أضاءت الخطة الأمنية الموعودة في البقاع، مرة جديدة، على النقص الكبير في عديد عناصر قوى الأمن الداخلي في مخافر المنطقة وفصائلها
رامح حمية
أضاءت الخطة الأمنية الموعودة في البقاع، مرة جديدة، على النقص الكبير في عديد عناصر قوى الأمن الداخلي في مخافر المنطقة وفصائلها. النقص أيضاً يشمل الآليات المهترئة والعتاد، إلا إذا كانت وزارة الداخلية ومديرية قوى الأمن الداخلي تريدان الشروع في الخطة... بسيارات أجرة مع سائقيها!
بين التفاتة منه إلى كل من يرمقه بنظرة في الشارع، ودفعه للآلية العسكرية، يجمع عنصر قوى الأمن الداخلي كلتا يديه أمام فمه، وينفخ فيهما في ذلك الصباح البارد بعضاً من دفء، والكثير من الحنق على «دولته». يعاود الدفع مرة جديدة وبكامل قوته، ويطلب من زميله داخل الآلية، التي أكل الدهر عليها وشرب، أن «يُعَلِّق لها» (يحاول تشغيلها باستعمال ناقل السرعات)، من دون جدوى. يمرّ الوقت، وتبوء المحاولات بالفشل، حتى تلك التي ساعد فيها مدنيون غيورون، على العنصر الأمني الذي أنهكت قواه، وعلى هيبة الأمن والدولة اللبنانية. تُركن الآلية العسكرية بجانب الطريق المطل على هياكل قلعة بعلبك، في انتظار أن تنقلها «البلاطة» من مكانها في ما بعد.
في مكان آخر من قرى بعلبك الجردية النائية، في السلسلة الشرقية، مخفر لقوى الأمن الداخلي ينام فيه عنصر واحد وحده، في ظل ظروف مناخية وأمنية صعبة. مهمات ذلك العنصر تجمع بين كونه حارس مخفر ومتلقّياً للبرقيات ومرسلاً لها (هذا إذا وصلت أو أمكن إعادة إرسالها). بعد اكتشاف الأمر، اعترض أحد المسؤولين الأمنيين على ذلك و«فرض بقاء عنصرين في المخفر ليلاً، وخصوصاً أن عدد كل عناصر المخفر ستة فقط، بعدما تقلص العدد نتيجة قرار ما في المديرية العامة، يقضي بأن يقتصر عناصر المخفر على أبناء طائفة معينة دون غيرهم، خوفاً من عمليات خطف جديدة بعد اختطاف العسكريين في عرسال في آب الماضي، وتهديدات المسلحين بتنفيذ عمليات خطف جديدة»، بحسب ما توضح مصادر أمنية.
التوصيات القانونية الواردة في تعليمات «المديرية العامة» لجهة الاهتمام بـ «المخافر الإقليمية ذات الظروف الحياتية الصعبة والخدمة الشاقة» لم تجد نفعاً. بقي النقص في العديد والعتاد والآليات على حاله، ليس في المخافر الإقليمية فحسب، بل في سائر قطعات الأمن الداخلي في البقاع. وإذا كان الواقع أقل ما يقال فيه إنه «مرير ومزرٍ» كما يؤكد أحد المسؤولين الأمنيين لـ «الأخبار»، فكيف سيبدو الآن، وقد لاحت «خطّة أمنية» في الأفق يزمع تنفيذها في البقاع الشمالي؟!
قضاء بعلبك من أكبر الأقضية في لبنان. تربو مساحته على 2278 كلم مربعاً، وما يزيد على مئة وبلدتين. سرية درك واحدة لقضاء بعلبك ومعه قضاء الهرمل، بمساحته الشاسعة وبأكثر من أربعين قرية وبلدة.
فصائل قوى الأمن التابعة لسرية درك بعلبك، هي فصيلة بعلبك (مخافر بعلبك ويونين وقصر عدل بعلبك، وسجن المدينة)، وفصيلة طليا (مخافر النبي شيت وطليا والطيبة ومعربون)، وفصيلة الهرمل (مخفرا الهرمل والقصر)، وفصيلة شمسطار (مخافر شمسطار وحدث بعلبك وبيت شاما)، وفصيلة دير الأحمر (مخافر الرام ونبحا ودير الأحمر ونقطة حراسة سيدة بشوات)، إضافة إلى «فصائل مجموعة» (بدون مخافر) استحدثت أخيراً: بوداي عام 2013، وعرسال وبريتال عام 2014. وتضاف إلى الفصائل مفرزة سير بعلبك، ومفرزة طوارئ بعلبك وحاجز القاع (15عنصراً).
في المبدأ، ووفقاً للقوانين والتعاميم وملاك قوى الأمن الداخلي الخاص بتلك الفصائل والمخافر والمفارز، يفترض أن يزيد عدد عناصر قوى الأمن الداخلي في بعلبك ـــ الهرمل على 1100 عنصر، فيما لا يتعدى العديد الفعلي الـ 500 عنصر! وهو عدد قابل للنقص أيضاً، بحسب ما يؤكد مسؤول أمني. فـ «القطعات الأمنية لا يعد سائر عناصرها فاعلين وعاملين أمنياً على الأرض». ويوضح: «كل مخفر ينقص عديد عناصره عنصران على الأقل، توكل إليهما مهمة حارس ثكنة ومتلقي برقيات، فيما كل فصيلة درك، تحتاج إلى ما لا يقل عن خمسة عناصر للأعمال الإدارية والحراسة». أضف الى ذلك فصلا دوريا وشهريا لعناصر من المخافر والفصائل إلى سجن روميه ومخفر ضهر البيدر ومهمات أمنية أخرى. ليس هذا فحسب، فثمة عناصر أيضاً لا يعدون «فاعلين أمنياً على الأرض»، كما عناصر سجن بعلبك (يبلغ نقص عديده ما يقارب 20 عنصراً) ، وعناصر قصر عدل المدينة ونقطة حراسة بشوات. وبين هؤلاء جميعاً هناك من العناصر من أنهكته سنون الخدمة وشارف على التقاعد، وآخرون نال منهم المرض، وحتى الإعاقة.
في المحصلة، لا يبقى لمنطقة بعلبك ـــ الهرمل سوى نحو 350 عنصراً، توكل إليهم مهمة الأمن والحفاظ عليه، بآليات «أكل الدهر عليها وشرب، وتكاد لا تخرج من مرأب قوى الأمن في زحلة حتى تعود إليه، لتنتظر أشهراً لتوفير اعتمادات وقطع غيار... هذا إن توافر» يسخر المسؤول الأمني.
مخفر بعلبك أحد أقدم وأكبر المخافر في المنطقة، وعلى الرغم من نطاقه الواسع، وازدياد عدد سكان المدينة والقرى المجاورة لها، يقارب عدد عناصره الثلاثين، مع آلية عسكرية واحدة «تعيش من قلّة الموت». ولم تنفع التقارير المتلاحقة إلى المديرية بضرورة تعزيز المخفر بعناصر وآليات وعتاد. ويؤكد المسؤول أن «بعض مهمات وزارات أخرى أوكلت إلى قوى الأمن كمخالفات البناء والتبليغات، التي تعد من ضمن مهمات المباشرين القضائيين».
هذا حال قوى الأمن، في الوقت الذي تنهمك فيه وحدات الجيش وأفواجه في مواجهة الإرهاب في جرود السلسلة الشرقية، فضلاً عن مهماته في طرابلس والشمال.
كيف ستطبق إذاً الخطة الأمنية في البقاع الشمالي؟ لا يتأخر المسؤول بالإجابة: «يستحيل تطبيق خطة أمنية على مستوى البقاع في ظل عدد عناصر قوى الأمن من دون الوجود الفعلي للجيش». ويوضح أن «النقص لو كان لا يتعدى 20%، لأمكن الخوض في الخطة، أما وأن النقص يفوق 50% فيستحيل ذلك، ما لم تتوافر مساندة الجيش وعناصر مكاتب استخبارات الجيش في المنطقة، وحتى عناصر مفارز الاستقصاء والتحري وفرع المعلومات».
ويضرب المسؤول مثالاً: بلدة بريتال، التي أشار وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق إلى أن الخطة الأمنية ستنطلق منها. «فيها ما يقارب 17 مدخلاً ومخرجاً، منها إلى الطريق الدولية، ومنها إلى القرى المحيطة بها، وأخرى إلى الجرود، ولا يمكن أن تعطي الخطة نتائج إيجابية ما لم تُنصب حواجز عند كل طريق لإقفال المنافذ من البلدة واليها، مع سرية كاملة لعمليات دهم واستعلام، وسرعة في التنفيذ بعمليات أمنية».
الهرمل في انتظار سريّة الدرك
منذ عام 2009، وقرى قضاء الهرمل تنتظر استحداث سرية درك في مدينة الهرمل. يعوّل أبناء المنطقة، وحتى المسؤولون الأمنيون في بعلبك، على استحداث السرية للتخلص من وزر بعض الأعباء الملقاة على عاتقهم. إذا ما استحدثت سرية درك الهرمل، تفصل المنطقة عن سرية بعلبك بدءاً من بلدة اللبوة جنوباً، وحتى القاع والقصر شمالاً، وعرسال شرقاً وجرود الهرمل غرباً. حتى اليوم ما من مجيب على المطلب الذي تقدمت به بلدية الهرمل عام 2009 بكتاب خطي إلى المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي تطالب فيه بسرية لقضاء الهرمل، «وخصوصاً بعدما أصبح الوضع لا يطاق، حيث لا عدد كافياً لعناصر ولا لآليات عسكرية لتطبيق القوانين وفرض الأمن» كما يقول رئيس بلدية المدينة صبحي صقر لـ «الأخبار». طُلبت حينها قطعة أرض لبناء السرية وهو ما سارعت البلدية إلى تأمينه، على أمل استحداث سرية درك، «أسوة بسرية درك جب جنين، التي تعد قضاء لا يمكن مقارنته من حيث المساحة مع قضاء الهرمل»، كما يقول أحد المسؤولين الأمنيين.
وتجدر الإشارة إلى أن فصيلة الهرمل فيها مخفران هما الهرمل والقصر، فيما نطاق مخفر الهرمل «يتخطى المنطقة، فيضطر عناصر الدورية بآليتهم الوحيدة الوصول إلى مرامل محلة النعناعة ـــ الرويمة عند حدود منطقة القبيات في الشمال». وبحسب مسؤول أمني آخر، فإن قضاء الهرمل الذي يشمل ما يقارب 40 قرية وما يزيد على 80 ألف نسمة، يحتاج إلى ما يقارب 700 عنصر من قوى الأمن الداخلي لضبط الأمن، فيما لا يتعدى عدد عناصر فصيلة الهرمل مع مخفريها الهرمل والقصر الـ 37 عنصراً.
خطة ناعمة؟
بدأت الخطة الأمنية في البقاع، أم لم تبدأ؟. لا يمكن الجزم. ولكن يبدو ان الأجهزة الأمنية بدأت اعتماد نمط التوقيفات «الناعمة والهادئة»، عبر عمليات دهم لمطلوبين من دون خضّات عسكرية كبيرة، بحسب ما تشير مصادر أمنية متابعة. فقد تمكنت قوة من الجيش من توقيف أربعة مطلوبين في بعلبك منذ أيام، بعد دهم منزل في حي الشيخ حبيب في مدينة بعلبك، حيث دار اشتباك محدود بين المطلوبين والجيش، أصيب خلاله عسكري بجروح، وأُوقف أربعة مطلوبين ضبطت في حوزتهم أسلحة وذخائر خفيفة وكيلو غرام واحد من حشيشة الكيف. كما أوقفت قوة من الجيش في منطقة عرسال محمد ح. «المطلوب (بحسب بيان قيادة الجيش) لاقدامه على اعتراض دورية تابعة للجيش والتسبب باستشهاد ضابط ورتيب وإصابة عدد من العسكريين». ويوم أمس أوقفت قوة من مفرزة استقصاء البقاع محمد ت. المطلوب بسبع مذكرات بجرائم سرقة.
http://www.al-akhbar.com/node/224457
"
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه