تجتمع عشرات المؤشرات الأميركية المهيّأة للتنفيذ في الأيام المقبلة، في إطار تصعيد خطير يكشف عن نزوع الإدارة الأميركية إلى رفع وتيرة الحروب المتفرّقة في الشرق الأوسط بذرائع تصل إلى حدود التهريج
د. وفيق ابراهيم
تجتمع عشرات المؤشرات الأميركية المهيّأة للتنفيذ في الأيام المقبلة، في إطار تصعيد خطير يكشف عن نزوع الإدارة الأميركية إلى رفع وتيرة الحروب المتفرّقة في الشرق الأوسط بذرائع تصل إلى حدود التهريج.
عنوان هذه المؤشرات هو محاربة الإرهاب الذي حُدّد له مؤتمر يجمع الأميركيين والأوروبيين في شباط المقبل، لتنسيق الخطوات المقبلة. والإرهاب بالطبع إٍسلامي، لذلك تأخذنا الذاكرة إلى جورج بوش و«حروبه الصليبية» مع شعار «نشر الديمقراطية» مدمّراً به عشرات البلدان في الشرق الأوسط، فاتكاً بملايين البشر الذين صودف أنهم من المسلمين. وتردّنا أيضاً إلى القرن التاسع عشر زمن اجتياح الغرب لأفريقيا وآسيا والأميركيتين بذريعة «نشر الحضارة»، فهل هناك اليوم ديمقراطية «نُشرت» أو حضارة «زُرعت»؟
إنّ طربوش الهجمة المقبلة هو مكافحة الإرهاب وسُبل القضاء عليه، ويبدأ تنفيذه بتدريب «معارضة سورية معتدلة»، حسب التسمية الأميركية المزعومة، في خمس دول هي: تركيا والأردن والسعودية وقطر والإمارات، على أن يكون المدرّبون أميركيين ومعهم معاونون محليون. أما الوسيلة الثانية فتعتمد على نقطتين مترابطتين: المماطلة الأميركية في تسليح الجيش العراقي، وتسليح عشائر الأنبار «السنية» وتدريبها بذريعة أنها أكثر إلماماً بمحاربة «داعش» السنية. والنتيجة، دولة مركزية عراقية ضعيفة وأقاليم مذهبية وعرقية قوية. وهكذا نحارب الإرهاب على طريقة أفلام «الكاوبوي» الأميركية.
وبالترابط، يجترُّ رئيس الوزراء التركي أوغلو مطالب بلاده الدائمة، معاوداً طرح فكرة منطقة حظر جوي في سورية وتوسيع المنطقة العازلة بين الحدود التركية والداخل السوري. والطريف المحزن أنه يبرُّرها بضرورات محاربة الإرهاب والحدّ من حركة ثلاثة آلاف تركي يقول أوغلو فيلسوف الصفر مشاكل إنهم متعاونون مع «داعش».
كما لا يمكن تجاهل الدور الأميركي ـ السعودي ـ التركي في اليمن، حيث يتبنّى هذا المحور محاولات لتفجير «اليمن السعيد» وتحويله إلى ستة أقاليم منفصلة ومتقاتلة قبلياً واقتصادياً ومذهبياً. والأدوات الأميركية للتفجير هي قبائل وعشائر وجهات و»إخوان مسلمون» ومذاهب، بالإضافة إلى تنظيم «القاعدة» الذي تستعمله الأجهزة السعودية والأميركية والتركية لضرب الحوثيين من حركة أنصار الله. ألا يندرج هذا الأمر في إطار نشر الديمقراطية ومحاربة الإرهاب وتعميم الحضارة؟
لبنانياً، لا يزال الأميركيون والسعوديون يمنعون السلاح عن الجيش اللبناني ويرجئون تسليمه، مانعين الدولة من القضاء على «داعش» و«النصرة» في أعالي عرسال والشمال، ومفسحين المجال لتشكل إرهاب قوي في المخيمات الفلسطينية في صيدا وبيروت، لاستخدامه في استهداف الجيش اللبناني وحزب الله. والهدف دائماً هو محاربة الإرهاب على طريقة «الكاوبوي»، مع افتعال حروب سنية ـ شيعية لتدمير لبنان أو الجهات المناوئة لأميركا.
ويبدو أنّ «قراقوش» المملوكي عاد إلى الحياة إنما بلبوس «جبهة علماء الشام» المزعومة التي أصدرت فتوى بضرورة تحويل الليرة السورية إلى عملة تركية، معتبرة أنّ هذا التحويل يضرب النظام السوري وهكذا يصبح لدينا «ائتلافاً سورياً» يترأسه آغا تركماني يحمل الجنسية التركية وينتسب إلى حزب «العدالة والتنمية» التركي، وعملة تركية يتداول بها السوريون. أهذه هي الوطنية والاعتزاز؟ أم أنها عودة إلى زمن السلطنة العثمانية؟
في المحصلة، لا يمكن للمراقب إلا «الإشادة» بدور التحالف الأميركي الجوي لقدرته على رسم حدود الأقاليم بالقصف الجوي من دون أن يتسبّب بكبير ضرر لـ«داعش» و«النصرة». وها هو «داعش» يصكّ عملته ويؤسّس محطات تلفزة ويبيع نفطاً وغازاً للصديقة تركيا بإشراف أميركي مباشر.
بالاستنتاج، يتضح أنّ البيت الأبيض يترقّب نتائج مؤتمر موسكو الذي يُنتظر أن يجمع النظام السوري و«المعارضات السورية» ليبدأ العمل بمشاريعه التصعيدية. وهذا الترقب زمني فقط، لأنّ الرياض وواشنطن وأنقرة، عملت ما في وسعها لإجهاض مؤتمر موسكو وإفشاله قبل أن يبدأ. لذلك يعمل هذا المحور على التأسيس لصراعات عسكرية قوية على الساحة السورية بين نحو 15 ألف مقاتل من المعارضة المعتدلة المزعومة مدعومة جواً وبراً من الأتراك والنظام السوري لاستنزافه وإنهاكه، مقابل تصعيد القصف الجوي ضدّ «داعش» و«النصرة»…
كما أنّ للعراق حصصه من المخططات، وهو عرضة لحروب عنيفة بين أقاليمه الثلاثة ربما تؤدّي إلى تفكّكه في شكل كامل مع نفوذ رباعي أميركي ـ تركي ـ سعودي ـ إيراني فيه. أما مصير اليمن فهو مشابه من حيث البنية بإضعافه وإنهاكه وتمزيقه.
ولن يكون لبنان بمنأى من التداعيات، والمطلوب محاصرة حزب الله وتفكيك الجيش اللبناني لربطه بالسياسة الأميركية ـ السعودية في شكل كامل.
بالاستنتاج أيضاً، يتضح أنّ المنطقة تتجه بسرعة إلى حروب قد تفكك عُرى دولها لمصلحة الارتباط بالجيوبولتيك الأميركي غير المذعور لا من البغدادي ولا من غيره، بل من الجيوبوليتيك الصيني الطامح إلى طاقة رخيصة وأسواق استهلاك.
ولن تكون المنطقة مستسلمة، فهناك محور مقاومة في سورية ولبنان والعراق وروسيا يتحضر، بدوره، للمجابهة. وما كلام أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله الأخير إلا إجابة واضحة عن هذا الاستعداد لمجابهة التحوّلات في المشروع الأميركي.
كان السيد يردّ على الأميركيين لا على السعوديين، صدّقوه إنه سيد المرحلة والبيان.
http://www.al-binaa.com/?article=26554
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه