يؤمن الحاخام هلبرانز وأتباعه بأنّ وجود دولة إسرائيل يناقض تعاليم التوراة. هم يرون أنّ على اليهود أن يهيموا في المنفى إلى حين ظهور المسيح المخلّص.«نحن لا نعترف بدولة إسرائيل لأنّ تعاليم ديننا تنصّ على ذلك
لا شيء يخرق هدوء الشتاء الكنديّ وسكينته. الثلج هو العنصر الأبرز الذي يرسم الكنديّون على أساسه جلّ تفاصيل حياتهم. لكنّ الوضع كان مختلفاً خلال الشتاء الماضي في إحدى المدن الكنديّة الصغيرة جنوبيّ مقاطعة أونتاريو، حيث فوجئت مدينة شاتام بانتقال مجموعة يهوديّة متشدّدة للعيش فيها. أسلوب حياة تلك المجموعة، لباسها، وكيفيّة هبوطها على المدينة بين ليلة وضحاها، هزّت السائد في تلك المدينة الريفيّة التي أصبحت فجأة تحت الضوء.
أتوا فجأة، وأثاروا الكثير من الضجّة، ومن ثمّ رحلوا، تاركين خلفهم الكثير من علامات الاستفهام. اختيار المكان لم يأتِ عبثاً. بدت شاتام المدينة النائية المثالية لمجموعة مثل «لف تاهور»، تهدف الى إعادة تموضعها لحين هدوء الضجّة حولها.
ففي منتصف إحدى ليالي شهر تشرين الثاني العام 2013، استأجرت المجموعة المؤلّفة من نحو أربعين عائلة حافلتين كبيرتين، وتركت كلّ شيء وراءها في مقاطعة كيبيك، ممضية ساعات طويلة على الطريق قبل أن تستقرّ في مجمّع من البيوت المستأجرة على أطراف شاتام.
تُروى الكثير من القصص عن عمليّة الهروب المنظّمة تلك، وأسبابها وظروفها، وكلّها تصب في مكان واحد: ثمّة ما يثير الريبة بشأن القادمين الجدد!..
زيارتي لهذه المجموعة، والتقاط الصور لأفرادها، وإجراء المقابلات معهم لم تتمّ بسهولة. لقد أتت بعد محاولات عدّة ومفاوضات طويلة، ذلك أن «لف تاهور» طائفة شديدة الانغلاق على نفسها، ولا تحبّذ الاختلاط مع الأغراب، لكنّ صراعها القانونيّ مع السلطات الكنديّة حتّم عليها الانفتاح الحذِر على الإعلام «لتبيان الحقائق، وإعطاء الصورة الصحيحة عن مجموعتنا» على ما أخبرني ماير روزنر»، أحد مسؤولي الطائفة.
اكتشافهم لهويّتي اللبنانيّة والعربيّة في اللقاء المباشر الأوّل - وهو أمرٌ تغاضيت عن ذكره خلال المكالمات الهاتفيّة - لم يبدُ أنّه أثار لديهم أيّ حساسيّة أو تحفّظ، لكنّ الإحساس العارم بوجودي كأنثى سافرة في مكاتبهم كان الأبرز.
أجريت مقابلات عدّة مع مسؤولين في الطائفة، وكان همّهم الأساسيّ خلالها عدم النظر إليّ، أمّا المصافحة فهي أمر غير واردٍ بالمطلق. لاحظت لاحقاً أنّهم يحرصون على وجود أكثر من شخص معي في المكتب، فأفراد «لف تاهور»، وإن لم يفصحوا عن ذلك جهاراً، لا يمكن لأحدهم أن يتواجد منفرداً مع سيّدة في الغرفة أو الحيّز الجغرافيّ ذاته، غريبة كانت أو حتّى من الطائفة ذاتها، وذلك على مبدأ «والشيطان ثالثهما».
في قفص الاتهام
خلال زيارتي الثانية حملت معي بعض الحلوى. «لا يمكن لنا أن نأكل أيّ طبق غير مُعدّ منزلياً وكوشر (حلال) بحسب شروط الطائفة»، قال لي محرجاً يورييل غولدمان، وهو مسؤول آخر في «لف تاهور»، والذراع اليمنى للحاخام هلبرانز.النظام الغذائي لـ «لف تاهور» شكّل عنصراً إضافياً في المشاكل القانونية للطائفة مع السلطات الكنديّة، كما في تميّزها عن غيرها من اليهود المتشدّدين.
نظامهم الغذائيّ صارم للغاية، ويكاد يخلو من اللحوم (الدجاج محرّم)، كما انهم يتجنّبون الأرزّ. يقتصر طعامهم على أنواع معيّنة ومحدودة جداً من البقول والخضار، فقط بعد إزالة القشر، على أن تكون كلّ مراحل الطعام معدّة حصراً من قبل سيّدات الطائفة. أمّا الكمّيّة التي يأكلونها فهي قليلة جداً وبالكاد تكفي لصلب عودهم وهو ما حدا بالسلطات الكنديّة لاتّهامهم بأنّ أطفالهم يعانون سوء تغذية مزمنا.
سوء التغذية مجرّد عنوان في لائحة اتّهام طويلة وجّهتها السلطات الكنديّة لأعضاء «لف تاهور». الاتّهام شمل تزويج القاصرات، الاعتداءات الجنسيّة، ممارسة العقاب بالضرب والجلد، إساءة معاملة الأطفال وإعطاءهم أدوية مهدّئة للسيطرة على سلوكهم، بالإضافة إلى تدنّي مستوى التعليم، وغياب النظافة بحدودها الدنيا عن منازلهم وأماكن تواجدهم. تنفي «لف تاهور» كلّ التهم الموجّهة إليها، ولم يتمّ إثبات أي تهمة من اللائحة المذكورة آنفاً، وإن كانت الملفات لا تزال مفتوحة أمام المحاكم الكندية.
يشكو ماير روزنر بغضب، قائلاً «نتعرّض لكلّ هذه المضايقات القانونيّة وكلّ هذه الاتّهامات تأتي بسبب ممارساتنا الدينيّة ومعتقداتنا وهذا برأيي تمييز محض». بدأت السلطات الكنديّة تحقيقاتها قبل سنوات في مقاطعة كيبيك، حيث كان يقيم أفراد «لف تاهور»، وهو ما حمل المجموعة على الهرب في منتصف الليل الى شاتام النائية.
علّلت «لف تاهور» هروبها بأنّه لتلافي فرض التعليم الإجباري على أطفالها في مدارس المقاطعة الفرنسيّة، ما سيجعلهم عُرضة لتعلّم مواضيع تتنافى مع مبادئ اليهوديّة، مثل نظرية النشوء والارتقاء، أو للاختلاط بين الجنسين وغيرها. وبرّرت الطائفة اختيارها أونتاريو بأنّ المقاطعة الإنكليزيّة تشرّع مبدأ التعليم المنزلي. لكن هذه كانت مجرّد البداية في رحلة قانونيّة طويلة ومضنية تضمّنت كرّاً وفرّاً بين بعض عائلات المجموعة والسلطات المختصّة.
بعض العائلات حاولت استباق قرار قضائيّ بحجز الأطفال عبر الهرب من جديد ومغادرة كندا بأسرها إلّا انّه ألقي القبض على بعضهم في مطار تورونتو، وتمّت إعادة عائلات أخرى من دولة ترينيداد وتوباغو، وجرى حينها تحويل الأطفال والقصّر إلى منازل عائليّة بديلة. بعض العائلات نجحت بالفعل في الهرب إلى غواتيمالا والتحقت بها عائلات أخرى على مدى الأشهر التالية.
«القاعدة تقول انّه لا بدّ من احترام حقوقك إلّا في حال ثبوت عدم براءتك»، يشتكي «يورييل غولدمان» بمرارة. «في حالتنا، السلطات اعتمدت قاعدة معاكسة: نحن مدانون لحين إثبات العكس وهذا غير عادل على الإطلاق».
الموقف من إسرائيل
يؤمن الحاخام هلبرانز وأتباعه بأنّ وجود دولة إسرائيل يناقض تعاليم التوراة. هم يرون أنّ على اليهود أن يهيموا في المنفى إلى حين ظهور المسيح المخلّص.«نحن لا نعترف بدولة إسرائيل لأنّ تعاليم ديننا تنصّ على ذلك ولا شأن لموقفنا بالسياسة»، يجيبني «ماير روزنر» عند سؤالي عن موقف الطائفة من الصراع العربيّ - الإسرائيليّ.
«نحن لا نتدخّل بالسياسة على الإطلاق ومواقفنا دينيّة بحتة. نحن لا نبالي لمن الحقّ بالأرض هناك وما إذا كانت تعود الى حركة فتح أو حركة حماس أو سواهما. موقفنا الأساسيّ في هذا الصراع، والذي نسعى لإعلانه وتوضيحه دائماً، هو أن اليهوديّة والصهيونيّة أمران مختلفان تماماً. اليهوديّ الحقيقيّ الذي يتّبع تعاليم التوراة وليس القوانين الوضعيّة لدولة إسرائيل يؤمن بأنّه لا بدّ لنا من العيش في المنفى وانتظار المسيح ليظهر ويدعونا إلى مملكة الرّب في إسرائيل بالحسنى والمعجزات وليس بقوّة السلاح».
الموقف الحادّ المعادي للصهيونيّة وللكيان الإسرائيليّ، بالإضافة إلى أسلوب حياة «لف تاهور» وشعائرها المتطرّفة، كلّ ذلك خلق للطائفة أعداء ومشاكل لا تُحصى.يصرّ مسؤولو الطائفة على أن خلفيات مشاكلهم القانونيّة المتعدّدة في كندا تعود إلى ضغوط إسرائيليّة على الحكومة الكنديّة للتضييق عليهم.واللافت أن بعض وثائق المحكمة أظهرت تنسيقاً بين السلطات الكنديّة والإسرائيليّة بشأنهم.كذلك فقد سعت معظم الجماعات اليهوديّة، حتّى المتشدّدة منها، في كلّ من كندا والولايات المتحدة للنأي بنفسها عن الطائفة «المنبوذة».
بين التقليد والحداثة
تمنع قوانين «لف تاهور» استخدام التلفزيون أو الراديو والكومبيوتر لحماية أفرادها من أيّ تأثير خارجيّ غير مرغوب به. لكنّهم يستخدمون الهواتف والبرّادات وغيرها من الاختراعات الحديثة. «نحن لا نرفض التكنولوجيا»، يوضح روزنر، «لكنّنا نستبعد ما قد يؤثّر في أسلوب حياتنا».
المفارقة أن الكومبيوترات الغائبة عن منازل أفراد الطائفة وعائلاتهم، والغريبة عن «أسلوب حياتهم»، على حدّ قول مسؤولي «لف تاهور» موجودة في مكاتبهم! والتفسير؟ «نحتاج اليه لتصريف أعمالنا»، يقول أحد شبّان الطائفة، وهو منكبّ على حاسوبه محاولاً استخراج وثيقة مهمّة طلبتُ تزويدي بها. «أي نوع من الأعمال؟» أسأله، ليجيبني باختصار: «تجارة السلع»، فهو لم يكن مصرَّحاً له التحدّث إليّ.الحديث عن العمل أثار استغرابي بدوره، فأتباع «لف تاهور» لا يؤدّون الوظائف المعتادة، بل يقضون ما يصل إلى ثماني ساعاتٍ يومياً في الصلاة بصوتٍ جهوريّ والصراخ مع التشديد على كلّ كلمة.
عندما سألت عن مواردهم الماليّة أخبرني يورييل غولدمان أنّها تعتمد على التبرّعات والإعانات الحكوميّة الكندية.
وأضاف أن «بعض الأخوة الذين يؤدّون أعمالاً داخل الطائفة كالتدريس أو البناء وغيرهما تتمّ مكافأتهم بتقديم الطعام أو مكان للسكن».هذه الرواية تبقى موضع شكّ عند التدقيق في حجم الأموال الطائلة التي تدفعها «لف تاهور» لتمويل تنقّلات افرادها أو هربهم من بلد الى آخر، واستئجار المنازل المتجاورة ودفع بدل أتعاب المحامين في دعاواها القضائيّة المتعدّدة.
تزويج القاصرات
حديث ملكة روزنر، زوجة ماير روزنر، قصّة بحدّ ذاته، فجميع إجاباتها، بلا استثناء، مجرّد تكرار لوصايا و»تعليمات» الحاخام هلبرانز.عندما سألتها عن سبب لباسهنّ المحافظ، ومدى شبهه بالزيّ الإسلاميّ اجابت:» الحاخام الأكبر هلبرانز طلب منّا التماهي مع حياة أجدادنا، فبحثنا في كتب التاريخ ووجدنا أن النساء اليهوديّات الصالحات مثل رفقة، والفتيات حتّى الصغيرات منهنّ كنّ محتشمات على هذا النحو، وقدّمنا للحاخام اقتراحات عدّة، وهو اختار منها زيّنا الحاليّ».
«لكن لِمَ اخترتن اللون الأسود حصراً؟»
تجيب «لأنّه أكثر الألوان تواضعاً ونحن نسعى للتواضع وللابتعاد عن المظاهر والبهرجة في كل شؤون حياتنا».
تدافع «ملكة روزنر» بهدوء، لكن بحزم عن قناعات طائفتها، سألتها مثلاً عن كيفيّة إتمام عمليّات الزواج ضمن الطائفة، علماً بأنّ السلطات الكنديّة تتّهمهم بتزويج القاصرات، بل انّ بعض التقارير ذهب إلى حدّ اتّهامهم بتزويج الفتيات الصغيرات اللواتي لا يتجاوزن 13 عاماً من رجال كبار في السنّ، أو تزويج الشبّان اليافعين من أرامل الطائفة الأكبر سنّاً منهم بسنوات كثيرة، تصل إلى الضعف أحياناً، صوناً لنقاء معتقداتهم ضمن مجموعة دينية مغلقة.
تجيب روزنر، بلغتها الانكليزيّة الركيكة - وهي التي عاشت في الولايات المتّحدة حتّى سنّ الثامنة عشرة - كيف تمّت خطبة ابنتها التي لم تكن تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها على ابن يورييل غولدمان: «زوجي طرح الموضوع على غولدمان، وبعد استشارة الحاخام الأكبر هلبرانز، أخبرْنا الأولاد بالموضوع وسمحنا لهم بالتحدّث لمدّة نصف ساعة بوجودنا ومن ثمّ أعلنّا الخطبة».
فترة النصف ساعة هذه كانت كفيلة بتحديد مصير ولدَي روزنر وغولدمان، لكنّ ملكة روزنر تشرح بأنّ هذا هو أسلوب زيجات كلّ الطوائف اليهوديّة المتشدّدة وليس «لف تاهور» فقط: «كلّ اليهود الأرثوذوكس يعتمدون الزواج المنظّم».
أعود لأسألها عن ابنتها التي أصبح لها طفل بدورها: «هل كان لابنتك الخيار في رفض أو قبول الزوج المقترح؟ وكيف لها أن تختار شخصاً آخر ما دمتم تمنعون الجنسين حتّى الأطفال منهم من اللعب والتواصل أو حتّى التحدّث؟»، فتجيبني: «لكنّ ابنتي كانت تعرفه من خلال حديث شقيقها عنه، فهو كان معه في الصف الدراسيّ نفسه، كما أنّه يمكننا النظر إلى الذكور من خلال نافذة مشبّكة خاصّة معدّة لنا في الكنيس عندما نذهب للصلاة وخلال المناسبات الدينية».
على هامش لقائي مع ملكة روزنر، أحاطت بي الفتيات الصغيرات محاولات النظر ولمس كاميرَتي الرقميّة. كنّ ودودات للغاية ومبتسمات دائماً، وحاولنا التخاطب بالإشارة لعجزي عن فهم اليديش، وعجزهنّ عن فهم الانكليزيّة أو حتّى الفرنسيّة، وهي لغة مقاطعة كيبيك حيث ولدن ونشأن.
أخبرت ملكة روزنر لاحقاً بأنّني لم أستطع سؤال الفتيات أكثر الأسئلة تقليديةً وهو «ما الذي يطمحن لدراسته أو امتهانه مستقبلاً؟» لعلمي بأنّه غير مسموح لهنّ مجرد التفكير بما هو أبعد من جدران الطائفة وحدودها. لكنّها أجابتني بجفاء: «استخدام تعبير غير مسموح لهنّ غير صحيح، فهنّ غير ممنوعات لكنّهن يجدن متعتهنّ في أمور مختلفة». مثلاً؟ «هنّ يستمتعن ببقائهنّ في المنزل والطبخ ورعاية الأطفال».
التقيت «ملكة روزنر» في منزلها الذي كانت تعمّه الفوضى وتتّضح منه معالم قلّة النظافة. كانت بصدد إعطاء بعض الفتيات الصغيرات درساً في الجغرافيا مستعينة بخريطة ورقيّة لتعريفهنّ ببعض المقاطعات الكنديّة. كانت الصغيرات ينظرن إليها بشرود من وقع في الفخّ. كان واضحاً أنّهن لا يفقهن اللغة الانكليزيّة ولا يعرفن أيّ سبب يحمل طائفتهنّ على إخراج هذا الصفّ الدراسيّ الشكليّ أمام الإعلام. كانت «روزنر» تضطرّ لمخاطبتهنّ باليديش بين الفينة والأخرى لشرح بعض الأمور.
المستوى الدراسيّ المتدنّي لأطفال الطائفة ملف آخر ضمن مشاكل «لف تاهور» القانونيّة في كندا.
بدا من الواضح لي أنّ تعليم الفتيات ليس جدّياً بالمعنى الأكاديميّ ويغلب عليه تعليمهنّ مهارات تتعلّق بشؤون المنزل. أمّا الذكور فيتلقّون دروسهم (الدينيّة في الغالب) في صفوف خاصّة بالطائفة ولا ينتسبون الى مدارس عامّة كما لا يتعلّمون وفق المناهج الحكوميّة. هم أيضاً لا يجيدون إلّا اليديش ولا يعرفون أيّ شيء خارج أسوار «لف تاهور».
التشدّد خيار في مواجهة العلمانيّة
لعلّ الفارق الأساسيّ بين «لف تاهور» وغيرها من المجموعات اليهوديّة المتشدّدة هو أنّ أفراد هذه الطائفة بمن فيهم مؤسّسها هلبرانز، نشأوا ضمن عائلات غير متديّنة. هم اختاروا هذه الحياة الزاهدة وانتسبوا برغبتهم الى هذا الشكل المتشدّد من اليهوديّة مفضّلينه على الحياة العلمانيّة التي كانوا يعيشونها.ولكن هل الذهاب بالاتجاه المعاكس ممكن؟. يجيبني ماير روزنر: «بالتأكيد، أبوابنا غير مغلقة لمن يريد المغادرة، على العكس نحن لا نريد أعضاء غير أوفياء أو غير مقتنعين بعقيدتنا».
يحمل أفراد «لف تاهور» جنسيّات مختلفة: أميركيّة، كنديّة، أوروبيّة وإسرائيليّة. هذا الأمر عقّد ملفّاتهم القانونيّة في كندا بشكل أكبر. وقد سبق للكنيست الإسرائيليّ أن عقد جلسات استماع خاصّة لمناقشة ملفّهم مطالبا باستعادة إسرائيل للأطفال الذين يحملون الجنسيّة الإسرائيليّة. يعترض يورييل غولدمان بشدّة على هذا الطلب «المتعجرف» برأيه، قائلاً: «يبدو الأمر كأنّهم يمتلكوننا لمجرّد كوننا يهوداً. هذا يخالف كل منطق». ويوضح :» أنا مواطن أميركيّ حاليّاً، تخلّيت عن جنسيّتي الإسرائيليّة قبل نحو عشرين عاماً».
تبدو سيرة «لف تاهور» على مدى الاعوام الخمسة والثلاثين الماضية، اي منذ ولادتها وحتّى اليوم، سلسلة طويلة من المنافي والأحكام القضائيّة. من إسرائيل حيث كانت النشأة، إلى أميركا، ومن ثمّ كندا، وحاليّاً في غواتيمالا. لكأنّه حُكِمَ على هذه الطائفة أن تقابَل بالرفض أينما حلّت. أفرادها واجهوا معركة جديدة في غواتيمالا مع السكّان الأصليّين في مدينة سان خوان، التي بدأوا باللجوء إليها في ربيع العام 2014 . سكّان سان خوان، الذين ينتمون إلى قبائل «المايا» ويعتنقون الديانة المسيحيّة رفضوا بقاء «لف تاهور» خوفاً من تأثير الطائفة الغريبة في الثقافة المحلّيّة.
مرّة جديدة، استأجرت عائلات «لف تاهور» الحافلات وغادرت المدينة السياحيّة باتّجاه العاصمة الغواتيماليّة والمستقبل المجهول. مشكلة «لف تاهور» لم تعُد منحصرة في عناوين معيّنة إن كان ما يتعلّق منها برعاية الأطفال أو حتّى تزويج الصغيرات. هي باتت معركة وجود بالنسبة للطائفة، فهل سيُسمح لها بالإبقاء على خصوصيّتها على غرابتها وتشدّدها أم أنّها سترضخ أخيراً لتعود إلى حظيرة الجماعات اليهوديّة التقليديّة التي تنضوي معظمها تحت راية الصهيونيّة؟.
الأيام وحدها كفيلة بالإجابة عن هذا السؤال!