يدل على ضعف الأعصاب.
في كل حال، وبعد أن يعدد معلق الشؤون العربية في «هآرتس» تسفي بارئيل، مظاهر استقلالية قرار إيران في الصراع مع إسرائيل وإلى وجود «تفاهم صامد» ظاهريا يقضي بأن لا ترد إيران ما دامت إسرائيل تركز هجماتها على أهداف «حزب الله» في سوريا. كما أن ايران تصر على ألا تكون علاقة بين محادثات النووي التي تديرها مع القوى العظمى الغربية والموضوع السوري، العراقي أو الحرب ضد «داعش». ففي الجبهة العراقية على أي حال شراكة مصالح وتعاون عسكري غير رسمي بين ايران والولايات المتحدة ضد «داعش»، بينما «ملف سوريا» تبقيه ايران في يدها كرهينة، كي تفرض موقفها لحل الازمة. ويبين بارئيل أنه «يبدو ظاهرا أن تصفية اسرائيل للمسؤولين الايرانيين من شأنها ان تهز هامش التفاهمات غير الرسمية هذه، ولا سيما عندما تشتبه ايران في أن تكون عملية بمثل هذا النطاق منسقة بين اسرائيل والادارة الاميركية».
وجود «القاعدة» في الجولان لا يشكل تهديداً
ويخلص بارئيل إلى القول بأن الغارة رغم كل شيء «توسع حجم تدخل اسرائيل في الحرب في سوريا، وتجعل اسرائيل بندا هاما آخر في منظومة الاعتبارات الاستراتيجية لإيران، حزب الله وسوريا. فما بالك حين يكون الهدف الذي تعرض للاعتداء ليس قافلة سلاح أو مخازن سلاح حزب الله التي يتمتع هجوم حزب الله عليها منذ الآن بشرعية دولية، بل مجموعة قيادية مسؤولة عن ادارة الجبهة». وفي نظره فإن اسرائيل «ترسم هنا خطا أحمر واضحا آخر يؤكد انه ما دامت منظمات الثوار تسيطر، حتى وان كانت متفرعة عن «القاعدة»، في أجزاء من هضبة الجولان السوري، فإن اسرائيل لن ترى في ذلك تهديدا؛ ولكن دخول قوات حزب الله ومقاتلين ايرانيين سيعتبر انعطافة استراتيجية ستواجه اعتراضا اسرائيليا عنيفا. من ناحية ايران، يعد هذا تهديدا على الاحتكار الذي تحتفظ به في سوريا، وذلك لان هذا الفهم الاسرائيلي يدخل بشار الاسد ايضا الى المشكلة. فتطلعه لاستعادة الهضبة بمساعدة قوات حزب الله وايران ستصده اسرائيل وتبقي في هذه الأثناء السيطرة عليها في أيدي الثوار، الذين حتى دون تنسيق مع اسرائيل يمكنهم ان يروا فيها درعا في وجه قوات النظام».
وفي هذه النقطة يذهب محرر «إسرائيل اليوم»، دان مرغليت إلى اعتبار أن «الوجود المتواصل لحزب الله في سوريا هو قضية مركبة، فمن ناحية استراتيجية يعتبر هذا الوجود خطرا عالي المستوى، وبالتالي فإن اقتلاعهم من هناك هو أمر مرغوب فيه. وبما أن حزب الله يقاتل مع بشار الاسد ضد منظمات إرهابية متطرفة بشكل يرتفع ويهبط، لكنه ينزف دما. حسن نصر الله ضعيف جدا على الاراضي السورية مع وجود احتمال أن يشتد ويقوي نفسه في المستقبل، وفي مواجهة هذا الاحتمال فإن اسرائيل ملزمة بالعمل».
تخوّف من استهداف منصات النفط
كشف المعلق الأمني في «يديعوت أحرنوت» رونين بيرغمان أن «إيران وحزب الله رفعا مستوى تهديداتهما لإسرائيل في أعقاب الغارة التي استهدفت قياديين إيرانيين ومن حزب الله في سوريا». ونقل عن مصادر استخبارات غربية تحذيرها من احتمال أن يرد الإيرانيون و «حزب الله» على الغارة الإسرائيلية باستهداف منصات استخراج الغاز الإسرائيلية في الحقول البحرية.
وأشار بيرغمان إلى وجود مخاوف من احتمال أن يفضل «حزب الله» استهداف هذه المواقع الاستراتيجية الإسرائيلية على ضرب دورية عسكرية إسرائيلية على طول الحدود أو إطلاق صواريخ، الأمر الذي قد يقود إلى نشوب حرب شاملة.
وتخشى إسرائيل، وفق بيرغمان، منذ زمن طويل، من تسرب صواريخ بر ـ بحر روسية الصنع من طراز «ياخونت» من سوريا إلى «حزب الله». ومع ذلك، فإن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تقدر أن توفر هذه الصواريخ لدى «حزب الله» من شأنه أن يعرض منصات الغاز والنفط الإسرائيلية في البحر المتوسط للخطر بشكل جوهري.
وأشار بيرغمان إلى أن التوتر بهذا الشأن في إسرائيل ليس صدفة، خصوصا بعدما اعترفت أوساط إسرائيلية بالغارة التي أودت بحياة قياديين بينهم جنرال في الحرس الثوري، حيث ازدادت المخاوف من تهديدات إيران.
http://assafir.com/Article/2/397376
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه